ناقشت هذا الأمر مع بعض الأصدقاء المختصين فوجدنا أن المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى تفسير للقرآن الكريم يتحدث إليهم بأسلوب يفهمونه، تفسير لا يحتاج إلى تفسير، ولا ينشىء بينهم وبين القرآن حاجزاً من العلوم الأخرى لقد حظي القرآن الكريم باهتمامات ما نالها أي كتاب ديني أو غيْر ديني سابق أو لاحق.. فكتب التفسير بالمئات في العناوين، وبالآلاف في المجلدات، وفي شهر رمضان المبارك أتيح لي التأمل في عدد من كتب التفسير، قديمها وحديثها، وقد ناقشت هذا الأمر مع بعض الأصدقاء المختصين فوجدنا أن المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى تفسير للقرآن الكريم يتحدث إليهم بأسلوب يفهمونه، تفسير لا يحتاج إلى تفسير، ولا ينشىء بينهم وبين القرآن حاجزاً من العلوم الأخرى. وجدنا أن أغلب كتب التفسير اليوم تتصف بواحدة أو أكثر من الصفات الآتية:- 1- تتكلم بلغة عصر مضى، وتفهم القرآن في ضوء عقلية زمانها. 2- بعضها طويل جداً، ما بين عشرة مجلدات إلى عشرين أحياناً. 3- وبعضها مختصر جداً فلا يلبي حاجة المتعطّش من عموم المسلمين لفهم كلام الله. 4- متخصّصة في علوم لا يحتاجها المسلم العادي: كالفقه، والحديث، واللغة، والقراءات، والنحو والصرف، والبلاغة، وبيانِ فلسفة الفرق.. إلخ. 5- صعبة الفهم حتى على خرّيجي كليات الشريعة وأصول الدين من أبناء هذا الزمان؛ فكيف بعامة المسلمين! 6- تشرح ما لا نحتاج إليه اليوم، وتسكت عما نحتاج إليه.. أحياناً. نماذج من التفاسير المشهورة الموجودة بين أيدينا: 1 - تفسير الطبري: تفسير جليل جداً، لكنه طويل جداً يقع في (اثني عشر) مجلداً بعضها حوالي 800 صفحة، متخصّص جداً في الرواية والتفسير بالمأثور، ومملوء بالأسانيد التي لا يستفيد منها إلا أصحاب التخصّص العالي في علم الحديث. 2- تفسير ابن عطية المسمى (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) لخّصه كما يقول ابن خلدون من كتب التفاسير الأخرى، وهو كثير الاستشهاد بالشعر، ويعنى بالشواهد النحوية، ويتعرض للقراءات. 3- تفسير الفخر الرازي وهو طويل جداً: إذ يقع في ثمانية عشر مجلداً من القطع الكبير.. كثير الاستطرادات: فسَّر سورة الفاتحة في مئتين وثلاثين صفحة، ومن كثرة استطراده قال عنه بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير. 4- تفسير القرطبي وهو أيضاً طويل جداً: جاء في عشرة مجلدات ضخام وفيه توسع كثير في الفقه واللغة. 5- تفسير ابن كثير: تفسير مناسب، لكن الصناعة الحديثة غالبة عليه.. لذا ظهر له أكثر من اختصار، وهو متوسط الطول: حوالي 2500 صفحة من القطع الكبير. 6- الكشاف للزمخشري.. تفسير بلاغي بالدرجة الأولى، وهو من أهم تفاسير المعتزلة التي عرضت عقائدهم، وهو كثير الهجوم على أهل السنة. 7- تفسير البيضاوي.. تفسير مختصر، مُهِم، لكنّه موجّه إلى ذوي المستوى العالي في العلم والفهم، لذلك كثرت الحواشي والشروح له حتى قاربت الأربعين! 8- (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، وهو تفسير معتدل الطول، يقع في نحو ألف صفحة، جلها مكتوب على هامش المصحف الشريف، لكن الجيل الحالي يحتاج إلى تفسير يتوسع في بعض الموضوعات التي يعيشها الآن والمشكلات التي يواجهها من حوله. 9- في ظلال القرآن لسيد قطب: ويرى بعضهم أنه أهم ما كتب في العصر الحديث من كتب التفسير، لكنّ جانب البلاغة يغلب عليه، وتبلغ صفحاته 4000 صفحة، ويصدق عليه اسمه الذي سماه به المؤلف، فهو يصور حياة المفسر في ظلال القرآن الكريم أكثر من كونه تفسيراً بالمعنى الاصطلاحي للتفسير، بالإضافة إلى أن مؤلفه غير متخصص في العلوم الإسلامية. وهكذا نجد أكثر التفاسير الجيدة - مع ما فيها من مزايا - لا يستطيع المثقف المعاصر فضلاً عن الإنسان العادي أن ينتفع منها بشكل كبير، علماً بأنه من العسير أن يوجد تفسير واحد يجمع كل المزايا، ويلبي كلَّ الحاجات، وبعض التفاسير الجيدة التي كُتبت في العصر الحديث: كأضواء البيان للشنقيطي، والتحرير والتنوير لابن عاشور، وروح المعاني للألوسي على فضلها ومكانة مؤلفيها العلمية كتبت بروح عصور سابقة لا بروح هذا العصر ولغة المثقفين من أهله - غير المتخصصين في الدراسات الشرعية - ففي أضواء البيان مثلاً فسر الشنقيطي - رحمه الله - سورة الحج في ثمانمئة صفحة، ناقش فيها أحكام الحج بالتفصيل. وقد رأيت أنا والأصدقاء الذين كنا نتناقش في هذا الموضوع على أن التفسير الذي نحتاج إليه الآن يحسُن أن تتوافر فيه الصفات الآتية: - مكتوب بأسلوب العصر، في لغته وطريقته، وملتزم بفكر أهل السنة في مضمونه. - متوسّط الطول: لا يزيد على مجلّدين. - يشرح المفردات القرآنية التي تحتاج إلى تفسير بشكل دقيق لكن مبسط. - يورد أسباب النزول باختصار حسب أوثق الروايات. - يذكر الآيات المتعلّقة بالآية محلِّ التفسير، والمشابهة لها، يعني: يفسّر القرآن بالقرآن. - يذكر الأحاديث الشريفة الصحيحة التي تفسّر الآية، يعني: يفسّر القرآن بالحديث. - يشرح المعنى الإجمالي للآية.. - يبتعد عن: النحو، والصرف، والبلاغة، والتفريعات الفقهية، والأحكام، ولا يتعرّض للقراءات. - يتجنب مواطن الخلاف الفقهي، ويغلب فيه التفسير بالمأثور على التفسير بالرأي. - يترك ما ليس المثقف المعاصر في حاجة إليه. وتبقى التفاسير المذكورة سابقاً وغيرها ذخراً علمياً لأهل التخصص والدراسات في مجال علوم التفسير. وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.