أكد سفير خادم الحرمين لدى لبنان علي عواض عسيري أن المملكة لم تغب يوماً عن لبنان، مشدداً على أن المملكة لم تقترح أي أسم لرئاسة الحكومة وأن اختيار تمام سلام لهذا الدور هو قرار لبناني وليس سعودي، مشيرا الى أن اللبنانيين الموجودين بالمملكة هم ضيوف مرحب بهم دوماً، ولا يستطيع أحد أن يلحق الضرر بأي لبناني داخل المملكة او خارجها. السفير علي عواض عسيري خصّ "الرياض" بحوار شرح فيه الموقف السعودي من مسائل تهمّ لبنان واللبنانيين مشددا على دور المملكة في تشجيع المصالحة اللبنانية ومؤازرتها للحوار البنّاء. فالى نصّ الحوار: معالي السفير هل عادت المرجعية السعودية إلى لبنان؟ وهل كانت غائبة أصلا؟ - لم تغب المملكة يوما عن لبنان وهي وقفت دوما إلى جانبه في السرّاء والضرّاء، ويشهد تاريخ هذا البلد على الاهتمام التاريخي الذي يوليه له خادم الحرمين الشريفين الذي صبّت مبادراته الدائمة في هدف أوحد تمثل بتوطيد الوفاق اللبناني اللبناني. ولا ننسى زيارته الكريمة إلى بيروت ومساعيه الصادقة والمخلصة لكي يبقى لبنان آمنا ومستقرّا، ودعوته الجميع إلى الوفاق في ما بينهم. ولكن للأسف فإن التطورات الإقليمية ربّما أثرت على الوضع اللبناني، لكنها لم تبدّل ثوابت المملكة التي طالما آمنت بتوجهات خادم الحرمين الشريفين بأن الحلول اللبنانية اللبنانية هي التي ستخدم هذا البلد وتحصنه تجاه الإفرازات السلبية سواء الإقليمية أو الدولية. إن استقالة حكومة وتشكيل حكومة أخرى هي شأن لبناني بامتياز، وكل ما نتمناه هو أن نرى حكومة يتفق عليها الجميع، تعبّر عن طموح جميع اللبنانيين وتقود لبنان إلى مستقبل أفضل. لا نقيم وزناً لأي صوت غير مسؤول لا يعكس العلاقة المميّزة بين بلدينا وشعبينا يسود شعور في لبنان بأن اختيار تمام سلام لترؤس الحكومة الجديدة جاء بمباركة سعودية، فماذا يعني اختيار شخصية معتدلة ومقبولة من الجميع في اللحظة السياسية الراهنة؟ - دعيني أؤكد بأن هذا اختيار لبناني وليس سعودي، تبارك المملكة كل ما فيه خير لبنان، ودولة الرئيس المكلّف تمام سلام ينتمي إلى أسرة سياسية بيروتية عريقة، يتميز بأخلاق فاضلة وعلاقته ممتازة مع جميع الأفرقاء وما لمسته من قبول القوى السياسية جميعها بترشيحه يعكس مكانة الأسرة وموقع هذا البيت السياسي العريق ومزايا الرّجل، ما يخلق أملا عندنا وعند كلّ محبّ للبنان بأن يرى في المرحلة المقبلة التي سيقودها سلام تمهيدا لبيئة أفضل للبنان وللبنانيين. لايسود شعور بالخسارة عند فريق الأكثرية السابق، ويعتبر بأن ترؤس شخصية كتمام سلام تحظى بدعم دولي تجعله معزولا، هل ترى أنه يوجد "غالب ومغلوب" بعد التغيير الحكومي الأخير؟ - أعتقد أن الحقيقة مناقضة لهذا الرأي، فنحن نلمس التوافق والإجماع الحاصل، ما يشير إلى أنه لا يوجد فريق عازل وآخر معزول. جميع الأفرقاء السياسيين متوافقين على اختيار تمام، وهذا ما يعكس رغبتهم ولا أعتقد أنه يوجد تهميش لأحد. يبدو بأن الاستحقاق الانتخابي سيتأجل لفترة معينة قد تكون تقنية وقد تطول كيف ترى المملكة هذا الموضوع؟ - هذا القرار هو لبناني صرف. كيف نظرت المملكة إلى الحملة التي طاولتها من قبل بعض خصومها السياسيين في لبنان وهل أساءت هذه الحملة إلى العاطفة التي يكنّها المسئولون السعوديون للبنان؟ وهل تؤثر حملات مماثلة على مصير اللبنانيين العاملين في المملكة؟ - يدرك اللبنانيون جميعهم مدى إسهامات المملكة في لبنان ووقوفها إلى جانبه في محطات صعبة. وأشير إلى أن القيادات السياسية التي نتعامل معها تبلغنا دوما بمدى تقديرها للجهود التي تبذلها المملكة لمساعدة لبنان في ظل الظروف التي تمرّ بها المنطقة، وإذا صدر صوت غير مسئول فنحن لا نقيم له وزنا، لأنه لا يعكس فعليا العلاقة المميّزة بين البلدين والشعبين.أما بالنسبة إلى اللبنانيين الموجودين في المملكة فهم ضيوفها وقد شاركوا في التنمية والإنماء فيها وهم ومرحّب بهم دوما. وأؤكد بأن كل لبناني موجود في المملكة يشعر بأنه في لبنان بين أهله وذويه، وتفكير المملكة أسمى من أن تعمد إلى إلحاق الضرر بأي لبناني سواء في لبنان أو في المملكة العربية السعودية. هل سيتمّ رفع حظر السفر السعودي والخليجي عن لبنان؟ - أولا لا يوجد حظر سفر من السعودية، هنالك تحذيرات أمنية مردّها إلى حوادث أمنية تقع في لبنان بين الحين والآخر ونحن نشاهدها عبر شاشات التلفزة. فليس من حظر على السعوديين لكن لا نريد أن يقع مواطنو المملكة في أية مطبات أمنية غير مستحبة. واليوم إذا وجدت البيئة الأمنية التي تضمن بأن لبنان بخير، وأنه توجد خطط أمنية واضحة ومطمئنة، وان لبنان عاد واحة آمنة كما عهدناه عندها قد يعاد التفكير في مثل هذه التحذيرات. هل تتخوفون من انتقال شرارة الأزمة السورية إلى لبنان؟ - نرجو أن يبقى لبنان بعيدا من أية انعكاسات أمنية سلبية للأزمة السورية، وتقع هذه المسؤولية على عاتق اللبنانيين أنفسهم، فيطبقوا فعليا ما أجمعوا عليه في "إعلان بعبدا"، من حيث النأي بالنفس لكي يبقى لبنان بعيدا من أية مشاكل أو أذى. "النازحون والحوار الإسلامي المسيحي" تساعد المملكة العربية السعودية النازحين السوريين بشكل دائم، كيف ترون مستقبل هذه الأزمة الإنسانية؟ - باشرت المملكة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة السورية في تقديم المساعدات العينية للنازحين بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية ومع هيئة الإغاثة اللبنانية ووزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية، وقد احتضنت المملكة العديد من الطلاب السوريين وكفلتهم في برنامج إغاثي متواصل، وقريبا جدّا سوف نحتفل بتدشين المزيد من الأعمال الإغاثية وأعمال الرعاية الصحّية واستئجار المباني وأعمال كفالة طلاب سوريين، والعمل مستمر وثمة هيئتين سعوديتين إغاثيتين رئيسيتين تعملان ميدانيا على مدار الساعة للوصول إلى المحتاجين وسأعقد في الأسبوع المقبل اجتماعا مع هيئة الإغاثة في الأمم المتّحدة في مقر السفارة ومع مندوب الإغاثة السعودية بغية تنسيق هذا العمل الإغاثي للتأكد من الوصول إلى المحتاج بأسرع وقت ممكن. ماذا عن الحوار الإسلامي المسيحي المستمر وخصوصا بعد زيارتك أخيرا للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وماذا عن تطور هذا الحوار الذي يصبّ ضمن توجيهات خادم الحرمين الشريفين؟ - مما لا شك فيه بأن خادم الحرمين الشريفين يولي حوار الأديان اهتماما رئيسيا، فقد أوجدت إفرازات حوادث 11 سبتمبر فراغا وربما جهلا في النظرة تجاه الإسلام والمسلمين. لقد وضع خادم الحرمين خريطة طريق لهذا الحوار، ونحن كسفراء في لبنان وفي سواه من البلدان نسير بحسب خطوط هذه الخارطة من حيث التواصل مع جميع الديانات الموجودة، وبناء جسور من المحبّة والمودّة والتفاهم، وكانت لي لقاءات عدة تصبّ في هذا الهدف في مطرانية عجلتون حيث التقيت مع شخصيات ثقافية مسيحية. ووفقا للزيارات التي قمت بها أستطيع القول بأن القيادات المسيحية جمعاء بما فيها الكاردينال بشارة الراعي تقدّر هذا الجهد الكريم من خادم الحرمين والمساعي الحميدة لإيجاد مركز حوار جامع، وتشجيع الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وكنت مسرورا بسماعي الكاردينال الراعي معبّرا عن مدى تقديره لهذا الجهد العظيم للمملكة، ونحن نعوّل على إخواننا المسيحيين العرب الذين يفهمون الثقافتين الإسلامية والعربية أكثر من سواهم ليكونوا سفراء لهذا الحوار، وأن يترجموا معانيه واقعيا لأنهم يتمتعون بثقافة لغوية، ولديهم الانفتاح المطلوب لنشر الأفكار الصحيحة. هل من رسالة أخيرة للبنانيين؟ - نتمنى للبنان كلّ الخير، ونحن ننقل دوما رسالة محبّة ومودّة خالصة لجميع القيادات التي نلتقي بها في لبنان، وحرص خادم الحرمين على السلم الأهلي في هذا البلد، ونسعد برؤية توافق لبناني معطوف على حوار بنّاء، ووقوف القوى السياسية وراء الجهود العظيمة التي يبذلها فخامة رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان في سبيل حفظ لبنان وحمايته وصون سلمه الأهلي.