مع أن الإعلام الجديد لم تستقر أركانه الفنية (الشكل)، ولم تتبين ملامحه التحريرية (المضمون) إلا أن الجدل مستمر حول مستقبل الإعلام التقليدي في الأعوام القادمة. هناك من يتنبأون بعصر تقني باهر تصبح فيه الصحف الورقيّة تاريخا، وتمسي المؤسسات الإعلاميّة الضخمة للإذاعة والتلفزيون آثاراً لحقبة ولت. وهكذا نجد مقالات وبحوثا تتصدّرها فرضيات نهاية حقبة وبداية أخرى مع بعض مؤشرات صمود الإعلام التقليدي ألا أن المتفائلين لم يفلحوا في تبديد قلق بعض الناشرين في ظل تقلص عائدات الإعلانات، واختفاء مؤسسات صحفية بدأت تشهد موجة من الخسائر، وتسريح الموظفين والإغلاق. في الولاياتالمتحدة تقول شواهد الحال فيما يختص بالصحافة الورقيّة إن هناك مؤشرات حياة لبضائع معلوماتية جديدة تترافق مع هبوط قيمة الإعلان في المطبوع من حوالي 45 بليون دولار عام 2003 إلى قرابة 20 بليون عام 2011م وهو تراجع سنوي ملموس أثر في قطاع صناعة الصحف بشكل كبير. ويكفي أن نعرف أن مؤشرات نسب الانخفاض المقلقة ظهرت في عائدات إعلانات الصحف المطبوعة في عامي 2008 م (-17.7%) و 2009 (-28.6%). ولهذا السبب خسر حوالي 13500 صحفي وظائفهم بين عامي 2007 و2010. وفي عام 2011 وحده تم اكتمال إغلاق 152 صحيفة مطبوعة ولعل هذا يفسّر كيف أن عدداً من كبار المديرين التنفيذيين لوسائل إعلاميّة عملاقة غادروا مواقعهم أو تم استبدالهم، وآخرهم Janet Robinson المديرة التنفيذيّة لنيويورك تايمز التي اضطرت تحت الضغط للتقاعد. وهذه الحال من عدم الاستقرار الإداري تنسحب على وكالات الأنباء التي بدأت تعيد تخطيط استراتيجياتها في سوق أخبار ومعلومات عالمي مفتوح. وقد بدا ذلك واضحا حينما قررTom Curley وهو إعلامي وإداري مخضرم التقاعد من إدارة "أسوشيتدبرس" بعد 9 سنوات صعبة على قمة اكبر مؤسسة أخبار في العالم. وفي مجال الكتاب الورقي يبدو أن الحال الهادئة لن تستمر طويلا إذ تكشف تقارير السوق عن أن مكتبة الأمازون تبيع الآن الكتب الإلكترونيّة أكثر من الكتب الورقيّة اذ تبيع مقابل كل 100 كتاب مطبوع 150 كتابا الكترونيا. بعض الباحثين لا يلتفتون كثيرا للجدل النظري حول حياة وموت الصحافة والإعلام التقليدي طالما ان "المحتوى" هو الكنز الذي يمكن استثماره وإعادة تشكيل قنوات توصيله للمستهلك النهائي وكل ما في الأمر هو قيام مؤسسات الإعلام بأدوارها في اكتشاف القنوات الجديدة المناسبة ليس إلا. ولكن الإشكال من وجهة النظر التربويّة الاجتماعيّة يتجاوز موضوع الحريّة والمنافسة إلى موضوع "الوسيلة" التي تشكل القلق الأكبر في دوائر الاجتماعيين وربما السياسيين أيضا كون وسائل (وسائط) التلقي والإرسال اللحظي للمعلومات والأخبار اليوم لم تعد ملكاً لمؤسسة محددة يمكن محاسبتها ومراجعة ميثاقها الأخلاقي ومن ثم التعاطي معها. لقد بات الخبر والمعلومة مجانيّان في سوق شعبي عالمي باتت معلوماته وأخباره الأوسع انتشارا هي تلك المحلاّة بالمبالغة والشائعات والكذب في أحيان أخرى. ّ*قال ومضى: بادر بعلاج من (مرضه) الإساءة إليك (بمضادات) التسامح حتى يشفى..