العنوان أعلاه يختصر حالات التناقض الذي يعيشه بعض الرجال في مجتمعنا فكراً وتعاملاً في علاقته مع المرأة، فعلى الرغم من أن الزمن تغيّر وتغيّرت كثير من المفاهيم الخاطئة عن المرأة، وشكل تعامل الرجل معها، إلاّ أن البعض مازال وفياً لتلك المفاهيم، وينظر إلى المرأة باستصغار، يهمِّش آراءها، ويقلّل من شأنها، ويتعامل معها بفكر ضيق مليء بمحاذير الشك والخوف، الأمر الذي يحملهم على حرمانها ومنعها من التصرفات والسلوكيات الحياتية التي أعطوا أنفسهم الحق وكل الحق أن يمارسوها بحرية مطلقة!. ويعتقد بعض الرجال أن ما يجوز لهم فعله، لا يمكن أن يقبلوه على زوجاتهم أو شقيقاتهم، ليس لحرمته الشرعية، لكن لأنهم اختاروا أن يقفوا موقف المُحلِّل والمُحرِّم، على أساس رؤيتهم الشخصية الضيقة أو نتيجة لعادات اجتماعية قديمة. الرجل من حقه التملك والعمل والسفر والخروج في أي وقت و«المرأة ما لها إلاّ بيتها» وأول خطوات التغيير والمعالجة لهذا الفكر والتعامل هو موقف المرأة نفسها، إذ عليها أن تواجه تلك التناقضات بحجج منطقية وثقة مطلقة، وتشعر من حولها أنها شخصية متكاملة، لها فكر وأحاسيس ورؤية ومتطلبات إنسانية، كذلك عليها أن تفرض احترامها وتقديرها على الجميع، فالخضوع والاستسلام التام للمفاهيم الخاطئة لم يعد يليق بمكانتها ووعيها، حيث أتيحت لها فرص التعليم والابتعاث والمشاركة في تنمية الدولة، والأهم أنها نالت استحقاق وثقة وتقدير قيادتها، حينما فُتحت أمامها أبواب مجلس الشورى لتشارك أعضاءه صنع القرار. د.مرضاح: السبب يعود إلى «الثقافة المجتمعية» التي تربى عليها الزوج قناعة الرجل وقالت «سهام عبدالله» -طالبة دراسات عليا-: معاناة المرأة مع ما هو مسموح وما هو ممنوع مازالت تخضع بالدرجة الأولى إلى قناعة الرجل وثقافته التي تربى عليها، مضيفةً أن مجتمعنا الرجالي اليوم يحسب له بأنه متعلم ومتحضر ومثقف، إلاّ أنه مازال ينظر لخطأ الشاب أنه حلال، بل يبحث له عن مبررات تبرئه من الخطأ، وغالباً ما يفلت من أي عقاب أو حتى محاسبة، في المقابل يُعد خطأ الفتاة جريمة تعاقب عليها ليلاً ونهاراً، أضف إلى ذلك أن بعض الأسر تبحث لأبنائها عن زوجات من خارج بنات الأسرة، في حين تمنع تزويج الفتاة من أي خاطب لا يكون من أسرتها، ذاكرةً أنها صُدمت بموقف والدها وشقيقها الأكبر حينما ناقشتهم عن رغبتها في خوض تجربة «الابتعاث»، حيث لم تجد غير حجج ضعيفة ومخاوف لا مكان لها إلاّ في عقولهم، مؤكدةً على أنها في نهاية الأمر تحترم رأي ولي أمرها أياً كان، متسائلةً: لماذا حلال على أخوتي الذكور الدراسة بالخارج وحرام عليّ ذلك؟. المرأة تبحث عن الرجل الذي يقدر قيمتها ويحترم أنوثتها وطموحاتها غياب الثقة وطالبت «وجدان العقيلي» الزوج الذي يسمح لنفسه باستخدام كل وسائل التكنولوجيا الحديثة ويشارك في مواقع التواصل الاجتماعي أن يبرر أسباب رفضه إعطاء زوجته جهاز حاسوب أو جوال حديث، متسائلةً: لماذا لا يُلبي بعض الرجال متطلبات المرأة؟، ولماذا يشعرها بأنها ليست محل ثقة؟، مبينةً أن الكل يسألها: «ليش ما تحملين برنامج الواتس آب؟»، وعندما تطلب من زوجها شراء جوال حديث محمل ببعض البرامج يتجاهل طلبها، مشددةً على أهمية أن تُربي الأم ابنتها على أنها إنسان له كيان مستقل بحد ذاته وله رأيه وله حق مثل الرجل. العمل الشريف للمرأة واجه اعتراضاً من البعض ولكنه نجح في النهاية وأوضحت «دانة محمد» أن بعض الأزواج يحرص على السفر والخروج اليومي برفقة أصدقائه والبسمة لا تفارق شفتيه، في حين يجلس مع أسرته وكأنه يشعرهم بأنه متفضل عليهم، مضيفةً أن هناك من يمنع زوجته من الخروج للتنزه، بينما لا يتردد هو ولو للحظة في السفر مع أصدقائه وأقاربه. نظرة سلبية وأكدت «عبير المسعودي» على أن المرأة في وقتنا الحالي تبحث عن الرجل الذي يقدر قيمتها ويحترم أنوثتها وطموحاتها، لكنّ كثيراً من الزوجات تجد نفسها أمام رجل لم يتخلّ عن نظرته السلبية مهما كان متعلماً أو مثقفاً، فالبعض تحكمه أنانيته المفرطة أو ازدواجية شخصيته من حرمانها من متطلبات لا تتعارض مع الدين، مبينةً أن المرأة تقدر مخاوف الرجل عليها؛ لأنها دليل محبة وتقدير، لكنها لا تقبل أن يكون هذا المنع أو الحرمان لعدم ثقة، أو انتقاص من فكرها، أو لمجرد الخوف من كلام الناس، مشيرةً إلى أن البعض منهم حرص على مواصلة تعليمه وتطوير ذاته حتى حصل على عديد من الشهادات العليا، وفي نفس الوقت يمنع شريكة حياته من إكمال دراستها، أو حضور الدورات التدريبية العامة والخاصة دون ذكر الأسباب. د.عوض مرضاح حق الملكية وأشارت «هنادي محمد» -موظفة- أن أحاديث كثير من الموظفات لا تخلو من التطرق إلى معاناتهن مع الأزواج، الذين حلّلوا لأنفسهم التحكم برواتبهن وإجبارهن على تحمل كافة مصاريف المنزل والأبناء، بل ان البعض منهم يرفض فكرة تملكها للعقار أو مشروع تجاري أو سيارة، فيشترط أن يكون كل شيء باسمه، وكأن حق الملكية حلال للرجل فقط. وقالت «بسمة العمراني»: إن زوجها يمنعها من متابعة بعض القنوات الفضائية، ويفرض عليها هي وأبنائها قنوات معينة، بل إنه كثيراً ما ينفعل حينما يجد أنها أضافت إحدى القنوات!. عبير المسعودي واشتكت «منال جابر» من أنانية زوجها، قائلةً: يتحدث كثيراً عن راحته النفسية ولياقته البدنية بعد التحاقه بأحد الأندية الرياضية، ويؤكد باستمرار أن الرياضة تجدد المشاعر وتساعد على المحافظة على الوزن المناسب، مضيفةً أنه عندما أخبرته عن رغبتها في الالتحاق بأحد الأندية النسائية رفض وبشدة -رغم وجود الضوابط الشرعية والأخلاقية-، ذاكرةً أنه وفّر لها عددا من الأجهزه الرياضية داخل المنزل!. تربية وموروث وأكدت «ليلى الشاذلي» على أن التربية والموروث الثقافي لبعض الرجال هما سبب رئيس لوجود تلك التناقضات في أشكال تعامل الرجل مع المرأة، مضيفةً أنها قررت الوقوف ب»كشك» صغير لبيع بعض أعمالها ومشغولاتها الفنية، التي كانت محل إقبال وإعجاب الكثير، مبينةً أنها واجهت هجوما شديدا من بعض الرجال، حيث حاول البعض إغلاق المحل وإبلاغ الجهات الحكومية، وهناك من حاول تشويه سمعة المحل والتقليل من شأن أعمالها، متسائلةً: لماذا يتقبل الرجال وجود بسطات النساء على الأرصفة، ولا يتقبل مسألة بيعها في محل يحفظ لها خصوصيتها وكرامتها؟. ليلى الشاذلي بيئة حاضنة وأوضح «د.عوض بن محمد مرضاح» -خبير دولي للتنمية الأسرية- أهم الأسباب التي تقف خلف منع وحرمان الزوجات من التصرفات الحياتية التي يمارسها الزوج، سواء داخل المنزل أو خارجه، حيث يعود ذلك إلى الثقافة المجتمعية التي تربى ونشأ عليها، وأن هذه الأمور لابد أن تكون فقط بيده ومن صلاحياته، ولا يحق للزوجة أن تمارس أياً منها، وهو ما نقصد به البيئة الحاضنة للزوج، كذلك فهم بعض النصوص الشرعية بشكل غير المقصود، بمعنى أن هناك من يرى أن مكان المرأة هو بيتها فقط، فلا تخرج وتتاجر، ولا تعلم ولا تتعلم، إلى غير ذلك، علماً أن أُمنا السيدة «خديجة» -رضي الله عنها- كانت تاجرة، وأُمنا السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت مرجعاً للكثير من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- في المسائل الفقهية بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. دانة محمد غياب التوازن وأكد «د.مرضاح» على أنه من ضمن الأسباب الصورة الذهنية السابقة أو الخلفية التاريخية أو التجارب السلبية حول كثير من هذه الأمور التي ربما وقعت، لكن الخطأ أن تعمم في نظر الأزواج، فأصبح الخوف هو السبب الذي يدفع بالزوج لمنع زوجته والسماح لنفسه، مضيفاً أنه يعمد البعض منع زوجته من أمور لوجود تصرفات منها فيها شيء من الريبة، فمثلاً لها تجارة فهي تخرج من منزلها بشكل كثير وغير منظم، أو من يجد أن زوجته على مدار الساعة على شبكات التواصل الاجتماعي ليلاً ونهاراً وعدم مراعاة واجباتها المنزلية، دون الحرص منها على التوازن بين الواجبات والأمور المباحة، مما يؤدي بالزوج إلى اتخاذ إستراتيجية المنع، لافتاً إلى أن البعض يحاول المنع بدافع التأديب أو رد الاعتبار؛ بسبب وجود مشاكل كثيرة بين الزوجين، مشدداً على أهمية الثقة بين الطرفين، خاصةً الزوج عليه أن يعلم أنه ليس كل تجربة سلبية صدرت من امرأة لابد وأن تكون مع زوجته، فالنساء لسن سواء. آثار مترتبة وكشف «د.مرضاح» عن أهم الآثار المترتبة على مثل تلك التصرفات ومنها النفسية، وتحديداً إصابة الزوجين أو أحدهما بحالات من القلق والتوتر والاكتئاب، وانعدام فهم الطرف الآخر، وكثرة المشاكل بين الزوجين لأتفه الأسباب، وانعدام الألفة والمحبة، مضيفاً أن هناك آثارا سلوكية مثل وجود السب والشتم، والخروج من المنزل بسبب المشاكل، وكذلك عدم الاهتمام بالطرف الآخر، والبعد عن الرعاية الأسرية وانعدام السلوكيات الجالبة للحياة السعيدة، مشيراً إلى أن هناك آثارا عقلية تتمثل في التفكير المستمر في الطلاق والانفصال، وإساءة الظن في الطرف الآخر، والتفسير العقلي الخاطئ للطرف الآخر، وكذلك البعد عن التطوير الذهني والثقافي والعقلي في المهارات الأسرية، والإصابة بإشكالات عقلية كزيادة نسبة الكهرباء او الصداع المزمن. حُب وتقدير وأوضح «د.مرضاح» أنه لعلاج هذه الظاهرة من الطرفين الزوج والزوجة، لابد من التركيز على بناء الحب والصداقة والألفة في الحياة الزوجية، وكذلك الفهم الصحيح لشرائع الدين وفهم الحالة النفسية للزوجة، ومعرفة أن هناك احتياجات خارجية للزوجة لابد وأن تحققها، إضافةً إلى أن الزوجة الذكية والعاقلة هي التي تفتح الموضوع مع شريك حياتها في وقت مناسب وبطريقة مليئة بالحب والتقدير، إلى جانب أنه لابد أن يكون الزوج على قدر كبير من الفهم والنقاش ويستطيع اقناع زوجته بالأمر الذي يرى أن فيه مصلحة له ولزوجته، مشدداً على أهمية تحقيق التوازن بين مسؤوليات الزوجة تجاه شريك حياتها والمنزل والأولاد، حيث ان الزوج لن يجد مبرر لمنعها من أمر مشروع مباح، كما أنه من المهم بناء الثقة بين الزوجين وذلك من خلال الحُب والحوار، مع العفو عن الزلاّت.