لم أتصور يوماً أن يكون ماء المطر وسيلة في غاية الأهمية لمكافحة الفساد.. ولعل رشة المطر التي هطلت على أنحاء مختلفة من مناطق المملكة خير دليل على ما يمكن أن يساهم به المطر في مكافحة الفساد وحق للمطر أن يسجل له براءة اختراع في مجال مكافحة الفساد. السيول التي خلفت ضحايا وتدميرا في المقدرات لولا الاستعداد المبكر لوزارة الداخلية وإيقاف وزارة التربية والتعليم للتعليم في عدد من مدن المملكة لكانت الكارثة أضعاف ما وقع، وهنا علينا أن نتحدث بشفافية لماذا على وزارة الداخلية أن تدفع ضريبة إهمال مؤسسات القطاع العام في تنفيذ مشاريعها؟ صحيح أن واجب وزارة الداخلية حماية الأرواح والممتلكات في الكوارث لكن نستطيع أن نقول إن الكوارث التي وقعت هي من صنع البشر!، فعدم وجود تصريف للسيول لا علاقة له بحجم المطر ولم نشهد فيضانات وإنما تنفيذ مشاريع البنية التحتية بمواصفات متواضعة أو فساد إداري أو مالي خلف ما حدث، وهو ما كشف الطابق المستور!. الآن على وزارة المالية مراجعة آلية توزيع مخصصات القطاع العام وطريقة إنجاز المشاريع والأهمية الإستراتيجية لتوزيع المخصصات والتفصيل في مخصصات القطاع العام، ونسب الإنجاز مع كل إعلان للموازنة العامة للدولة فلم يعد الوطن والمواطن بحاجة إلى مسؤولين ما أن تحدث كارثة إلا ويصرحون إلى وسائل الإعلام بمختلف أنواع الأعطاب التي تعتري أجهزتهم والمخصصات المالية التي يحتاجون إليها لتنفيذ المشاريع وما أن تنتهي الكارثة وتخفت وتيرة النقد في وسائل الإعلام إلا ويعودون إلى سالف عهدهم. مجلس بلدي الرياض على سبيل الثال أوضح في العام 2010 بأن 28% من الرياض مغطاة بشبكة تصريف سيول ومع رشة المطر الأخيرة شاهدنا عددا من الشوارع تكاد تعوم فيها المركبات وهو بالطبع ما يحتم فحص معايير فسح المخططات ومدى توفر تصريف السيول فيها.. والتساؤل الآن لماذا لم تنجز مشاريع تصريف السيول منذ فاجعة جدة الأولى؟ أليست مشاريع حيوية ويمكن تصنيفها ضمن المشاريع ذات الأولوية العالية وهي أهم من تعويض المتضررين من خزينة الدولة نتيجة عدم اكتمال شبكة تصريف السيول ؟! فضلا عن ارتفاع أسعار الأراضي بالرغم من عدم توفر أبسط مقومات البنية التحتية وما ينطبق على مدينة الرياض ينطبق بالطبع على غيرها من المدن وعلى الأحياء السكنية في مجاري الأودية والتي إلى الآن سلمت من كوارث قد لا يسعف الدفاع المدني- لاقدر الله - مستقبلاً حماية المواطنين نتيجة للتغيرات المناخية وهي بحاجة إلى معاجلة عاجلة لا أن تهمل مثل هذه الملفات !. علينا أن نتساءل هل على المواطن وأجهزة الأمن أن تكون الامطار بمثابة جرس إنذار لهم قد تتسبب في إزهاق الأرواح أو تلف في الممتلكات بدلاً من أن تكون سقيا خير وبركة؟ المطلوب الآن من هيئة مكافة الفساد التركيز في معالجة ملفات الفساد فهي كثيرة ومعقدة في أحيان، ومتشابكة في أحيان أخر.. فالحرص على مكافحة الفساد في مختلف الملفات والمستويات سيخسرها الإنجاز في جميع الملفات ولا بديل عن التشهير فكما أن من يزهق أرواحاً ومن يسرق يتم التشهير فيهم فمن باب أولى من يتسببون في إزهاق الأرواح ودمار الممتلكات بإهمالهم أو فسادهم أن يشهّر فيهم فدون تشهير بما يفعله الفاسدون سيستمر الفساد ويبقى الماء الأداة الوحيدة التي تخبرنا بما فعله الفاسدون!.