"حلّو يا حلّو رمضان كريم يا حلّو.. فك الكيس وادينا بقشيش يا نروح ومنجيش ياحلو"،.."رمضان جاءنا وفرحنا بو بعد غيابه أهلا رمضان".. أغان فلكورية تربى عليها أجيال من الأطفال المصريين الذين اعتادوا استقباله بفرحة طفولية نقية، كانت تعكس دوماً صفاء سريرة المجتمع المشهود له بالتدين والسماحة على مر تاريخه. "الفانوس" هذا "اللوجو" الرمضاني الذي اعتاد عليه المصريون منذ الدولة الفاطمية، تحول إلى وسيلة للسخرية اللاذعة التي عسكها المشهد السياسي الاستقطابي، فأشهر أشكال الفوانيس وأكثرها مبيعاً هذا العام هو "خروف مرسي"، والمرسوم على شكل "خروف" نكاية بالرئيس المعزول محمد مرسي، في الوقت الذي تراجعت فيه مبيعات الفانوس ذي الشكل الكلاسيكي الذي توارثه المصريون منذ مئات السنين. السيدة زينب -أحد أحياء القاهرة القديمة، وأشهر أسواق بيع الفوانيس في مصر- كان وجهتي لتفقد حركة البيع من حيث الكم والنوع، بالإضافة لحنيني لعبق الماضي، حين كنت طفلة صغيرة أنتظر رمضان بفارغ الصبر كي أشتري فانوساً ألهو به مع من هم في سني من أبناء الجيران، وتدريجياً افتقدت رؤية تلك الفرحة في عيون الأطفال، وفوجئت بقلة عدد الشوادر التي كانت تملأ شوارع الحي الرئيسة، بالإضافة لاضمحلال بيع الفانوس التقليدي أمام الدمى التي حلت مكانه. "محمد سيد" -بائع بأحد الشوادر- يقول: "الفانوس حالياً بقي أكثر من نوع ولكل نوع زبون، فمثلاً نوع الصاج الكبير يشتريه من يرغب تجميل مدخل بيته، والخشب أو المعدن -معمول بشكل أرابيسك- يشتريه من يرغب عمله ديكور، أو الحبيبة اللي بيهادو بيه بعض"، مشيراً إلى أن أي خطيب لازم يشتري لخطيبته فانوس في رمضان. وأضاف أن الفانوس الصيني المصنوع على شكل لعبة هو الأكثر قبولاً لدى الأطفال، حيث يتم تصميمه دائماً على شكل شخصية كرتونية محببة لهم، وتتغيّر كل عام حسب الظروف الاجتماعية المحيطة، موضحاً أن الصناع الصينيين ماهرون في دراسة كل الأجواء المحيطة، ففي عام ظهر الفانوس على شكل الشخصية الكرتونية الشهيرة "المفتش كرومبو"، وأخرى على شكل "سبونج بوب"، وأخيراً الظاهرة السياسية التي اخترقت عقول الأطفال وهي عزل الدكتور محمد مرسي من رئاسة الجمهورية، والتي طغت على كل الأحداث وأصبحت مؤثرة حتى في عقول الأطفال، ما جعل أكثر الفوانيس مبيعاً هو الذي أطلق عليه "خروف مرسي"، كما كان منذ سنوات على شكل جمل بعدما أطلق عليها "موقعة الجمل" أثناء ثورة 25 يناير. وعند سؤالي له حول ظاهرة اختفاء لهو الاطفال بالفوانيس والغناء كما اعتدنا فى الصغر، قال "محمد": "حالياً الطفل يشتري الفانوس بيغني بدل الأغنية ثلاثة، غير أن الأطفال تغيّروا عن زمان". ولدى حواري مع البائع أقبلت إحدى الأمهات تدعى "سميرة" لشراء فوانيس لأطفالها، فسألتها عن نوع الفانوس الذي تشتريه، فقالت:" فوانيس صيني زي كل سنة، ومعاه فانوس صاج كبير لتجميل مدخل البيت". وبجوار "سميرة" وقف ابنها "عمر" -سبع سنوات-، وسألته عن كيفية اللعب بالفانوس؟ فقال:"هي بتغني واحنا بنسمعها وبنتفرج عليها".. تضحك الأم مستدركة: "وبعدين تكسروها"، موضحة :"كنّا زمان نضع الفانوس، وننتظر شهر رمضان عشان نتجمع مع أصحابنا، ونغنى وندور حوالين بعض، والأهالي يقدمون لنا الياميش والحلويات، أما الآن الحال اختلف..الزمن تغيّر". وانتقلت إلى شادر آخر فقابلت "مصطفى" -شاب في العشرين من عمره، كان يبحث عن فانوس ليشتريه-، وسألته عن سبب شرائه للفانوس، فقال:"أبحث عن فانوس مصنوع من النحاس أو الخشب مشغول بالأرابيسك؛ ليهديه لخطيبته، وفي الوقت نفسه سيكون تحفة فنية توضع في أحد أركان عش الزوجية بعد عقد القران؛ لتتحول اللعبة الفاطمية إلى قطعة ديكور تعيد الحنين إلى زمن ولى وانتهى". فوانيس من نوع الصاج لمن يرغب تجميل مدخل بيته وآخر من الخشب والمعدن فانوس «خروف مرسي» الأكثر مبيعاً هذا العام جانب من محال بيع الفوانيس في السيدة زينب وسط القاهرة فانوس «موقعة الجمل» توثيق لأحداث ثورة 25 يناير هدايا مغلفة من الفوانيس تقدم هدية للخطيبة