زار عنيزة في صيف عام 1295ه (29 ابريل 1878م) رحالة إنجليزي يسمى شارلز داوتي وكان يسمي نفسه خليل أو الحكيم خليل. كان جغرافياً وانثروبولوجياً ولكنه أمتهن التطبيب «هواية» من أجل التكسب ومحاولة منه ان يتقبله الناس تجول في شمال وشمال غرب الجزيرة العربية سنة ونصفاً قبل وصوله عنيزة في امارة الأمير زامل السليم يرحمه الله. استقبله زامل وبعض الأشخاص الذين أصبحوا أصدقاء له فيما بعد. بقي أكثر من شهرين ثم واجه معارضة قوية من البعض واضطر الأمير زامل لاخراجه حيث تهيأت قافلة متجهة إلى الحجاز فأرسله معها ومن هناك ذهب إلى جدة حيث القنصلية البريطانية وغادر من هناك الجزيرة العربية بعد قضاء واحد وعشرين شهراً في التجوال. كتب عن رحلته كلها كتاباً بعنوان (Travels In A Arabia Deserta رحلات في الصحراء العربية) في جزءين كبيرين خص عنيزة منها بخمسة فصول في الجزء الثاني من كتابه. كتب عن كل شيء في عنيزة وبالتفصيل وهو الرحالة الغربي الوحيد الذي بقي في عنيزة فترة طويلة نسبياً أكثر من شهرين مما أتاح له فرصة التعرف عليها وعلى أهلها عن قرب وملاحظة أشياء كثيرة كانت ملاحظات داوتي عن عنيزة من أول يوم أنها نظيفة ولديها اكتفاء ذاتي من المواد الغذائية وغيرها بحيث يقول «انها بلدة ممتعة ونظيفة وفيها يختزن كل ما يحتاج الناس إليه من أشياء ضرورية للحياة المدنية» ثم مر على مسجد أعجبه جداً طريقة بنائه ويقول عنه انه مسجد كبير في وسط السوق وهو كغيره من المساجد في البلاد العربية يستخدم في بنائه الطين.. يقول داوتي: «بعد الظهر (من أول يوم) ذهبنا إلى بيت زامل الذي يقع في طريق مسدود يتفرع من المجلس (سوق سد) وغرفة القهوة مفروشة بالحصير فقط وكان لديه بعض الضيوف وابنه الأكبر عبدالله خلف الوجار يعمل القهوة. كانوا يتداولون بعض أخبار عن نهب حمير لبعض الأهالي في النفود من قبل اللصوص فأمر زامل البعض باستطلاع جلية الأمر وإعادة الحيوانات فخرج هؤلاء. كان زامل أثناء حديثه على القهوة بسيطاً متواضعاً حتى أنه يبدو كأنه لم يخلق للقيادة والرئاسة، ولكن هذه هي الطيبة والسماحة التلقائية التي تطبع شيوخ العرب.. ويتابع رجعنا مرة أخرى بعد ضيافة الأمير وهناك وجدنا بعض المرضى الذين جاءوا ليروا الحكيم، وعرض عليّ أحدهم ان يعطيني دكاناً فارغاً لديه يوجد في شارع فرعي في السوق. فأحضر حماراً وحمل حقائبي فذهبنا، ولم يأت قرب عصر أول يوم إلاّ وأنا أجلس في دكاني الخاص دكان الدكتور المداوي. ثم يذكر لنا مباشرته علاج الناس يوم الثالث من ربيع ثاني عام 1295ه في السوق وبدأ الناس يأتون إلى الحكيم فيها منذ عصر أول يوم لوصوله البلدة والأيام التالية ثم يتحدث داوتي عن بعض الجوانب في حياة أهل عنيزة، يقول: «في المساء ووقت الغروب تصبح البلدة هادئة ويبدأ وقت الفراغ من العمل والاستمتاع بالحياة الاجتماعية، ويذهب بعض الوجهاء لشرب القهوة مع أصدقائهم. بعض الناس العائدين من المساجد يتوقفون لرؤية الغريب وسؤاله عن نوعية أدويته ويضيف معظم المرضى مصابون بأوبئة أو أنهم يتخيلون أنفسهم مرضى أو مسحورين. لقد أفادت توصية الأمير زامل بأن لا يضايق الحكيم خليل أحد فتعامل الناس معي كان هادئاً وطيباً والحقيقة لفت نظري كثيراً طبع هؤلاء الناس المدني والمهذب.. بعد ذلك يتحدث داوتي عن انطباعه العام حول طبيعة المساكن في البلدات الحضرية مثل عنيزة فيمتدح طريقة بناء الغرف بالطين وكيف ان نوافذ التهوية لا تغلق وهذا يعطي جواً صحياً يقول داوتي عنه «حتى كأنك في حقل مفتوح» ورغم ان شكل حيطان البيوت الطينية الجرداء لا يسر الناظر المعتاد على شكل المباني الأوروبية إلاّ انه وضع مألوف هنا وتناول بالتفصيل المعاملات التجارية في ذلك التاريخ البعيد ومما جاء في كتابه: ان التجار والبياعين في الأيام القليلة التي لا يأتي فيها البدو إلى السوق لا يكون لديهم حركة تجارية مهمة والسوق خامل. يبقون ساعة من نهار حتى بداية احتماء الشمس في الضحى قريب الظهر ثم يغلقون دكاكينهم ويذهبون إلى البيوت وشيئاً فشيئاً تخلو الأسواق من المارة. وبعد أذان الظهر يأتي الناس أفواجاً للمساجد من كل جهة، نفر قليل من أصحاب المحلات يعودون لفتح أبوابها بعد صلاة الظهر، معظم الناس والوجهاء خاصة يتجهون لشرب القهوة عند أصدقائهم. والبعض الذين لديهم جنينات يتجهون إليها للاستمتاع بالجلوس تحت ظلال وجو مزارعهم. وبعد أذان العصر يتجه متناولو القهوة والناس إلى المساجد لصلاة العصر، ومن هناك يسارع جميع التجار إلى السوق وتفتح جميع المحلات أبوابها ويبدأ الدلالون مرة أخرى جولاتهم ذهاباً وإياباً في السوق كما يفعلون في الصباح، وإذا كان هناك مسافرون فإنهم يتواجدون في السوق أيضاً. كذلك في العصر يذهب الوجهاء إلى منازلهم لتناول طعام العشاء وبعد ساعة من فتح السوق أبوابه تغلق المحلات مرة أخرى منهية يوماً في السوق. يذهب كثير من أهل البلدة للتمشية خارج أسوار عنيزة وحولها قبيل الغروب ثم يعودون مع أذان المؤذنين لأداء صلاة المغرب ومن بعدها مباشرة يذهب الناس إلى بيوتهم. هذا الوقت (بعد المغرب) ليس وقتاً مناسباً لزيارة الأصدقاء لأن أصحاب الأملاك يجلسون في هذا الوقت لمحاسبة عمال المزارع في قهوة كل واحد منهم، وليس غريباً ان يجد بعضهم طعاماً من البرغل المطبوخ ينتظرهم. وعمال المزارع في المناطق البعيدة يبقون في مزارعهم في الليل، وبما ان البعض منهم ليس لديهم بيوت في هذه المزارع تؤويهم فإنهم تعودوا ان يتمددوا فوق عباءاتهم أو أي شيء تحت النجوم وينامون بعد أداء صلاة العشاء.