بدا المشهد، برمته، سريالياً والجنرال ميشال عون يقول في أعقاب إسقاط قانون اللقاء الأرثوذكسي «تم اليوم نقض ميثاق العيش المشترك، وللأسف أتى النقض بقبول بعض المسيحيين (الذين) أسقطوا أهم قانون بالنسبة للمسيحيين». وأضاف مشيراً إلى غريمه الأبرز، النائب سمير جعجع، «همهم كسب المقاعد واستمرار لغة الاستيلاء المستدام على السلطة». لا أعرف، حقيقة، كيف أمكن للجنرال أن يتحدث عن ميثاق عيش مشترك وهو يدرك تماماً بان الأرثوذكسي، في جوهره، يتناقض مع العيش المشترك ويكرس الطائفية ويجعل اللبنانيين مواطنين في دويلات مذهبية لا في دولة يمثل نوابها لبنان لا طوائفهم. الأرثوذكسي، والجنرال بالتأكيد يعرف، سيقضي تماماً على أي أحزاب عابرة للطوائف يمكن لها تحقيق العيش المشترك وسيجعل هاجس النواب خدمة شركاء الطائفة لا شركاء الوطن. الملاحظ ان البرتقاليين أصبحوا يعزفون أكثر فأكثر على وتر الطائفية. لن يجد المتابع صعوبة في ملاحظة انه سيسمع بالكاد مفردة «لبنانيين» في مقابل طغيان مفردة «مسيحيين» في خطابهم ومواقفهم. ويبدو أن الاستعمال المكثف لعبارة إن الجنرال هو ممثل الصوت المسيحي في خطاب الرابية ونجاح هذا الأسلوب في حشد وتعبئة الأنصار والمزايدة على الآخرين داخل الطائفة قد أغرى الجنرال في التمادي في لعبة أنا المسيحيين والمسيحيين أنا. كان الحكيم والقوات اللبنانية يوصمون بأنهم حفنة من الشوفونيين الطامحين لإقامة كانتون مسيحي في لبنان. ربما كان ذلك صحيحاً في يوم ما إلا أن المؤكد هو ان جعجع كان الوحيد من زعماء الحرب الأهلية الذي دفع فاتورة مشاركته سجناً في وزارة الدفاع، كما انه الوحيد، ويا للمفارقة، الذي قدم اعتذاره للبنانيين عما سببته تلك الحرب من آلام وويلات. «القواتجيه» تغيروا كثيراً. سيجد الجنرال بالحكيم عيوباً عدة، غير انه لن يستطيع، أبداً، اتهامه وحزبه بأنهم خانوا مبادئهم خدمة لمصالحهم الضيقة كما يتهم هو. إذ لا يستقيم أن يتحدث أحد عن مبادئ العيش المشترك فيما يقبل ويشجع ذلك اليوم المجيد في السابع من أيار الذي أتاح له اغتصاب ثلث عطل عمل الحكومة وشلها عن أداء حتى الأعمال الخدمية للبنانيين. لا يستطيع أن يتفق مع مبادئه من كان يتحدث كل يوم عن الفساد وشهود الزور ومن فبركوهم وعن داتا الاتصالات وغيرها من القضايا عندما كان في المعارضة بينما يتناساها تماماً عندما تمكن، بالاتكاء على سلاح حلفائه، من إسقاط الحكومة التوافقية. حتى في هذا الوقت الدقيق الذي يواجهه لبنان لا يبدو ان الجنرال لديه أدنى تصور للتغير الحتمي لميزان القوى الذي ستنتجه ثورة الجيران. لو كنت للجنرال ناصحاً لقلت له: دونك البيك.. تعلم منه.