استطاع الإسلام أن يستوعب الحضارات وحياة الشعوب، ومقاومة الفرق المختلفة التي شكلت عبئاً على تاريخه، لكنه انتصر واستمر يؤدي رسالة عظيمة للبشرية كلها، وكما أن أخطر الفرق في الإسلام كانت طائفة الخوارج، فلم تستطع أن تدوم وتقاوم سلامة العقيدة الصحيحة، وفي عهدنا الراهن شهدنا من يكفر، ومن يقتل باسم تصحيح الإسلام، لكن الأخطر عندما دخل لعبة الايدولوجية السياسية، وخاصة مع الثورة الإيرانية التي زعمت أنها ستحقق الانتصارات التاريخية على العدو الأكبر أمريكا وخلفها إسرائيل، وكان الصدام الذي حدث بين إسرائيل وبين حزب الله على أرض لبنان، وما توهم أن الحزب انتصر وأجلى قواتها، بينما حقيقة الأمر أن هذا العدو الإسرائيلي خرج مخلفاً أكبر الخسائر في بنية لبنان الأساسية، وزارعاً عشرات الأجهزة التجسسية سواء بواسطة الأفراد أو التقنيات المتقدمة التي تبعث كل ما يهمس به شعب الجنوب اللبناني.. كان أمام الهجمة الإيرانية، وحزب الله الذيل الصغير لها، أن يعي العالم الإسلامي بسنته وشيعته غير المسيسة، أن القضية بدأت بخطط تصدير الثورة ومحاربة كل عربي من أي طائفة بما فيها العرب، ونثبت ذلك من خلال شيعة الأحواز العرب الذين يعيشون التهجير وعدم السماح لهم في بناء المدارس أو تعليم لغتهم، وحتى الطائفة السنية التي قيل إنها رغم إخفاء الحقائق حولها، تشكل ما بين العشرين والثلاثين في المائة من الشعب الإيراني، لا يسمح لها في بناء المساجد ولا يوجد في طهران العاصمة مسجد جامع تقام به صلاة الجمعة. سماحة المفتي العام للمملكة، جاء بيانه متطابقاً مع الحدث السياسي الراهن ولعل تعقيبه المرحب بآراء فضيلة الشيخ القرضاوي، حول ما يحدث في لبنان يؤكد تطابق الموقف بينهما، وأن حزب الله الذي دخل في حرب ضد الشرعية السورية ليس إلاّ جزءاً من أهداف مخطط لها، وقد لا يقتصر الأمر على الهجوم على القصير لفتح حروب جانبية أخرى قد تتحول إلى سعير يعم العالم الإسلامي، غير أن المنطق ومسار الزمن يجعلان هذا الحزب الذي يحارب على مبدأ المرتزقة ليس إلاّ حدثاً في تاريخنا المعاصر، وفي مواجهة هذه الأحداث، فإن قادة العالم الإسلامي ورجال الفتوى والعلماء، وكل من تهمه المصلحة العامة لهذا الدين أن يدركوا أن التباعد، والخلافات على الجزئيات وترك الكليات، هو الذي أضعف دورهم سواء أمام مخططات إيران وأنصارها، أو أداتها الصغيرة حزب الله، والمستهدف ليس مجموعة كيلو مترات من لبنان، بل خلق دويلات وجيوب تتحول مع الأيام إلى كيانات إرهاب، وبؤر عنف، وقضية التضامن الإسلامي قضية جوهرية، لأن الخلط ما بين العقيدة والسياسة مشكلة معقدة، إذا كان من يحركها ويبلور اتجاهاتها وسلوكها دولة إقليمية، أسست لحروب مذهبية، والعبرة ليس فقط ما جرى على أرض سوريا ثم لبنان، ومحاولة زعزعة أمن كل دولة، فالمسؤولية كبيرة، ولعل شيوخنا الأفاضل هم من يدركون القضية ويسعون لدرئها ومقاومتها..