هل أصبحت الصحافة الورقية التي اعتاد الناس على أن تكون جزءاً من طقوس وجبة إفطارهم في الصباح، من العادات التي أصبح التغيير لها حتمياً ومتوقعاً؟ منذ بدايات القرن الثامن عشر الميلادي ومع ظهور أوائل الصحف في أوروبا والولايات المتحدة والصين، شهد العالم ولادة الصحافة الورقية الأسبوعية ومن ثم اليومية، ولم تكن بداية تاريخ الصحافة إلا من خلال صحيفتي الأخبار الأسبوعية البريطانية وبوسطون الأميركية، وصدرتا بين عامي 1622/1690، أما تاريخ الصحافة العربية فقد بدأ مع صدور صحيفة (الوقائع المصرية) في عهد محمد علي باشا عام 1828 للميلاد. ما من شك في أن الصحافة اهتمت بقضايا الناس وإشباع فضول قراءاتهم، وتخصصت الصحف في نقل الأخبار وطرح الآراء حولها، وهو ما جعلها مصدراً مهماً لتوعيتهم، وتزويدهم بالأخبار التي تهمهم في الداخل والخارج. لسنا في مجال نستعرض فيه تاريخ الصحافة ومراحل تطورها، فذلك جانب تناولته أقلام الكتاب والباحثين بصورة مستفيضة، إلا أن ما حدث أخيراً أثار المخاوف على الصحافة المكتوبة، بعد إعلان أكثر المؤسسات الإعلامية شهرة ومكانة، إفلاسها في نهاية عام 2008، التي تصدر عدداً من الصحف المشهورة في عالم الصحافة ، ومنها صحيفتا (لوس أنغليس تايمز) و(نيويورك تايمز)، والحقيقة تؤكد تراجع الصحافة الورقية، في وقت وضعت فيه أمام منافسة حقيقية، مع ظهور الصحافة الإلكترونية، التي دخلت البيوت من أوسع الأبواب والنوافذ، وهو ما أجبر الصحف العالمية والإقليمية على الدخول في منظومة المعلومات والعالم الرقمي، إلى أن اقتحمت الأزمة الاقتصادية كل القطاعات، وطاولت خسائرها كل المؤسسات، وقد خلفت الأزمة أجواء قلقة وغير مطمئنة للمستثمرين، بمن فيهم المستثمرون في الخدمات الصحافية والإنتاج الإعلامي، وعلى رغم أن كل الخطط والبرامج التسويقية الطموحة، التي لجأت إليها الشركات الإعلامية ومؤسسات الصحف الكبرى لرفع نسب المبيعات وتحسين مستويات التوزيع لم تحقق النتائج المرجوة منها إلا أن الكثير من المراقبين وخبراء الإعلام والمعلومات أكدوا أن خطر المعلوماتية على الصحافة الورقية لن يكون مباشراً على المدى القريب، بسب ما تعاني من عجز مالي، نتيجة تدهور مؤشرات النمو الاقتصادي في العالم، وهو ما نوه عنه رئيس مجلس إدارة شركة Washington Pos الإعلامية دونالد غراهام في مؤتمر صحافي، عقده لتوضيح أسباب إفلاس شركته، فقال: «إن الاستثمار في الصحافة الورقية لم يعد مجدياً اقتصادياً»، وأشار إلى أن الخطر يهدد إفلاس الكثير من الصحف، الكبيرة في تاريخ الصحافة الأميركية، اذ جاء في إعلان نشرته مجموعة «تربيون الإعلامية» التي تصدر حالياً صحيفة شيكاغو تريبيون أنها كغيرها من الصحف تأثرت بتأثيرات المشهد الإعلامي والتقدم المعلوماتي، كما تكبدت خسائر كبيرة، لمسايرة هذا التقدم، حتى قبل تداعيات انهيارات الاقتصاد العالمي الأخيرة. وهو ما يؤكد صحة التوقعات حول بقاء أو زوال الصحف المكتوبة، والتفكير بشكل جيد في خطط مستقبلية للصحف الورقية في العقدين المقبلين، هذه التوقعات تتفق تماماً مع رؤية أباطرة وقياصرة الإمبراطوريات الإعلامية العالمية، أمثال: روبرت مردوخ ، دونالد غراهام وبيتر كلارك، إذ ان مد هجمة المعلوماتية لن يتوقف، وستهيمن إرهاصاته على كل وسائل الإعلام والاتصال، إضافة إلى التطور المستمر لأدوات إنتاجه وأدائه، وهو ما يدعو للخوف على الكثير من الصحف التي لا تواكب تطورات العصر، ولا تأخذ بمتغيراته، إذ ان البقاء سيكون للأقدر على الصمود والمنافسة! ولن يستمر في حلبة التنافس إلا القلة من الأقوياء، الأكثر استحواذاً على مسلمات التطور ومسايرة تقنيات العصر وإيقاعاته السريعة. فهناك لغة إعلامية جديدة وصيغة تتلاءم مع كل معطيات ال Multimedia بحيث يمكن كتابة المقال أو الخبر والتحقيق الصحافي وتحليل الأخبار والصور أيضاً بأسلوب وبصيغة تنسجم مع كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمتلفزة. وحتى ما يمكن نشره وبثه عبر مواقع الإنترنت المتخصصة والصحف الإلكترونية. إن لغة الإعلام النظرية والعملية اختلفت كثيراً عن السابق، وأصبح من الضروري الاهتمام بتقنيات الإعلام الحديث وآلياته، وفق أنماطه الجديدة.