«إن قيادة هذا الوطن لن تسمح لكائن من كان أن يقلل من شأن المرأة أو يهمش دورها الفاعل في خدمة دينها وبلادها». تلك الحكمة التي تردد صداها منذ اللحظة الأولى التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، شنفت آذان الحضور، أمس الأول، الذين بدؤوا حصد ثمار تعليم الفتيات، داخل الدار التي خصصت لهن، فخرجت منها الحكمة بأقدام ثابتة. وبالأمس وقف الأمير خالد الفيصل، مؤكدا أن كلمات المليك خطط مستقبلية، تضع المرأة في عراك مع الزمن لا لإثبات الوجود، بل لتأكيد مساهمتها في التنمية الفعالة لبناء الوطن، جنبا إلى جنب مع شريكها الرجل. أمام بيت الحكمة، القلعة التربوية، كان الحدث. دموع تتفاخر بالحصول على التقويم العادل، وتبكي وداع عشيرة حافظت على كيان المرأة، بقدرة واقتدار. ودموع آباء يتفاخرون بمضي قطار العمر، والحصول على زهرة من بستان الأسرة، بعد أعوام الكد والجد والاجتهاد. هناك وقفت ربة بيت الحكمة الدكتورة سهير القرشي في حفل الكلية السنوي، تعلن أن اليوم عيد لكل من دخلت الدار، فخروجها بمعيار النجاح سيمفونية ترضي الأكاديميات المشرفات على الطالبات، وأغنية تشنف آذان أولياء الأمور، وإيقاع عمل يدلل على نجاح خطط المسؤولين. وهناك وقف ممثل أولياء الأمور المهندس عبدالله بقشان، شاكرا لمن أخذ بزمام المبادرة في تعليم الفتيات، ومشيدا بمن أشاع وعزز بوابات التعليم للبنات، ليصنعن أجيالا متعلمة، وأسرا على درجة عالية من النمو والتقدم. أما الخريجات فكفكفن دموعهن، وأعلنها على الملأ: «شكرا لمن تجرعوا مرارة الصبر على تعليمنا، وشكرا لمن فرشوا الحاضر لنحيا للغد، وشكرا لمن شرف الحفل نيابة وحضورا، وشكرا لمن عرفوا معنى الحكمة فألحقونا بها زهورا، لنخرج منها أشجارا يانعة الثمار». ورغم أن عيد الفنان عبادي الجوهر الذي عاشه أمس الأول اختلف بتخرج ابنته ضمن خريجات الدفعة الثامنة، إلا أن نشوة الغناء كانت على أشدها، فأعطى لدار الحكمة نكهة الغناء المشترك مع فنان العرب، محمد عبده، مرددين نشيد الكلية، بعدما أهدته الدار زهرة العمر سارة، ابنة متسلحة بعناقيد العلم، ومتشحة بمعطف التخرج والتفوق. النطق والسمع وسط ذلك الزخم من الخريجات المتفوقات، واللاتي شملتهن سبعة تخصصات «التصميم الداخلي، التصميم الجرافيكي، التربية الخاصة، نظم المعلومات الإدارية، التمريض، العلوم المصرفية، والتمويل»، كانت هناك 18 خريجة يمثلن الدفعة الأولى من تخصص قسم علوم السمع والنطق، من بين 39 طالبة التحقن بهذا القسم. التربويات اعترفن أن سوق العمل مفتوح لمثل هذه الكوكبة اللاتي لا يمثلن نقطة في بحر الاحتياج، لكنهن اعترفن أيضا أن الإقبال على التخصص لا يزال دون المأمول أو المتوقع: «صحيح أنه زاد عما كان سابقا، إلا أننا نطمح في تحريك المياه الراكدة لتعرف الطالبات أهمية القسم، فيزداد الإقبال عليه». وإذا كانت المتخصصات في رعاية الصم والبكم، يرين أن الحاجة ماسة إلى هذا التخصص، قياسا بندرة عدد المؤهلين، فإن تزايد أعداد الصم والبكم في السعودية، تجعل باب الاحتياج شاغرا من دون إشعار آخر. حاجات المجتمع وتعد نائبة العميدة لشؤون الأكاديمية ورئيسة قسم التربية الخاصة الدكتورة ميرفت طاشكندي، إعطاء الكلية أهمية خاصة لهذا الاتجاه، دليلا على التعرف على أنماط الاحتياج في المجتمع: «الكلية حرصت على إيجاد قسم علوم السمع والنطق، نظرا إلى احتياج سوق العمل الشديد لتخريج مثل هذه الكوادر المدربة على أعلى المستويات، ونظرا إلى وجود عجز كبير في هذا التخصص سعت الكلية إلى فتح هذه التخصص، حيث تعد كلية دار الحكمة الوحيدة في المنطقة الغربية التي لديها هذا التخصص النادر، وإن كانت تسبقنا في هذا التخصص جامعة الملك عبدالعزيز ب 15 عاما إلا أن الأعداد قليلة جدا ولا تغطي احتياج سوق العمل». إحجام الطالبات لكن إحجام الفتيات عن القسم لا يزال يشغل بال المسؤولات عن الكلية: «قلة الوعي وراء إحجام الطالبات عن الالتحاق بهذا التخصص، وأعتقد أن هناك عدم اهتمام، فجميع المسجلات بالقسم 39 طالبة تم تخريج 18 طالبة، وهذه الأعداد تدل للأسف الشديد على عدم إقبال الطالبات على التخصص، لكننا نتطلع إلى زيادة الإقبال على أمل أن تلتحق العام المقبل أعداد أكبر، لأنه قبل ذلك لم تكن هناك منح من وزارة التعليم، تفي بتغطية هذا التخصص، ولكن هذا العام، ولله الحمد، تمت إضافة التخصص ضمن منح خادم الحرمين الشريفين للمنح الداخلية، ونأمل أن يفتح هذا الباب أمام الطالبات فرصة الالتحاق بهذا القسم». مواقع الاحتياج وتشير الدكتورة مرفت إلى أن الاحتياج إلى متخصصات في علوم السمع والنطق، ليس حكرا على جهة بعينها: «الاحتياج مرتفع، خاصة في المدارس، إذ لا توجد فيها اختصاصية خريجة قسم علوم النطق، وجميع الخريجات الموجودات الآن يعملن حاليا في العيادات والمستشفيات، بينما تحتاج كل مدرسة على الأقل إلى اختصاصية واحدة للطالبات اللاتي يعانين صعوبة التعلم والنطق». مراتب الشرف وفيما تفتخر وكيلة شؤون الطالبات بكلية دار الحكمة الدكتورة لمياء قزاز، بتخرج أول دفعة من قسم علوم السمع والنطق، على مستوى القطاع الخاص، تعد حصول جميع الطالبات على مراتب الشرف، دفعة معنوية للجميع: «سوق العمل يحتاج إلى هذه الكوادر، وخاصة المستشفيات والكثير من المؤسسات التعليمة تطلب هؤلاء الخريجات المتخصصات، وإذ نرى أهمية تزودهن بالخبرة، لمدة عام أو عامين، نأمل أن تراعي وزارة التعليم العالي أمر ابتعاثهن للخارج، لأنهن أول دفعة متخصصة». تزايد الإصابات وأشارت عضو هيئة تدريس علوم النطق واللغة والسمع، الدكتورة أريج عسيري، إلى أن أي شخص لديه اضطراب التواصل، حتما يحتاج لاختصاصيات في النطق والسمع: «من الممكن أن تكون هذه المشكلات منذ الولادة، أو أن يصاب بها الشخص في حوادث مرورية، أو بسبب بعض الأمراض مثل الجلطات أو تناول أدوية معينة، وبالتالي فالاحتياج شديد إلى هذا التخصص لتزايد حالات الإصابة، صحيح أن إقبال الطالبات حاليا أفضل من السابق، ولكن ما زلنا بحاجة ماسة إلى التوعية بأهمية هذا التخصص، وما له من أثر بالغ في خدمة المجتمع والرقي بهذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ونأمل أن تتاح للخريجات فرصة للابتعاث الخارجي لمواصلة دراستهم والتزود بأفضل البرامج التي تخدم المجتمع». برنامج عالمي وامتدحت الأمريكية الجنسية عضو هيئة التدريس ومشرفة قسم علوم النطق والسمع الدكتورة لندا باك بلور، البرنامج الذي يتم تدريسه للطالبات بالكلية: «البرنامج متوافر دوليا ونحرص هنا على توفير المستوى الدولي نفسه الموجود، حتى لا تضطر الطالبات إلى السفر للخارج للحصول على هذه البرامج، وحتى تستطيع الطالبات هنا في السعودية الحصول على أعلى البرامج التي تدرس في هذا المجال، وجميع العاملات في هذا التخصص يحملن الدكتوراه في التخصص، ومعهن شهادات إكلينيكية في التخصص نفسه». وعي وتخطيط وأشادت خريجة قسم علوم السمع والنطق بتقدير امتياز الحاصلة على شهادة التقدير إيمان عبدالله بقشان، بالدعم الكبير الذي تلقته من إدارة الكلية وأعضاء هيئة التدريس، ونسبت إليهن الفضل بعد الله تعالى في تميزها وتفوقها. وأوضحت أن اختيارها لهذا التخصص تم بناء على تخطيط ووعي: «كنت منذ البداية حريصة على الالتحاق بتخصص يحقق خدمة وطني، وأن أعمل بتخصصي، فوجدت ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر فئة تحتاج إلى الدعم والتدريب والتأهيل على أيد متخصصة، محبة لعملها، فهو تخصص نادر الهدف منه خدمة المجتمع، وحاليا أسعى للابتعاث الخارجي للحصول على الماجستير والدكتوراه، وأسعى أن تكون لدي بصمة في هذا التخصص». رغبة في الابتعاث وذكرت الخريجة أماني العبدلي أنها كانت تدرس صعوبات تعلم، وحين تم افتتاح هذا القسم بكلية دار الحكمة آثرت الالتحاق به: «وجدته تخصصا نادرا، ولا يوجد إلا بمدينة الرياض، وافتتاحه في جدة فرصة للفتيات، لكن أعرف أن هناك نظرة قاصرة من المجتمع، فلا أحد يعلم أن هناك أناسا يساعدون في علاج من لديهم مشكلات في النطق والسمع، وأسعى للحصول على وظيفة بأحد المستشفيات بغرض التدريب وكسب الخبرة، يعقبها التقديم للحصول على ابتعاث خارجي لمواصلة الدراسة، وأتوقع أن نشكل نحن الخريجات مشروعا خاصا بنا بعد الحصول على الماجستير». توعية محدودة وأبدت الخريجة البتول عبدالملك عقيل افتخارها بوجودها ضمن خريجات أول دفعة في المنطقة الغربية من هذا التخصص الإنساني: «المهم أنه تخصص جديد وهناك احتياج كبير إليه لكثرة الحالات في المملكة، وأناشد الجهات ذات الاختصاص العمل على توعية السعوديات بأهمية الالتحاق بمثل هذه الأقسام التي تحمل رسالة إنسانية أكثر من كونها مجرد وظيفة، وأرى قصورا كبيرا في عملية نشر التوعية بين خريجات الثانوية، ونحن للأسف لم نعلم عن هذا التخصص إلا بعد حضورنا أحد المؤتمرات بالرياض». دراسة عملية وتشيد الخريجة نوف سواد بحجم التطبيقات العملية التي تحصلت عليها خلال الدراسة: «الدراسة في هذا القسم عملية أكثر من كونها تطبيقية، تعتمد على العمل الميداني وإعداد البحوث، ومشاريع نخطط لها وننفذها، وأتأسف لعدم وجود مراكز حكومية لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يشتكون من عيوب في النطق والسمع، وجميع المراكز الموجودة حاليا مراكز أهلية، والتخصص يعد من أكثر التخصصات من ناحية الأمان الوظيفي، فالعمل مضمون بعد التخرج مباشرة خاصة في المستشفيات ومراكز التدريب»