إيران لن تكفّ عن استعمال كل وسائلها في تهديد أمن دول الخليج العربي، فمن تحريض للطائفية إلى نشر الجواسيس في جميع هذه الدول، واستهدافها المملكة على رأس أولوياتها، فمن المحاولات التي بدأت عام 1979م وحتى اليوم والتي أشار لها الدكتور فايز الشهري في زاويته في هذه الصحيفة جرت أكثر من واقعة بدءاً من أحداث مكة بالحرائق والتسميم للحجاج، وغارة ثلاث طائرات استهدفت منشآت الجبيل والتي أسقطتها الطائرات السعودية، وهذا ليس خاتمة مسار العداوات التي قامت بها، بل حاولت قتل السفير السعودي في أمريكا عادل الجبير، ووصلنا إلى آخر الحلقات بالقبض على خلية الجواسيس، والتي قد يكون لها توابع جديدة.. إيران لبست ثوب الإسلام لكنها أخطر من أي عدو آخر، لأن الحقائق تُبنى على الوقائع والثبوتات، فقد حاولت المملكة تناسي المشكلات، وفتح صفحة جديدة للتضامن الإسلامي فاستضافت رؤساءها ووفوداً مختلفة لفتح نوافذ لا تطل منها المؤامرات أو التحريض الطائفي، مقابل أن يسود تعاون اقتصادي وسياسي وثقافي، لكن المشكل ليس في تسوية المسائل الخلافية حتى المذهبية، بل في عقدة فارس مع العرب، والسنة مع الشيعة والتي هي شعار لغطاء عودة الإمبراطورية الفارسية التي عجز التاريخ عن انتزاعها من الذهنية الإيرانية على مدى مئات السنين وعشرات أو مئات الأجيال.. الملالي في كل مناسبة يزفون لنا تحرير فلسطين، وهم أكبر حليف سري لإسرائيل حتى إن الخدع التي يقدمونها للسذج من العرب والمسلمين كشفها أكثر من مختص في شؤونها السياسية والتاريخية عن كيف شكّل مثلث إسرائيل، إيران أمريكا أهم صنع المؤامرات والصفقات السرية ليس زمن الشاه وحده، بل مع الخميني وخاصة في حربه مع العراق، وهذا الكلام لا نقوله من باب التسويق والاتهام فقد صدرت فيه كتب ومقالات وبيانات استخبارية غربية وأمريكية.. بيئة إيران، وكما قلنا مراراً، أكثر هشاشة من التماسك، فالتناقضات الجذرية بين المكونات الأثنية والقومية، أخطر من أن تواجهها، وخاصة تلك المعزولة أو التي تعيش المنفى داخل أراضيها، وحرمانها من مزاولة لغاتها أو تقاليدها لصالح القومية الفارسية والتي لا تشكل ثلث الشعب.. ما حدث مع المملكة يبرهن أن إيران تريد خلق الأزمات، واختيار التواقيت، ولعل تجييشها لوسائل الإعلام وخلق العملاء، وتسييل مواردها المادية في خدمة ضرب الدول العربية، سبق أن مارسته قوى غربية وأحزاب شيوعية ودينية، لكن رد الفعل كان خسارة تلك القوى، ولم يكن أمراً عادياً أن تحرم شعبها من موارده المادية لتذهب إلى الأسد وحزب الله والحوثيين والذين حاولت جعلهم قنطرة لزعزعة أمن المملكة في تهريب الأسلحة وإرسال الإرهابيين، وهي مهنة العاجز عن اعتماد مبدأ التعايش؛ لأن هذه المهمات تأتي لتصدير مشكلاتها الداخلية والتي لاتزال خط المواجهة في الأشهر والسنوات القادمة.. عقدة التاريخ لايمكن فصلها عن دولة تعيش في الماضي، ولا تنظر أن الإمبراطوريات انتهت بفعل تقادم الزمن عليها، وإيران تلبست قادتها حالة الزهو والغرور بالتاريخ بينما دولة مثل بريطانيا شكّلت أكبر إمبراطورية في التاريخ، حصرت نفسها في جزرها فقط دون التفات للماضي، ولعلها مشكل العالم القديم الذي لا زال يتنفس ويعيش، وإيران إحدى تلك الدول العليلة..