إذا دخلت مصنع سيارات حديثا في اليابان فلا تعجب إذا رأيت مجموعة من الروبوتات(الأناس الآليين) يعملون جنبا إلى جنب مع عمال المصنع من بني البشر على تركيب وتجميع المحركات وبقية قطع السيارات. بل وستجد روبوتات على شكل عربات، تتحرك ذاتياً ببرامج الذكاء الاصطناعي لتقوم بنقل المكونات والأدوات بين خطوط الإنتاج في المصنع. وفي خلال سنوات قليلة قد يكون هذا هو الحال في مختلف القطاعات كالمستشفيات والمكاتب والمنازل بل وحتى قوات الصاعقة في الجيوش الحديثة. ويؤكد (بيل جيتس)، مؤسس شركة مايكروسوفت الأمريكية الشهيرة، بأن صناعة الروبوتات ستكون هي الثورة القادمة بعد عصر الهواتف الذكية، وأن وضع الانسان الآلي اليوم شبيه بما كان عليه الحاسب الآلي في مطلع الثمانينات الميلادية من القرن الماضي. بكلمة أخرى، قد لا يمر زمن طويل حتى نرى الروبوتات معنا في منازلنا وأعمالنا تساعدنا في قضاء مختلف المهام والمسؤوليات. ولك أن تتخيل حياتنا اليوم بدون حواسب أو هواتف ذكية وانترنت لتتصور كيف يمكن أن تكون أهمية الروبوتات في حياتنا المستقبلية. ومنذ عام 1986 يعمل المهندسون والخبراء في شركة هوندا على تطوير الروبوت (أسيمو) الذي أصبح رمزا للتقدم الياباني التقني في هذا القطاع الحيوي. وصل (أسيمو) لمستوى متقدم في الذكاء الاصطناعي كالتعرف على وجوه البشر وتحديد الشخصيات والتحدث مع الناس وأخذ طلبات المطاعم والتمييز بين مجموعة من الأصوات المتشابكة للبشر ومعرفة محتوى الحوارات. وفي مجال الحركة الميكانيكية فبإمكان (أسيمو) حاليا المشي والركض وتجنب الاصطدام بالمشاة في ممرات الشركة وفتح العلب المعقدة عبر تصاميم خاصة للكف والأصابع تتيح له ذلك. لكن ورغم كل هذا التقدم فقد شكلت أزمة فوكوشيما النووية بعد زلزال شرق اليابان العظيم في مارس 2011م صدمة كبرى لمطوري الروبوتات العالمية حيث فشلت جميع تلك الروبوتات في القيام بمهام إصلاح داخل المفاعل النووي المكتظ بالمواد المشعة بعد الانفجار الهيدروجيني الذي جعله بيئة شديدة الخطورة على البشر. واقتصرت مهام الروبوتات التي تم إدخالها، بالتعاون مع الجيش الأمريكي، على التصوير ورصد الوضع داخل المفاعل. بسبب هذه الحادثة حصلت تطورات مهمة، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن رصد ميزانيات ضخمة لمشروع عالمي بمسمى "تحدي الروبوتات" يهدف إلى تطوير روبوتات قادرة على قيادة السيارة، تجاوز الأنقاض، دخول المفاعل، إصلاح الأعطاب، صعود السلالم والعودة بسلامة. وبدأ السباق المحموم من شركات السلاح الأمريكية الشهيرة في هذا المجال وجامعات أمريكية متعاونة. ورغم محاولة عدد من الجامعات اليابانية مثل جامعة طوكيو الدخول في السباق إلا أن القانون الياباني يحظر على الجامعات الاستفادة من الميزانيات المخصصة لأغراض عسكرية. وكم من أستاذ جامعي رفض عروضا مادية مغرية من دول أجنبية خشية أن يستخدم علمه في أغراض عسكرية يمكن أن تتسبب بموت أناس أبرياء. كما رفضت شركة هوندا دخول هذا المشروع وآثرت التركيز على تطوير روبوت قادر على فتح وتنظيف الأنابيب الملوثة بالمواد المشعة في مفاعلات فوكوشيما. وليس الأمر مقتصرا على أمريكا واليابان. فالكوريون اختصروا الزمن عبر تطوير الروبوت (هوبو) في معهد كايست في أربع سنوات فقط. ورغم النجاح المبهر في النواحي الميكانيكية فقد قرروا، للتغلب على الضعف في برامج الذكاء الاصطناعي، فتح مشاريع تعاون بحثي مع سبع مؤسسات وجامعات أمريكية. وتعد التجربة الكورية نموذجا للدول الراغبة في اللحاق بالدول المتقدمة تقنيا والتي أتمنى أن نرى بلادنا الغالية من ضمنها قريبا. إن صناعة الروبوت لم تعد ترفا تقنيا، بل أصبحت من المجالات الحيوية التي يمكن أن ترتبط بالأمن القومي والقوة الاقتصادية. فشركة سولار فرونتيار اليابانية تطور روبوتا مخصصا للبيئة السعودية يقدر أن ينظف ألواح الخلايا الشمسية من الغبار العالق عليها نتيجة العواصف الرملية. كما يمكن للروبوتات المساهمة في المراقبة الأمنية على الحدود وداخل المدن وإصلاح الأعطاب في الأنابيب المخصصة لنقل النفط والغاز. وقد تكون الخطوة الأولى في بلادنا هي إضافة الروبوتات لتكون ضمن التقنيات الاستراتيجية لبرنامج الخطة الوطنية للعلوم والتقنية في المملكة، وأيضا تأسيس مراكز وطنية للأبحاث والتطوير في مجال صناعة الروبوتات يستقطب إليها شبابنا المبتعثون في هذا التخصص وعدد من الخبراء العالميين، يوازي ذلك استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ودعم الشركات الوطنية في هذا المجال الحيوي والذي من المنتظر أن تعتمد عليه الكثير من الصناعات المستقبلية. وإذا كان نظام الحاسب (واتسون) ذو الذكاء الاصطناعي من تطوير شركة آي بي إم قد استطاع التغلب على اثنين من البشر من الأبطال السابقين في برنامج المسابقات التلفازي الشهير (جيوباردي) في عام 2011م، فحسب تقديرات عدد من خبراء الروبوت مثل (راي كورزويل)، سيصل مستوى الذكاء الاصطناعي لدى الروبوتات في عام 2029م مستوى قريباً أو مساوياً للذكاء البشري مما سيؤهل الروبوتات لاقتحام الكثير من الأعمال والمجالات الحيوية في حياتنا اليومية وربما إحالة عدد غير قليل من بني البشر إلى التقاعد أو البطالة!! وأخيرا،، فحتى الإنسان الآلي إن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر..إنها دعوة للطموح وحافز لكل اليائسين والمحبطين من الأناس غير الآليين.