عندما احتلت ميليشيات حزب الله بيروت الغربية في السابع من مايو عام 2008م على إثر قرار الحكومة اللبنانية بمصادرة شبكة الاتصالات المتطورة التابعة للحزب، شكل ذلك صدمة كبرى لمن أشربوا في قلوبهم تصديق دعاواه الفارغة في مقاومة إسرائيل! إذ لم يكونوا ليصدقوا حينها أن الحزب الذي تولى كبر مهاجمة إسرائيل في الثاني عشر من يوليو عام 2006م، وإجبارها، كما زعم، على الانسحاب من الجنوب اللبناني، يمكن أن يرتد على عقبيه فيغمد خنجره في خاصرة أهله الذين يدعي أنه لم يتأسس إلا لحمايتهم من عدوهم، على الرغم من أن الحكومة اللبنانية تراجعت، كما هو معلوم، عن مصادرة شبكة الاتصالات الخاصة به، لأنها لم تكن قادرة على مواجهة حزب بحجم دولة، أسسته إيران ليكون مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل. ومع ذلك، فلم تكن تلك الصدمة كافية لتوقظ من يوصفون ب"النخب" من سباتهم الكهفي في الثقة بالحزب، وبرئيسه من منظور مقاومة مزعومة أكلت الأخضر واليابس، وعطلت، ولما تزل، تنمية مادية ومعنوية ينتظرها الإنسان العربي منذ أن يتفتح وعيه على الدنيا إلى أن يغادر دنياه على وقع طبول هذه المقاومة، والتي شكلت محضنا خصبا للسادة والكبراء لكي يستبدوا ويبطروا ويستمتعوا بالنعيم والسلطة، فيما ينتهكون أبسط حقوق شعوبهم لحساب تلك المقاومة! كان لا بد للحزب أن يفصح أكثر عن وجهه القبيح حتى يقتنع أولئك المخدوعون أنهم أمام عدو متسربل بثياب الصديق، فجاء تدخله المفضوح إلى جانب النظام السوري ليزيل آخر ما تبقى من الأقنعة التي كان يغطي بها سوءاته منذ أن انفصل عن حركة أمل كان لا بد للحزب أن يفصح أكثر عن وجهه القبيح حتى يقتنع أولئك المخدوعون أنهم أمام عدو متسربل بثياب الصديق، فجاء تدخله المفضوح إلى جانب النظام السوري ليزيل آخر ما تبقى من الأقنعة التي كان يغطي بها سوءاته منذ أن انفصل عن حركة أمل في عام 1982م بناء على تشجيع من إيران التي لم تكن راضية حينها عن مشاركة رئيس حركة أمل (نبيه بري) في هيئة الإنقاذ الوطني التي شكلها اللبنانيون لمقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م. وهكذا، فلقد تأسس حزب الله نتيجة لاعتراض إيران على مقاومة اللبنانيين للغزو الإسرائيلي لبلدهم، فأية مقاومة يدعيها الحزب؟ بل شاءت إرادة الله تعالى أن يفضح نوايا الحزب على لسان رئيسه الذي أبت فلتات لسانه، وخاصة بعد أن تورط الحزب في الوحل السوري، إلا أن تفصح عن أنه مجرد مخلب قط ينفذ رغبات الولي الفقيه في رهن المنطقة وأهلها لصالح الأجندة الإيرانية التي تتخذ من التشييع السياسي، والنفخ في نار الطائفية مطايا لفرض أجندتها السياسية في المنطقة. لقد بدا الحزب حال أن تدخل في النزاع السوري إلى جانب النظام الباطش، مجردا من كل محاولة لخصف أي ورقة توت تستر سوءاته التي كان يمررها حينها تحت عباءة "المقاومة" المزعومة، إذ بدا عاريا من سرابيل المقاومة التي كان يتدثر بها حينا من الدهر. وراح يقدم نفسه بكل وضوح على أنه إنما يقاتل تحت حمية طائفية، ولحساب شعارات طائفية موغلة في الخرافة، من قبيل حماية الأضرحة الشيعية في سوريا، وهي شعارات قادرة على حشد وتعبئة بسطاء وسذج لما يزالوا يمتحون من ثقافة مذهبية تعلي من شأن الأضرحة والمزارات، وتجعل حمايتها جهادا أكبر لا يدانيه أي جهاد آخر، بما فيها جهاد الدفاع عن الأحياء المظلومين المحاصرين والمقتلين والمهجرين! وإذ لم يكتف المخدوعون بشعارات الحزب وببكائيات رئيسه، ممن كنا نعدهم من (النخب!!) بتبرير استنزاف الحزب لمقدرات لبنان وشعبه، وإضعافه لمؤسسات الدولة اللبنانية لحساب مقاومة مزعومة لم تكن في حقيقتها إلا مقاولة لملالي طهران، فإسلامي مثل الشيخ يوسف القرضاوي اضطر أخيراً إلى الاعتراف بأنه كان مخدوعا بالحزب وبشعاراته، وأنه كان مخطئا عندما كان يدعو إلى نصرة الحزب ودعمه بصفته رمزا لمقاومة إسرائيل، وأن علماء السعودية كانوا أنضج منه في نظرتهم للحزب ودوره التخريبي في المنطقة. ولكم آسى على نخب كانوا لا يتورعون عن تخوين ولعن وشتم كل من يشكك في مقاومة الحزب، وفي ولائه لإيران، واليوم يعود بعضهم إلى رشده تحت ضغط غباء الحزب، وفضحه لدوره بشكل لم يتوقعه حتى أقرب شانئيه! وإذا كان الشاعر العربي يدعو الله تعالى بأن يجزي الشدائد كل خير، فبها عرف عدوه من صديقه، فإننا في حالنا الراهن أمام شدائد فاقعة اللون تحزن الناظرين، لكننا لمَّا نزل عاجزين عن أن نعرف بها أصدقاءنا من أعدائنا، وحالنا أمام الشدائد التي تترى علينا اليوم كقطع الليل المظلم، مصداق جلي لقوله تعالى: "أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ". فهل لنا أن نثوب إلى رشدنا فلا ننخدع بكل أفاك أثيم يمتطي راية الدين ليضلنا بها عن سبيل الله، وليتخذها من جانبه مطايا يصل بها إلى بغيته، فيما نحن نعطي له الدنية في ديننا، ثم نخرج منها كل مرة كما المنبت الذي لا أرض قطع ولا ظهر أبقى مع ذلك، ورغم سوءات هذا الحزب الشيطاني وما أورثناه من قِبَله من أيام نحسات بمساعدة ربيبه في طهران، فإن من نافلة القول ألا نأخذ المنتمين إلى المذهب الشيعي بجريرته، وخاصة فيما يقوم به من تدخل سافر في سوريا، ومن قتل وتخريب وتحزيب وتحشيد تحت رايات طائفية بغيضة. ومع ذلك، فإن الأزمة الرهيبة التي يثيرها الحزب اليوم تستدعي من عقلاء الشيعة ومن مثقفيهم ونخبهم أن يعلنوا البراءة منه ومن أفعاله ومن رئيسه وممن يدعمه، كما تبرأت النخب السنية، ولما تزل، من الأحزاب والمنظمات التي تنتسب إلى المذهب السني، والتي تخذ من الدين سلما للوصول إلى مآربها، كمنظمة القاعدة، وما تفرع ويتفرع منها من تجمعات وأغيلمات.