حين تتمعن في التخصصات العلمية في الجامعات السعودية، وحتى بعض المبتعثين تجد بعض التخصصات لا مكان لها «بسوق العمل» رغم أن سوق العمل يحتاج عشرات التخصصات، وكان لي حوار مع الدكتورة نادية باعشن وهي عميدة كلية الإدارة والاقتصاد للبنات بجدة حين ذكرت لي أنها تبحث عن محاضرات لديها بالكليات وأنها قابلت أكثر من 100 خريجة ماجستير ولكنها تفاجأت بوجود تخصص «علوم الفلك» وكانت مبتعثة، وطبعا هذا التخصص لا يتناسب مع طلب الكلية للدكتورة نادية، وتتساءل الدكتورة أين ستعمل بهذه الشهادة «تخصص الفلك» وكيف تمت الموافقة على ابتعاث بهذا التخصص؟! وتؤكد الدكتورة أن مشكلة اللغة الانجليزية كبيرة جداً للكثير ممن يأتون بشهادات عليا خارجية، فهم ضعيفون في اللغة، وجل تركيزهم على تخصصهم ولا يخرجون عن ذلك وهذا خلل كبير في التعليم أن تحصر اللغة بتخصصك وتعاني ضعفاً بشكل عام ببقية اللغة. المشكلة الكبيرة في التخصصات العلمية في الخارج أن الابتعاث اشترط شروطاً جيدة في البداية للموافقة على الابتعاث سواءً صحية أو هندسية أو غيرها ولكن ماذا يحدث في الواقع؟؟ أن المبتعث يذهب هناك للدراسة وبعد فصل واحد يتجه لتغيير تخصصه وغالباً هي تخصصات «إدارية ونظرية» وهذا ليس الاحتياج الحقيقي الذي نحتاجه في بلادنا وتنميتنا، ولكن أصبح الكثير للأسف يتجه لهذا العلم الذي لا نقلل منه ولكن لا يشكل ضرورة أو أهمية لنا كوطن وحاجة لها ولدي العديد من شهادات خريجين ماجستير وغيرها من دول عديدة لا يجدون عمل وفق رسائلهم ولا ألوم الطالب تماماً بل لمن وافق على منحه تغيير التخصص أو التخصص بعلوم نحن لسنا بحاجة لها وكأن الهم والغرض هو «كم» لا «كيف» وهذه خسائر كبيرة تتكبدها الدولة والمبتعث نفسه الذي سيكون في النهاية يقوم بعمل ليس الذي تعلمه أو تخصصه، فكم مليار ستخسره الدولة في هذا الجانب. يجب أن يعاد النظر في توجيه التخصصات في الدراسة في الخارج وأن يحدد وفق الاحتياج الحقيقي لا غيره وهذا ما سيكون عاملاً ورافداً مهماً للبلاد مستقبلاً وأن لا يسمح بتغيير التخصصات إلى تخصصات غير ضرورية أو لا نحتاجها أو تتسبب في بطالة عالية لأصحاب شهادات بلا معنى أو قيمة، من هنا على وزارة التعليم العالي والمحلقيات التابعة لها أن تركز على تحقيق الأهداف الحقيقة في التخصصات العلمية. بلادنا ليست بحاجة لحملة شهادات مكررة تزين الصحف والجدران بل بحاجة لأصحاب العلم الذي يضيف ويسهم بالتنمية ويسد كثيراً من الثغرات في ثقوب الاقتصاد والعمل المتاح في بلادنا. فالأساس يبتعث ويعرف أين سيكون لاحقاً.