علّق أحد القراء على الجزء السابق (الثالث) من هذا المقال بأبيات لأحد الشعراء الشعبيين ذكرت فيها عبارة (طير السعد)، وكلمة طير هنا تعني الصقر تحديدا، وبالمناسبة من النادر أن تستخدم كلمة صقر بين الصقارين - قديما وحديثا- فيقولون (الطير، وطيري، وطير فلان) أي أن كلمة طير لفظ يقصد به الصقر، أما السعد فهو ما ينتظر من الصقور أن تؤديه لأصاحبها بعد أن تم تعليمها وتدريبها على الصيد، أي هي التي تسعدهم. ويقال أيضا طير الفلاح لأن الصقور تفلح في مبتغاها عندما تتعقب طرائدها، لكن بالمعنى العام عندما نقول في المثل (فلان طير السعد، أو فلان طير الفلاح) فإننا نسبغ عليه صفات الشجاعة والإقدام والقوة، وهذه سمات تميز الصقور عن أنواع أخرى من الجوارح عندما تهجم على طرائدها، وهذا شالح بن هدلان يمدح ابنه ذيب: يضحك ليا صكت عليه الطوابير طير السعد قلبه من الخوف خالي وقد درج الشعراء والعامة على تشبيه الرجال بالصقور بنسبتها إلى أماكن نشأتها، ومن ذلك قولهم طير حوران، وحوران إقليم في سوريا أشتهر بوجود نوع قوي من الصقور يستوطن ويفرخ ويتكاثر فيه. فإذا قيل (فلان طير حوران) كان ذلك للدلالة على الشجاعة والقوة. وفي قصيدة أرسلها الشاعر عبدالعزيز الفايز إلى الشاعر سليمان بن شريم قال موصياً الشخص المرسَل: انشد وقل وين ابن ناصر سليمان ابن شريم اللي به الطيب مشهور وقل له فؤادي صار للحب نيشان ونيشان سهم الحب لابد مكسور اشكي عليك الحال يا طير حوران حيثك براي الله على الضد منصور والصقور؛ في معيشتها الفطرية، لا تضع أوكارها وتبيض وتفرخ إلا في أعالي الجبال والحواف الصخرية، ولذلك نُسبت بعض أنواع الصقور الجيدة إلى جبال محددة، فيقال طير سنجار نسبة إلى جبل سنجار بالعراق، وكذلك طير غيمار، ولعل المقصود بالأخير هضاب غيمار التي تقع شرقي المدينةالمنورة على مسافة أفقية (مستقيمة) تقدر ب(200) كم تقريباً، ويتجاوز ارتفاع أعلى نقطة فيها ألف متر فوق سطح البحر، وحولها جبال أكثر إرتفاعاً، منها جبال فرقين وعاج والرُّبوض وراكس، وغير بعيد عنها جبال ماوان والعجام والعقار، وربما كانت هذه الجبال (مواكر) للصقور قديماً فنسبت إلى هضبة غيمار. وفي بيتين للشاعر عشوي الحسني قالهما بعد أن فقد راحلته يمدح الشيخ محروت بن هذال الذي عوّضه بأفضل منها: الله يعينك عانك الله على اعداك وكيف انت يا طير السعد والفلاحي وا بكرتي يا طير غيمار تفداك وانت الخلف باللي غدا لي وراحي وعلى ما سبق فتشبيه الرجال بالصقور يأتي في قصائد المدح غالباً، ومن ذلك (طير الهداد) وهو الصقر القوي المدرب الذي يفتك بالطرائد، وفي قصة لشاعرة، لم يُذكر اسمها في المصدر الذي وثّقها وهو كتاب شاعرات من البادية لعبدالله بن رداس، أنها تزوجت رجلاً من غير قبيلتها، ومنعها أهلها من الاتصال به عقب حرب وعداوة بين القبيلتين ولكن ذلك لم يمنع الزوجين من السعي إلى اللقاء، وفي أحد الأيام كان كلاهما يبحث عن الآخر في مكان واحد، وصادفت الزوجة أحد الرعاة فأخبرها أن زوجها مرّ بهذا المكان يبحث عنها ورحل إلى مكان آخر، فأنشدت متمنية لو انتظر زوجها: سرني بشرى نبا ريف الفوادي عن سواد الناس وده ينتحي بي قمت عجله باغية طير الهدادي ابا اتروى من تعاليل الحبيبِ إلى أن قالت: ليتني في فزتي واجهت بادي كود ينهبني وليفي ويغدي بي ليش ما ريّضت ليّه بالقعادي لين اشدك بالايادي من قريبِ وللوصف بالشجاعة، يقال في اللفظ العامي (القْطَامي)، ويقصد أهل الصيد بالصقور بكلمة القطامي الصقر المميز بشكل منسره، لكن الأصل الفصيح للكلمة من القَطَم وتعني شهوة اللحم والضراب والنكاح، وصقر قَطام وقُطامي - وفقاً لما جاء في لسان العرب- هو المشتهي للحم, وقَطِم الصقر إلى اللحم أي اشتهاه. وأيّاً كان المعنى فإن كلمة (القطامي) تأتي في الشعر الشعبي غالباً ويقصد بها الجوارح نفسها أو وصف للرجال الشجعان، ومن ذلك ما قاله الشاعر الأمير محمد بن علي العرفج عن نفسه حيث جاء الوصف بالقطامي لكنه شجاع مغلوب على أمره بعد هجران خلان الرخاء وسطوة ذوي القربى حيث قال وهو يغادر بلدته بريدة مهاجرا: ومن العنا يا ناس هيض كلامي حيف ولا يصبر على الحيف شغموم دار جفت عيّانها والقطامي يوطى بها وطي الوطا كل محجوم يا دار عيانك غدوا بك رمامي ام الذهب يا ما غدوا فيك من يوم دار بها الداشر غدا له سنامي ياخذ عليها منعم الراي معلوم وللحديث بقية