كان طبيعياً ان يخيم الحزن على كل بيت سعودي صبيحة يوم امس منذ لحظة الاعلان الرسمي لوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وانتقاله الى الرفيق الاعلى، للعلاقة العاطفية التلقائية التي تجمع وتربط الشعب السعودي بكل فئاته بقيادته الحاكمة على امتداد كل عهود الدولة السعودية. كما لاحظ العالم قاطبة امس، استمرار الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني بالانتقال السلس للسلطة بعد ساعة من وفاة الراحل الكبير الملك فهد، باجتماع العائلة المالكة ومبايعة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ملكاً واختياره الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولياً للعهد، ويعد مثل هذا النهج الفريد، سابقة في ظروف كهذه في كثير من البلدان ذات الانظمة غير الملكية، وهو ما شكل ضمانة الاستقرار السياسي في السعودية على امتداد كل العهود السابقة في تاريخ الدولة السعودية. لقد رحل الزعيم الكبير الملك فهد، والتاريخ الحديث يسجل له وهو الذي اقترن مولده في عام 1921م ببداية عهد الاستقرار للدولة السعودية انتهاجه طوال فترة حكمه سياسة معالجة المشكلات بالعقل والروية داخلياً واقليمياً وعربياً ودولياً فعند مغامرة صدام حسين باحتلاله لدولة الكويت في الثاني من اغسطس 1990م وهو ما شكل تهديداً للدول المجاورة ومن بينها السعودية، تصدى الملك فهد لهذا التهديد الذي كان احد الاحداث الجسام التي واجهت القيادة السعودية بعودة الكويت الى اهلها وقيادتها الشرعية. كما كان للراحل الملك فهد تطلعه الى تحقيق اماني الامة العربية والإسلامية وكسب صداقات الدول والشعوب، ورهانه على قدرة الامة العربية على تجاوز الاحداث العارضة التي تؤثر في صلابة الموقف العربي ازاء الاخطار المشتركة. ومثلت القضية الفلسطينية، اكثر اهتمامات الفقيد السياسية ما بين القضايا العربية، حيث وضع الملك فهد - رحمه الله - خطة سلام من النقاط لحل النزاع العربي - الاسرائيلي باقرار مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي عقد في مدينة فاس المغربية في سبتمبر (ايلول) 1982م، هذه الخطة التي اشتهرت فيما بعد باسم (خطة الملك فهد للسلام)، وحظيت باجماع عربي عليها. ولاقت مأساة الحرب الاهلية اللبنانية اهتماماً من الراحل الكبير، وساعدت مساعيه الحميدة في وقت هذه الحرب، كما ساهم بجهود في وقف الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في يونيو (حزيران) 1982م. واثمرت جهود الملك فهد في ايجاد حل عادل للقضية اللبنانية من خلال اتفاق الطائف الذي اعتبرته الفئات اللبنانية المتصارعة وعلى لسان قادتها الاساس التوافقي الأمثل لإعادة اللحمة والوفاق بين اللبنانيين، ووضع حد للتناحر بينهم. اما اذا تحدثنا على المستوى الداخلي، فقد شهد عهد الراحل الملك فهد نهضة تنموية ونقلة حضارية لم يسبق لها مثيل، وكان له دور رائد في نمو وتطور المجتمع السعودي مسترشداً في ذلك بالاهداف والقيم الدينية والاخلاقية والإسلامية، وتعزيز الدفاع عن المملكة وترسيخ الامن الداخلي فيها، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة للنمو الاقتصادي عن طريق تنمية الموارد الاقتصادية. كما يسجل التاريخ للملك الراحل بوضع بلاده على ابواب عهد جديد بإصداره 3 مراسيم تاريخية يتعلق اولها بنظام الحكم الاساسي والثاني بنظام الشورى والثالث بنظام المقاطعات مثلت نقلة تاريخية في مسيرة السعودية. وشهد عهد الراحل الكبير اكبر توسعة في التاريخ للحرمين الشريفين، وهو يعتبر اول ملك سعودي يتسمى بلقب خادم الحرمين الشريفين وكان ذلك بتاريخ 24/2/1407ه كما انشئت في عهده مشروعات عملاقة في المشاعر المقدسة من اجل راحة الحجاج، وسجل للملك فهد بأنه اول من اقام مشروع تزويد الحجاج بالمياه العذبة المبردة على نفقته الخاصة، كما سجل له انه اول زعيم عربي وإسلامي استجاب لنداء منظمة اليونسكو لترميم قبة الصخرة والمساجد في القدس الشريف، كما انه اول زعيم عربي وإسلامي، دعا الى مصالحة وطنية بين الفصائل الصومالية المتحاربة.. كما اننا لن ننسى ان الراحل الكبير يعتبر اول وزير للمعارف عقب انشاء هذه الوزارة في عام 1953م. لكن اللافت للجميع هو النضوج المبكر للراحل الملك فهد منذ طفولته ونشوئه في ظل رعاية والده موحد المملكة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - من اهله في تحمل اعباء ومسؤوليات جسام، وكان شغوفاً بملازمة والده وهو يصرف شؤون الدولة ويدير دفة الحكم مما صقل شخصيته واخصب تفكيره وجعله مهيأ لتولي اكبر المناصب، وهو ما دفع والده لانتدابه في بعض المهام عندما لمس فيه النضج المبكر والاستعداد الذي يؤهله لتمثيل المملكة. ويعتبر اختياره عضواً في الوفد السعودي برئاسة الراحل الشهيد الملك فيصل بن عبدالعزيز للتوقيع على ميثاق الاممالمتحدة من اولى المهام المبكرة التي شارك فيها في عهد والده الملك عبدالعزيز في عام 1945م.