كلّي حُزن بفقدان اثنين من أصدقائي المقربين اللذين قُتلا في حادث سير أثناء انشغالهما بالهاتف الجوّال. أحدهما وُجِد هاتفه بالمقعد الخلفي بعد اصطدام سيارته بعمود إنارة وفي شاشة الجهاز نص رسالة لم يُكمله. كان المرحوم يكتب أثناء السياقة. أما الصديق الآخر فقد كان مشغولاً بمحادثة في (البلاك بيري) وقد انقطع فجأة عمّن كان يراسلهم أثناء خروج سيارته عن الطريق وانقلابها عدّة مرات مما أدى إلى كسر في العمود الفقري ووفاته على الفور. قرأت قبل فترة قريبة عنوانا في هذه الجريدة يقول بأن الخبراء في الغرب أثبتوا بأن انشغال السائق بالهاتف النقّال أكثر خطورة من السياقة وهو مخمور. في السابق كانت سجلات المرور تُشير إلى أن سبب بعض الحوادث انشغال السائق بأشرطة المسجل والبحث عن شريط معين. وقد وقع حادث لقريب لي لهذا السبب تحديداً. كان في سفر على طريق طويل وأراد تسلية نفسه بسماع شيء من الموسيقى وأثناء بحثه في كوم الأشرطة فوجئ بأنه خرج عن مسار الطريق وأنه بات وجهاً لوجه أمام حاجز اسمنتي فانحرف بسيارته لتلافي الاصطدام به لتنقلب السيارة عدة مرات خرج منها سليماً بسبب ربطه حزام الأمان وقد تعلّم من هذا الدرس القاسي إذ أصبح يركز كل انتباهه وحواسه على الطريق. حين أوضحت الإحصاءات لدينا في جهاز المرور إبّان كنت أعمل في الثمانينيات الميلادية تزايدا في أعداد الحوادث التي سببها انشغال السائق وشرود ذهنه صممنا حملة توعية خاصة بهذا الشأن فقط بعنوان: (لا تنشغل بغير الطريق)، وأصبح الشعار بعد ذلك شائعاً إلى اليوم ولكنه ظلّ مجرد شعار دون تحرّك ملموس من قبل الضابط النظامي الذي يفترض أن يشن حملات مستدامة لفرض عقوبات على من يستخدم الهاتف الجوال أثناء قيادة المركبات. أذكر قبل عشر سنوات تقريبا أنني كنت برفقة صديق عربي يقيم في ألمانيا وكنّا على الطريق السريع خارج مدينة (دوسلدورف) حين رنّ هاتفه النقال فقام من فوره بإعطاء إشارة الخروج من الطريق. توقف في منطقة للوقوف وأجرى مكالمته ومن ثم واصلنا السير. أبديتُ له إعجابي بفعله فقال "يا صاحبي شُرطة المرور هنا لا ترحم". فهمت ولذت بالصمت. متى يحدث مثل هذا في بلادنا؟ ربما بعد أن تلتهم الحوادث أرواح كثير من البشر.