ما حدث في جدة ليس فاجعة للزمان والمكان فحسب، بل تعدى ذلك ليكون في مصاف الجرائم التي ارتكبها الفاسدون مالياً أو إدارياً، بما تحمله الكلمة من معان تشمل الإهمال وعدم مراعاة الأمانة في تنمية الوطن والمحافظة على مقدرات المواطن.آن للجميع انتهاج منهج خادم الحرمين الشريفين في الشفافية والإخلاص والتعامل مع الأزمات، فخطابه الكريم صدر وهو خارج المملكة وفي فترة نقاهة مستشعراً عظم الأمانة الموكلة إليه، فمن باب أولى أن يقوم المسؤولون في القطاع العام بواجبهم تجاه الله ثم ولاة الأمر والوطن وكل من يعيش على ترابه، وآن للجميع العمل بإخلاص والابتعاد عن التزييف الذي عطل التنمية أو شوه أجزاء منها، فما حدث يتطلب إعادة تقييم كل إنسان لما يقوم به تجاه نفسه ووطنه ومقدراته وأجيالها القادمة. إن الشفافية التي انتهجها أمير التنمية والإدارة خالد الفيصل في التعامل مع الأزمة تجعلنا قادرين على التعامل بواقعية مع ما حدث، فما ذكره أن 10% من جدة فقط فيها تصريف سيول يوجه عددا لا محدود من الأسئلة إلى وزارة المالية وأمانة جدة، أولها لماذا استمرت 90% من جدة بلا تصريف سيول حتى بعد فاجعة جدة الأولى وما خلفته من ضحايا وأضرار بالمكان والممتلكات؟ هل لم تخصص وزارة المالية المخصصات الملائمة لتصريف السيول في جدة بأكملها؟ أم رغبت في توفير مخصصات بخطة خمسية أو عشرية؟ أم أنها وفرت المخصصات وتأخر التنفيذ من قبل الأمانة؟ وإن كان كذلك فلماذا تأخر التنفيذ من قبل الأمانة؟ هل خلت الأمانة من الأمانة؟ أم إهمال موظفين في الترسية والتنفيذ كان خلف ما حدث، أم أن فساداً مالياً أو إدارياً مرتقبا خلف التأخير؟، أطرح الأسئلة السابقة ولا أملك إجابة عليها! إن التشهير بكل من سولت له نفسه التلاعب بمقدرات الوطن هو نقطة البدء في مكافحة لصوص المال العام، وخصوصا أن ما حدث في جدة قد يحدث في غيرها من المدن، فالعاصمة الرياض على سبيل المثال يغطي تصريف السيول فيها نسبة 28% من حجم المدينة كما أعلن في وقت سابق، ولنا أن نتخيل ما قد يحدث لا قدر الله لو هطلت أمطار على المدينة بنفس حجم ما هطل في جدة، وما يمكن أن تخلفه من أضرار في الممتلكات والأرواح، وما ينطبق على العاصمة ينطبق على غيرها من مدن المملكة، خصوصاً وأنه تم الترخيص للبناء في بطون الأودية، كما أعلن في وقت سابق في بعض المدن! وهذا يتطلب منعطفا جديدا في التعامل مع مثل هذه الأزمات، خصوصاً وأن التغييرات المناخية تشير إلى احتمالية هطول الأمطار بشكل أكبر. من الأنسب الآن إيقاف الصرف على مشاريع الإنشاءات في الميزانية الحالية وتحويلها بشكل عاجل على تصريف السيول والبنية التحتية في جميع مناطق المملكة مع التركيز على المدن التي قد تعاني بشكل أكبر، وعلى أن تعوض أجهزة القطاع العام في قادم السنين مخصصات بديلة عن مخصصات هذا العام، فلا فائدة من الإنفاق على الإنشاءات إن كانت سحابة غيث قد تهدد بتدميرها أو تعطيلها نتيجة لعدم توفر تصرف للسيول. ما حدث ويحدث في القطاع العام يتطلب إعادة تقييم لواقع القطاع العام وآليات تنفيذه للمشاريع، والبحث عن الدور الذي يجب أن تمارسه الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الفساد وأجهزة المراقبة المالية والإدارية، التي سعت في أوقات سابقة إلى تبرئة ذاتها كون رقابتها لاحقة بعد اكتمال المشاريع وليس أثناء تنفيذ المشاريع؛ ما يعني أن المراقبة تتم بعد أن تدفن أدوات الجريمة في قلب التنمية ويطل علينا الفساد بشوارع فسيحة أو قبب اسمنتية تخفي آلام الفساد الذي دفن في باطن التنمية دون أن تستطيع البوح به. كلمة حق وشكر وامتنان لرجال الأمن والقوات المسلحة وجميع من حرص على تخفيف معاناة العروس، وأخص بالشكر متطوعي ومتطوعات جدة الذين يعجز الحرف عن شكرهم والسان عن البوح بما قاموا به من جهود تجاه الوطن ومن يعيش على ترابه، فهنيئا للوطن بهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 246 مسافة ثم الرسالة