ناشدت القمة الروحية الإسلامية - المسيحية التي عقدت في بكركي أمس، المسؤولين السياسيين المعنيين «تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، على الأسس والقواعد الميثاقية والدستورية بما يمكنها من أداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة العربية». لكن البيان الصادر عنها بدا أقرب إلى تدوير الزوايا منه إلى وضع الإصبع على الجرح، خصوصاً أن المسودة التي كانت أعدت قبل عقد القمة ونشرتها «الحياة»، كانت حوت مضموناً سياسياً إذ شددت على أن المراوحة في تشكيل الحكومة «تشكل خطراً على الاستقرار العام»، وركّزت على ضرورة استئناف طاولة الحوار برئاسة رئيس الجمهورية، وشددت على «سلطة الدولة في حفظ الأمن لا سلطة الأمر الواقع»، فجاء البيان إما خالياً منها أو مخففاً منها. المشاركون وشارك في القمة البطريرك الماروني بشارة الراعي، مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة ممثلاً البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم، بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، المطران جان تيروز ممثلاً البطريرك نرسيس بادروس التاسع عشر، بطريرك السريان الأرثوذكس إغناطيوس زكا الأول عيواص، المطران أنطوان بيلوني ممثلاً بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف يونان، المطران ميشال قصارجي، المطران بولس دحدح، الإرشمندريت عمانوئيل يوحنا، الإرشمندريت رويش الأورشليمي ممثلاً الطائفة القبطية، القس سليم صهيوني، الشيخ أسد عاصي ممثلاً الطائفة العلوية (للمرة الأولى)، ومطارنة وشخصيات . صلاة وبدأت القمة بصلاة الأبانا تلاها بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام. ثم كان دعاء من المفتي قباني سأل فيه الله «كما جمع في هذه القمة القيادات الروحية، أن يجمع بين قلوب اللبنانيين ويؤلف بينهم ويوفقهم بما فيه رضاه وخير لبنان واللبنانيين والمسلمين والمسيحيين في لبنان وبلاد العرب والعالم». ورحّب البطريرك الراعي بالمشاركين «لعقد هذه القمة الروحية من أجل إظهار وحدتنا اللبنانية من خلال تأكيد الثوابت الوطنية المشتركة وإبراز الأهداف الواحدة التي نسعى إليها». الراعي: حاجة ملحة واعتبر أن «هذه القمة حاجة ملحة تنادينا إلى عقدها بروح الشركة والمحبة لسببين رئيسين داخلي وخارجي. السبب الأول: الخلل في وحدتنا الوطنية حتى الانشطار الداخلي وظهور نزاعات طائفية ومذهبية سببتها كلها خيارات سياسية متناقضة ورغبات في الهيمنة، فكان لا بد من تأكيد الثوابت والأهداف الوطنية المشتركة كي تأتي الخيارات السياسية متكاملة لا متناقضة في جو من الحرية والديموقراطية وكي نثبت ميثاقنا الوطني القائم على العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين، وصيغتنا اللبنانية المميزة بالمساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة على أساس عقد اجتماعي ثقافي - سياسي مشترك يأخذ في الاعتبار الثروة الروحية والثقافية والاجتماعية التي تميز كل واحدة من طوائفنا اللبنانية ويعزز الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان الأساسية ويضمن للجميع عيشاً كريماً تتوافر فيه العدالة والأمن والاستقرار». وعن السبب الخارجي، قال: «الأزمات الحاصلة حالياً في بعض البلدان العربية البعيدة والقريبة وما لها من انعكاسات على لبنان ومكونات نسيجه الاجتماعي في حال استمرار حال التشرذم والانقسام». واستعاد الراعي من مقدمة الإرشاد الرسولي: «لبنان بلد طالما اتجهت إليه الأبصار فهو مهد ثقافة عريقة وإحدى منارات البحر المتوسط، وإن الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في لبنان من شأنه أن يساعد على تحقيق الخطوة ذاتها في بلدان أخرى ببناء مستقبل عيش مشترك وتعاون يهدف إلى تطوير شعوبها تطويراً إنسانياً وأخلاقياً وبهذا يزهر لبنان من جديد ويلبي دعوته الى أن يكون نوراً لشعوب المنطقة وعلامة السلام الآتي من الله». وأشار إلى «أن لبنان بفضل نظامه المتوسط بين النظام الثيوقراطي، الذي يجمع بين الدين والدولة والنظام العلماني الذي يفصل تماماً بينهما، يتميز بكونه دولة مدنية، وبفضل هذا النظام الميثاقي يحمل لبنان شعار لا للذوبان في محيطه والثيوقراطية، ولا للتبعية للغرب والعلمنة الإلحادية فكانت مبادئه كما نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها اتفاق الطائف ومقدمة الدستور: إن لبنان جمهورية مستقلة استقلالاً تاماً، عربي الهوية والانتماء متعاون مع الدول العربية والأجنبية مع حفظ التوازن بين الجميع من دون أن يكون لأي منها وصاية أو امتياز أو اتحاد». ورأى أن «كل هذه الميزات التي تغني لبنان في فرادته تستوجب إقراره منتدى عالمياً دائماً للأديان والثقافات فلا بد من العمل المشترك لدى الهيئات الدولية على إعلانه رسمياً كذلك». وشدد على وجوب «عقد لقاءات دورية نتفق عليها». ورقة قباني وقدم المفتي قباني ورقة عمل، شدد فيها على وجوب أن تنأى «المرجعيات الروحية اللبنانية، وفي هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها وطننا لبنان والمنطقة العربية عن الاصطفاف الداخلي والخارجي، وأن تؤلف في ما بينها جسماً واحداً يسعى الى الارتقاء بالحال السياسية والشعبية المنقسمة على ذاتها، الى المساحة الوطنية الواحدة، والى الانصهار الوطني الحقيقي». وشدد على ضرورة «ترجمة المبادئ التي توافق عليها اللبنانيون، حول قواعد العيش المشترك عملياً، وتلك التي سيتضمنها البيان الختامي لهذه القمة، عبر القيام بنشاط وطني يتناسب ودقة المرحلة، للحفاظ على الاستقرار وديمومة الوحدة الوطنية، من خلال تثبيت جدول لعقد القمة الروحية اللبنانية في شكل دوري، وتشجيع اللقاءات الوطنية الجامعة، وتفعيل الدور الوطني للمرجعيات الروحية لجهة توحيد الصف الداخلي ونشر رسالة المحبة بين اللبنانيين، على مستوى القادة، وعلى مستوى القواعد الشعبية، وكذلك تفعيل دور هيئة الحوار الإسلامي - المسيحي عبر تحويلها الى مؤسسة وطنية فاعلة». وإذ نبه إلى أن «رياح الفتن والصراعات المذهبية والطائفية والإثنية، التي تعصف بمنطقتنا العربية، تشكل مصدراً للقلق البالغ على النسيج الوطني اللبناني، ونسيج العالم العربي بالذات»، دعا الى الحرص «على عدم استيراد ثقافة الغرائز والفتن، بل الأولى بنا تصدير النموذج اللبناني، وثقافة العيش الواحد بين الأديان والطوائف، ليواجه به إخواننا العرب جميع أشكال الفتنة التي تتربص بهم وبأبنائهم وبأوطانهم، في حاضرهم ومستقبلهم». وشدد على أن اللبنانيين «يجمعون اليوم، أكثر من أي يوم مضى، على أن عدوهم الواحد والوحيد هو الكيان الصهيوني المغتصب أرضَ فلسطين، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وهو المحتل الأرضَ العربية في فلسطين ولبنان وسورية، غير أن علينا أن ننظر اليوم إلى شؤوننا المرتبطة بالعالم الخارجي، وعلاقتنا بالمجتمع الدولي، وبأفرقائه بالعين اللبنانية الواحدة، انطلاقاً من المصلحة اللبنانية الواحدة، التي تعلو على كل ما عداها، والتي تحفظ علينا دولتنا اللبنانية وطناً واحداً نهائياً لجميع أبنائه». وضمن قباني ورقته اقتراحين، الأول «تبني القمة لمبادرة روحية وطنية: لحل الخلافات السياسية الداخلية بين الأفرقاء اللبنانيين، والتي أدت مع مرور الزمن الى حال الاصطفاف والانقسام، فيسمي الرؤساء الروحيون، مجموعة من الرجالات الوطنية، التي لا يخلو وطننا لبنان منها، بحيث تشكل هذه المجموعة من الحكماء، المشهود لهم بالكفاءة والاعتدال، من غير الحزبيين أو السياسيين، وتكون هذه الهيئة هيئة مستقلة باسم الرؤساء الروحيين، مهمتها حصر الالتباسات والمعضلات والخلافات السياسية، لدى الأفرقاء السياسيين، وتفنيدها وتصنيفها، ثم العمل على تذليلها وحلها، وهي تعمل في شكل لا يتعارض مع الدولة ومؤسساتها، ولا تلغي أياً منها، ولا تحل محلها بأي شكل من الأشكال، بل تتعاون معها. وهي تتمتع باستقلالية ذاتية، تخولها القيام بمهمتها». واقترح على القمة «مشروع توقيع عهد وميثاق بين المسلمين والمسيحيين في لبنان وفي بلداننا العربية، يوقعه رؤساؤها الروحيون المسلمون والمسيحيون في لبنان وبلاد العرب من جميع الطوائف، في مؤتمر روحي تاريخي يعقد في لبنان لهذه الغاية، بعد تشاور واسع مع بعضهم بعضاً، وصوغ هذا العهد والميثاق صياغة تاريخية بمبادئ وقواعد لأمان الجميع، وتعاون الجميع للحاضر والمستقبل في بلداننا، تحصيناً لأوطاننا ولأبنائنا وأجيالنا من الأخطر الآتي والله أعلم». وبعد جلسة مغلقة، انتهت القمة في الواحدة بعد الظهر إلى بيان ختامي (نصه في مكان آخر)، وانتقل المشاركون إلى مأدبة غداء.