أكد ل «عكاظ» سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان علي بن سعيد آل عواض عسيري أن الظروف الأمنية التي تشهدها لبنان تستدعي سريان مفعول القرار الذي أصدرته وزارة الخارجية بتحذير المواطنين من السفر إليها، بجانب الأوضاع الإقليمية التي تتطلب اتخاذ تدابير وقائية، انطلاقا من حرص خادم الحرمين الشريفين على أمن وسلامة المواطن، وقال إن المصلحة في التريث في المجيء إلى لبنان ريثما تسمح الظروف، داحضا مزاعم أطلقها سياسيون بأن في ذلك إشارة إلى توتر العلاقات بين الرياضوبيروت، ومؤكدا في الوقت ذاته أن هذه التحذيرات لن تؤثر على العلاقات السعودية اللبنانية. وكشف السفير عسيري عن الحيثيات التي دفعت للتحذير مجددا بجانب الأوضاع الإقليمية، إذ تسببت الأحداث في تأخر وصول مواطنين إلى مطار رفيق الحريري الدولي، وتعرض آخرون لعمليات خطف واعتداء وابتزاز. وتأسف على تراجع بعض الجمعيات الخيرية في تقديم الدعم للنازحين من سورية، ما دفع الجهات السعودية إلى إنشاء 8 مراكز استقبال وإيواء بجانب اعتماد مشروع لتأمين الإغاثة ل8 آلاف أسرة بتكلفة 14 مليون ريال. وأبدى السفير السعودي في بيروت تفاؤله بنجاح القمة الإسلامية الاستثنائية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين، وقال إن أهميتها تكمن في مخرجاتها الإيجابية نحو تعميق علاقات التعاون والتفاهم بين الدول الإسلامية، وبلورة علاقات حضارية مع العالم. .. فإلى الحوار: • الظروف السياسية الجارية في الشارع اللبناني آلت إلى أحداث وتطورات كان من بينها تهديد السعوديين واختطاف ثلاثة إلى أن صدرت تعليمات رسمية تحذر من السفر إلى لبنان.. فبرأيكم ما مدى تأثير ذلك في عمق العلاقات السعودية اللبنانية؟ • لا لم تتأثر، فالعلاقات بين البلدين ليست وليدة اليوم، فهي انطلقت منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ، حيث وقف لمساعدة لبنان على نيل استقلاله، واستمر أبناؤه في توثيق العلاقات بين الدولتين والشعبين إلى اليوم، والأشقاء اللبنانيون أنفسهم يشيدون بقيادة المملكة ومواقفها الدائمة مع الشعب اللبناني، سيما رعايتها لاتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية مرورا بكافة المواقف السياسية والمساعدات الاقتصادية والإنسانية التي يصعب حصرها في هذه العجالة، وصولا إلى الموقف الأخير لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله بدعوته فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان إلى إطلاق الحوار الوطني لتقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف اللبنانية، والتمكن من التوصل إلى قرارات مشتركة تحصن الوحدة الوطنية وتبعد الساحة الداخلية عن التوترات الإقليمية، إضافة إلى العناية الكريمة التي يسديها خادم الحرمين في مساعدة الأشقاء اللبنانيين على التوصل إلى حل للأزمات السياسية. لا عوائق تعترض العلاقة • وهل من سبل تسهم في تعزيز هذه العلاقات لضمان المحافظة عليها وسط الأحداث المتلاطمة والتجاذبات السياسية غير المتزنة؟ • إذا تحدثنا عن الجهود المبذولة في إطار استمرار تمتين وتوثيق العلاقات بين البلدين فالحقيقة أن لبنان يعتبر المملكة سندا له، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي إقليميا وعالميا، وعلى صعيد إعانته على النهوض من الكبوة التي أرهقته بفعل الحرب، والمملكة انطلاقا من موقع لبنان المميز لديها لا توفر أي جهد في إطار تعزيز عرى الأخوة، فبجانب مؤتمر الطائف والمواقف السياسية والاقتصادية التي اتخذتها تجاه لبنان، نشير إلى الاتصالات الدائمة والمشاورات المتبادلة المستمرة مع الحكومة اللبنانية ومواصلة دعم لبنان سياسيا واقتصاديا، ليتخطى الصعوبات التي يعاني منها .. فالمساعدات التي قدمتها المملكة إلى لبنان بعد الحرب ودورها الكبير في مؤتمر باريس 3 لهو دليل على ذلك، وصولا إلى اللقاءات التي تعقد باستمرار مع المسؤولين اللبنانيين الذين يزورون المملكة، والمؤتمرات الاقتصادية والثقافية التي تعقد في كلا البلدين. ولا نغفل في هذا الجانب العلاقات الإنسانية ، فبمجرد أن نقرأ واقع العلاقات بين البلدين يتبادر إلى أذهاننا عشرات الآلاف من الأشقاء اللبنانيين الذين يعملون في المملكة ، في مقابل المواطن السعودي الذي يشعر براحة نفسية في لبنان كما في بلده الأم، وكل هذا أدى إلى نسج أفضل العلاقات على كافة المستويات، حتى أمكن القول أن لا عوائق تعترض علاقات لبنان بالمملكة على أي مستوى، لأن المرتبة التي بلغتها هذه العلاقات بمقدورها تذليل أي عائق من أي شكل كان، وهذا توجه تعمل قيادتا البلدين بوحيه بنفس القدر. لا توتر من قرار التحذير • ما تعليقكم على ردات الفعل من قرار تحذير المواطنين من السفر إلى لبنان؟ • قرار تحذير المواطنين السعوديين من السفر إلى لبنان لم يكن دافعه سياسيا لكي يكون مساحة للتأويلات والاجتهادات الخاطئة، بل هو قرار وقائي حرصا من خادم الحرمين الشريفين على سلامة أبنائه، ثم إن هذا القرار لم يصل إلى حد المنع من السفر، ولم يهدف إلى الإضرار بلبنان وبالسياحة في موسم الصيف كما حاول البعض الإيحاء. فالمملكة اكتفت بتحذير مواطنيها بعد تريث، وفي النهاية لا يمكن حجب ما تبثه بعض وسائل الإعلام حول الأحداث التي تجري من وقت إلى آخر، وآخرها ما جرى خلال الأسابيع الماضية من حرق دواليب وقطع طرق رئيسية، أهمها طريق المطار الذي ترتب عليه تأخر بعض المواطنين السعوديين المتواجدين في لبنان في تلك الفترة من العودة إلى المملكة واللحاق بأسرهم والعودة إلى أعمالهم ، هذا بالإضافة إلى ما تعرض له بعض المواطنين السعوديين مؤخرا من عمليات خطف واعتداء وابتزاز وعدم توقيف الأجهزة المختصة لبعض الجناة المعروفين في بعض القضايا المشار إليها رغم ثبوت تورطهم بارتكاب الجريمة. • وهل تفهمت القوى السياسية في لبنان ذلك؟ • زرت بعد صدور القرار كلا من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ودولة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ودولة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وأوضحت لهم الدوافع التي أدت إلى اتخاذه، وقد تفهموا الأمر وأعربوا عن تقديرهم للجهود الأخوية الكبيرة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين تجاه لبنان وشعبه، وأكدوا حرص لبنان على المحافظة على العلاقات الأخوية مع المملكة، وأكدت وقتها الحكومة اللبنانية أنها تتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الوضع الأمني والاستقرار في لبنان لإشعار الأشقاء العرب بالاطمئنان، وخاصة المواطنين السعوديين. رعاية النازحين من سورية • ننتقل إلى الأزمة السورية وما أفرزته من تزايد أعداد النازحين إلى الدول المجاورة، حيث أكدت المملكة أن من الواجب إغاثتهم ورعايتهم وإيواءهم .. فماذا قدمت في هذا الجانب في لبنان؟ • عملا بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين قامت السفارة السعودية في بيروت بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر السعودي ومدير مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية التابعة للمملكة بإعداد خطة متكاملة لمساعدة النازحين السوريين في مناطق لبنانية مختلفة من النواحي الطبية والغذائية والسكنية، كما تم تحديد المستلزمات الطبية والتقنية لعدد من المستشفيات اللبنانية التي تقدم العناية الطبية للنازحين السوريين، حيث نسقت السفارة بشكل مستمر مع الهيئة العليا للإغاثة اللبنانية لتنفيذ خطة إيصال المساعدات إلى مستحقيها من النازحين السوريين في لبنان منذ بداية الأزمة السورية .. فإلى نهاية شهر شعبان الماضي وفرت هيئة الإغاثة المأوى اللائق لمئات العائلات السورية في مختلف المناطق اللبنانية، وقدمت لهم ولا تزال الآلاف من السلال الغذائية، كما تعاونت الهيئة مع عدد من المستشفيات اللبنانية خاصة في منطقة الشمال القريبة من الحدود السورية، إذ تم تجهيز 40 سريرا إضافيا بكامل المعدات في مستشفى طرابلس الحكومي ليقوم بتقديم كامل الخدمات الصحية لعموم النازحين السوريين من مصابين ومرضى، وإجراء العمليات الجراحية الكبرى والصغرى، باعتبار أن مستشفى طرابلس هو الوحيد في شمال لبنان الذي يستقبل الحالات الإنسانية والصحية المحتاجة للرعاية، في المقابل تم تجهيز غرفة عمليات جراحية كبرى في مستشفى الحنان الخيري، وشراء معدات طبية، واعتماد علاج حالات مرضية حرجة بالتعاون مع مستشفى الزهراء الخيري ومستشفى دار الشفاء الخيري وجميعها في مدينة طرابلس. • ولكن بعض النازحين السوريين أبدوا شكواهم من ندرة العلاج وصعوبة توفيره.. ألم تبحث السفارة والجهات المعنية ذلك؟ • في مجال توزيع الأدوية تعاونت هيئة الإغاثة الإسلامية مع كثير من المستشفيات والمستوصفات والعيادات على تقديم الخدمة العلاجية المجانية لأي نازح سوري، والهيئة تقوم بتقديم الدواء مجانا، إذ تم التعاقد مع 23 صيدلية منتشرة في كافة مناطق وأماكن النزوح، حيث من المتوقع أن يستفيد منها 2400 مريض. • وماذا عن شهر رمضان الذي زاد فيه عدد النازحين وهم في أمس الحاجة للإغاثة وتوفير وجبات الإفطار والسحور بجانب المأوى؟ • أعدت هيئة الإغاثة خطة متكاملة لشهر رمضان المبارك إلى آخر ذي الحجة، إذ تم تأمين إغاثة عاجلة لنحو 5 آلاف أسرة في سورية نازحة إلى لبنان و3 آلاف إلى الأردن، بمشروع كلف 14 مليون ريال، فضلا عن الحملات الصحية التي أجرتها في مناطق النازحين، ومتابعة أوضاعهم مجانا. الجمعيات الخيرية تتراجع • وهل راعت الخطة الإغاثية للنازحين تراجع بعض الجمعيات الخيرية عن تقديم الدعم؟ • للأسف، فإن الأعداد الهائلة للنازحين من سورية ودمشق وهم في أمس الحاجة للخدمات الإنسانية قابله تناقص الدعم الخيري من الجمعيات الأخرى، وهذا دعانا لضرورة التخطيط لإنشاء مراكز استقبال متكاملة، تستوعب 50 عائلة، حيث تستهدف المرحلة الأولى إنشاء 8 مراكز مزودة بالغذاء وكافة مستلزمات المعيشة.. وهنا أشير إلى أن الأشقاء السوريين في لبنان استقبلوا بفرح خبر حملة التبرعات التي أمر بإطلاقها خادم الحرمين الشريفين مؤخرا، فكان لها الأثر الطيب في نفوسهم، حيث عبروا عن ذلك بالدعاء لخادم الحرمين، مستذكرين وقفاته الأخوية التي لطالما وقفها إلى جانب الشعوب الإسلامية التي تتعرض للمصاعب. أهمية القمة الإسلامية • في الوقت الذي تتأهب فيه مكةالمكرمة لاستقبال القمة الإسلامية الاستثنائية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين.. بودنا أن نستطلع رأيكم حول الأهمية التي تكتسبها في هذا التوقيت؟ • لا شك أن الرؤية البعيدة والنظرة العميقة والحكيمة التي ينظر بها خادم الحرمين الشريفين إلى التطورات في المنطقة وحرصه الدائم على وحدة المسلمين هي التي حملته على إطلاق الدعوة لعقد هذا المؤتمر، وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، بتأكيداته على أن حرص خادم الحرمين الشريفين على خدمة الإسلام والمسلمين ووحدتهم خصوصا في هذا الوقت الدقيق والأخطار التي تواجه المسلمين واحتمالات التجزئة والفتنة هو ما استدعى الدعوة إلى عقد هذه القمة.. وأعتقد أن أهميتها تكمن في ما تخرج به من أثر إيجابي في تعميق وتمتين علاقات التعاون والتفاهم بين الدول الإسلامية، وكذلك بلورة علاقات حضارية وخلاقة بين الإسلام ودول العالم، فكما سعى خادم الحرمين إلى عقد حوار بين الأديان والثقافات والحضارات لإسقاط المفاهيم الخاطئة التي ترسخت في أذهان الدول الغربية حول الإسلام، ها هو يسعى عبر القمة إلى إقامة قواعد للتعاون والاحترام والتفاهم الصادق بين المسلمين لوضع الأمور في مدارها الإنقاذي الصحيح منعا لرياح الفتنة، وكل غيور على المصلحة العربية والإسلامية يأمل بدون شك النجاح للقمة.