عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس جلسة استثنائية خاصة لتأبين - المغفور له بإذن الله - الملك فهد بن عبدالعزيز، وقد افتتح الجلسة رئيس الدورة الحالية للجمعية العامة السيد جان بينغ بكلمة قال فيها : «إنه لواجب محزن أننا اليوم نجتمع لنؤبن خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الذي توفي يوم الاثنين الأول من شهر أغسطس 2005. لقد كان الملك فهد صاحب رؤية وقيادة عظيمتين في حكمه للمملكة العربية السعودية لما يقارب الربع قرن. وحفلت فترة قيادته للمملكة العربية السعودية بتقدم وتنمية ليس لهما ما يماثلهما وقام باسهامات ثمينة في حقل الدبلوماسية الدولية والإقليمية. إن الملك فهد سوف تظل ذكراه خالدة لتفانيه وحكمته في خدمة وطنه وشعبه. وباسم الجمعية العامة للأمم المتحدة فإنني اطلب من مندوب المملكة العربية السعودية، السفير فوزي شبكشي أن ينقل تعازينا الحارة للعائلة المالكة ولحكومة وشعب المملكة العربية السعودية في وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود. ثم دعا رئيس الجمعية العامة وفود الدول للوقوف دقيقة صمت حداداً على وفاة الملك فهد - يرحمه الله -. وبعد ذلك تتالى المتحدثون على منصة الجمعية العامة للتعبير عن الحزن والمواساة في وفاة فقيد الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بأسره الملك فهد بن عبدالعزيز. وشملت قائمة المتحدثين مندوب الولاياتالمتحدةالأمريكية ورؤساء المجموعات الإقليمية والقارية في الأممالمتحدة وهي: مجموعة الدول الافريقية، مجموعة الدول الآسيوية، مجموعة دول أوروبا الشرقية، مجموعة دول البحر الكاريبي، مجموعة دول أوروبا الغربية. وقد نوه المتحدثون في كلماتهم بالقيادة الحكيمة للملك فهد وما تحقق على يديه من تقدم وازدهار في المملكة ورفاه للشعب السعودي وأشادوا بحنكته السياسية على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية مما جعل الدور السعودي مؤثراً في مختلف القضايا ذات البعد الهام للأمن والسلم الدوليين وبخاصة القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية. وفي ختام جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، القى مندوب المملكة الدائم لدى المنظمة الدولية السفير فوزي بن عبدالمجيد شبكشي كلمة أبن فيها الفقيد العظيم الملك فهد بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - واستعرض إنجازات حكمه الميمون للمملكة وعطاءاته الكبيرة في نصرة قضايا الحق والعدل عربياً وإسلامياً ودولياً. وتنشر «الرياض» فيما يلي نص كلمة السفير فوزي بن عبدالمجيد شبكشي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في تأبين - المغفور له بإذن الله - الملك فهد بن عبدالعزيز. «بسم الله الرحمن الرحيم.. {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}. بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ودعت المملكة العربية السعودية ابناً باراً ومميزاً بخصاله العالية وملكاً عظيماً أمضى حياته مدافعاً عن مصالح المملكة وراعياً لمسيرة الوطن ومجدداً لنهضته وحارساً لقيمه ومثله. حكم بشريعة الله فحقق العدالة والانصاف وأبحر ببلاده وسط منطقة تموج بالعواصف والاضطرابات وتجتاحها القلاقل والحروب إلى بر الأمان وسار بها في دروب الاستقرار والحداثة والتطور فحقق لها التقدم والازدهار. وقد حفل عهده - رحمه الله- والذي استمر حوالي 24 عاماً بالكثير من الإنجازات الهائلة في كل المجالات، فقد شهد عهده الميمون تنفيذ خمس خطط للتنمية الاقتصادية أنشأت تنوعاً في القاعدة الاقتصادية وارتفع مستوى معيشة المواطنين وارتقت رعايتهم الصحية، وأرسى - رحمه الله - النهضة التعليمية منذ أن عُين وزيراً للمعارف عام 1373ه الموافق 1953م، وفي عهده صدر النظام السياسي للحكم في المملكة العربية السعودية ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق وأنشئت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وجرت انتخابات المجالس البلدية. حرص والده المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على تكليفه بالعديد من الأعمال السياسية والإدارية وأشركه في مهمات ووفود رسمية سعودية ترأس بعضها، وكان من بين الوفود الرسمية التي شارك فيها الوفد السعودي الذي ترأسه المغفور له بإذن الله الملك فيصل - رحمه الله - للمشاركة في المؤتمر الأول للأمم المتحدة والتوقيع على ميثاق المنظمة في سان فرانسيسكو عام 1364ه الموافق 1945م، وتقلد الملك فهد - رحمه الله وزارة الداخلية عام 1382ه الموافق 1962م، ثم عين نائباً لرئيس مجلس الوزراء عام 1387ه الموافق 1967م، وبويع ولياً للعهد عام 1397ه الموافق 1977م، وملكاً للمملكة العربية السعودية عام 1402ه الموافق 1982م. وودعت الأمة العربية والإسلامية قائداً ملهماً وزعيماً فذاً كانت حياته حافلة بالبذل والعطاء في سبيل نصرة الأمة العربية والإسلامية، فوقف مع قضاياها وحقوقها مدافعاً وناصراً معيناً. لم يوفر جهداً ولم يدخر مالاً في سعيه إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة وتنسيق الجهود وتفعيل التضامن، واستمرت السياسة الخارجية السعودية في عهده بالتمسك بثوابت الإسلام والقيم العربية وعدم الاعتداء وحسن الجوار، وقد تميز - رحمه الله - بالتسامح والاعتدال وحبه للسلام وكان داعية للتوافق والتعاضد والتعاون والتفاهم. واقترنت رحابة صدره بسعة أفقه وبعد نظره وقدرته على امتصاص خلافات الأشقاء وحل الأزمات، كما اقترن تسامحه واعتداله بالحزم واتخاذ القرارات الصعبة حين يتوجب اتخاذها انقاذاً للوطن وحماية لشعبه ودفاعاً عن أمته وانتصاراً للحق والعدل. وستبقى توسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما وطباعة المصحف الشريف وترجمة معانيه إلى عدد من اللغات وتوزيعه على المسلمين وبناء المساجد والمراكز الإسلامية وإنشاء كراس للدراسات الإسلامية في عدد من جامعات العالم وتوفير كل الخدمات وأفضلها لحجاج بيت الله الحرام بالإضافة إلى الإنجازات الهائلة التي تمت في المملكة العربية السعودية وجهوده الخيرة وسعيه الدؤوب لرأب الصدع والتقريب بين وجهات النظر وتخفيف حدة الخلافات بين الأشقاء العرب والمسلمين غرباً وشرقاً، وقراره الحكيم ودوره الشجاع في تحرير دولة الكويت ومساعيه الخيرة وجهوده في انهاء الحرب المدمرة في جمهورية لبنان والتي توجت باتفاق الطائف ومشروعه للسلام في الشرق الأوسط والذي عرف باسمه وجرى تبنيه في قمة فاس ونصرته للشعب الأفغاني وشعب البوسنة والهرسك من مآثره الخالدة والتي سجلها التاريخ العربي والإسلامي في خدمة دينه وشعبه وأمته جعلها الله في ميزان حسناته. ولقد ودعت الإنسانية زعيماً سياسياً محنكاً تميز عهده بالأصالة والموضوعية والمبادئ الإنسانية والمساهمة الإيجابية في حل القضايا الشائكة برأيه الحصيف وبمساهماته الخيرة في رفع المعاناة واستقرار ورخاء المجتمع الدولي من خلال سياسته الرشيدة والمعتدلة في المجال السياسي وفي مجال الطاقة ومن خلال تقديم الدعم والمؤازرة للقضايا الإنسانية كلها. وقد بلغت المعونات والمساعدات السعودية الرسمية للدول النامية حوالي 84 مليار دولار وما نسبته أكثر من 4٪ من إجمالي الناتج القومي السعودي خلال الخمس سنوات الماضية فضلاً عن المساعدات الإنسانية والشعبية السخية للمملكة العربية السعودية. السيد الرئيس.. أشكركم على افتتاح جلسة هذا الصباح بتأبين خاص لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وأقدر لكم كل التقدير لفتتكم هذه وأنقل إليكم شكر حكومة المملكة العربية السعودية على تعازيكم، كما أود أن أعرب عن خالص الشكر وبالغ التقدير للزملاء الكرام رؤساء مختلف المجموعات وممثل الدولة المضيفة على بياناتهم التي عددت مآثر الملك الراحل. رحم الله الملك فهد، وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وستواصل المملكة العربية السعودية في ظل قيادتها الحكيمة التمسك بنهج الثوابت التي وضعها مؤسس المملكة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز- رحمه الله - كدولة وكفكر وكقيم وأخلاق وهو ما اتبعه الملوك من أبنائه. وستستمر مسيرة الإصلاح المنظم والتحديث المنسق واستيعاب المتغيرات من دون تراخ في مواجهة التطرف ولا تهاون في التصدي للإهاب. وستظل المملكة العربية السعودية بقيادة مليكها ومساندة ولي عهدها - حفظهما الله - مقصداً وناصراً وداعماً للعرب والمسلمين وللإنسانية وللحق والعدل وداعية للتعاون والتفاهم والاستقرار والازدهار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركات».