في مقال سابق تناولت مثلا شعبيا؛ يستخدم غالبا إذا جلس الضيوف على الطعام، يأتي كردّ مؤدب على الشخص الذي مازال متمسكا بعادة (سَلْم) تقطيع اللحم بيده للضيف الرئيسي أو لمن هم أصغر منه سناً. كان ذلك مقبولا عند البعض على مضض لكن آخرين يتقززون من هذه العادة، بل تعتبرها بعض القبائل سيئة. ويحدث أن يعترض أحدهم حين يقطّع له اللحم فيقول المثل الشعبي: (كل طير يشبعه منقاره). والدلالة العامة للمثل تنصرف إلى معنى الاعتماد على النفس، وأن كلا له أدواته التي تمكنه من تدبر أمره. ويطابق هذا المثل في الدلالة مثل آخر إذا يقال (كل طير يشبعه مخلابه)، وتعني كلمة طير في المثل الأول جنس الطيور عامة بينما في المثل الآخر يقصد بها الصقر. وقلما تجد في الاستخدام العامي - خصوصا بين معشر الصقارين – من يطلق كلمة صقر على هذا الجارح بل طير. وثمة ردّ آخر يأتي بصيغة الاستفهام الذي يحمل في طياته غضبا تجاه من يقطع اللحم في المأدبة إذا يقال له: (وأنا طير لك؟)، أي لست صقرا تملكه لتغذيه (تعلفه) بنتف اللحم. وفي معرض الحديث عن الأمثال الشعبية المرتبطة بالصقور وأنفتها يقال: (الصقر ما ياكل فرايس بوم). فالصقور، وبخاصة الأنواع المستخدمة في الصيد، جوارح تصيد لنفسها بافتراس طرائدها من الطيور والثدييات الصغيرة، وهي نهارية المعيشة في حياتها الفطرية ولا تأكل إلا لحما طريا ولا تقرب غالبا الجيف وما يبقى من فرائس السباع والجوارح، أما البوم فأنواع آكلة للحوم لكنها ليلية المعيشة أكثر ما تفترس الجرذان. ومن النادر أن تلتقي الصقور بالبوم بسبب اختلاف طبيعة المعيشة. والمثل في معناه ينصرف إلى أن في طبيعة الصقور الجسورة أنفة بينما البوم ينظر إليها باحتقار فوق أنها لا تظهر إلا بعد أن تختفي الصقور الشجاعة. ولهذا صار المثل يضرب للشريف الأبي الذي يعتمد على نفسه ويترفع عن منازل من هم أقل منه شأنا ويبتعد عن ما يمت لهم بصلة. كل طير يشبعه مخلابه كل طير يشبعه منقاره