في العصور القديمة ذهبت، أدراج الرياح، جهود الألوف المؤلفة من العلماء والفلاسفة والدجالين - في خليط غريب من علماء الكيمياء إلى مدّعي الشعوذة والسحر - كل تلك الجهود انصبّت، ولعدة قرون، على محاولة تحويل الحجر إلى ذهب. حجر الفلاسفة هذا، والسفسطائيين، كان يهدف إلى تحقيق الثروة بأسرع وأيسر الطرق، فلا شيء، أمس، واليوم، يخطف الأبصار كالذهب، وكل الجهود التي عملت على الحصول عليه من غير مصادره الطبيعية، وبالطرق الشاقة، ذهبت هباء، وأفنت أعمار أمم، وفي عالم اليوم، وبرغم كل التقدم العلمي والتقني، وسيادة العقل وزيادة الوعي، لا يزال (الطمع) في الثراء السهل السريع يخطف البصائر والأبصار، فتخرج مذاهب فنية عديدة تحلل حركات الأسهم وتقلبات العملات والذهب ويزعم أصحابها - كما زعم رفاقهم بالأمس - أنهم يملكون كلمة السر التي تفتح أبواب الثروات على مصاريعها وتحقق الأرباح المضاعفة بأسرع الأوقات، فما أشبه الليلة بالبارحة: كل يدّعي وصلاً بليلى.. ولا يعني هذا أن المذاهب الفنية في تحليل تحركات الأسواق - من أسهم وسلع وعملات - يقوم على الدجل كما فعل الأولون الذين حاولوا جادين جاهدين تحويل الحجر والحديد إلى ذهب، ولكنه يعني أن تلك المذاهب الفنية تحاول رصد السلوك الجماعي الماضي للمتداولين والتنبؤ بالآتي كامتداد لسلوك الماضي ونتيجة له، ويجزم بعضهم أنها نتيجة حتمية أو شبه حتمية، ولكن الواقع المشهود على مر الدهور لم يثبت ذلك علمياً ابداً وإنما ظل تطلعات ومحاولات لترويض وحوش أقوى من مروضيها كثيراً وأسرع عدواً وأعمق مكراً.. * كلمة السر الحقيقية التي تحول الحجر إلى ذهب هي العمل الجاد المثابر الصبور عن بصيرة وعلم وتمييز ومتابعة دقيقة ومعرفة أكيدة أن الطريق طويلة ومملوءة بالعثرات ولكنها هي السبيل الوحيد بعد توفيق الله عز وجل - لتحقيق الثراء المعقول في عمر مقبول.. هي العمل الجاد المثابر.. العمل الصبور عن معرفة وعلم.. العمل يا صديقي ولا شيء غيره.. حتى الحظ الجميل يختبئ في ثياب العاملين المثابرين، العاملين على بصيرة.. وبتمييز.