عامل يسرح ويمرح سائباً في أقصى الجنوب.. والكفيل في أقصى الشمال لا يعلم عنه شيئاً ينتظر الأتاوة الشهرية المتفق عليها -200 أو 300- مقابل إضفاء صفة الشرعية عليه وتمكينه من العمل لحسابه الخاص.. هذه للأسف الشديد قاعدة متبعة لدى كثير من العمالة اليوم في المملكة، حوّلت الأسواق التجارية إلى فوضى عارمة، وسيطرت على الباطن في معظم الأنشطة التجارية والحرفية الصغيرة بتواطؤ من قبل بعض المواطنين -مع الأسف- طمعاً في حفنة ريالات، وندفع الثمن ملايين فلكية تحوّل سنوياً من المملكة إلى بلدان أخرى ربما تعادل ميزانياتها إن لم تفقها، في ظل أنها أضعاف ما يفترض أن يكون مجمل الرواتب والمبالغ التي تتقاضاها تلك العمالة وفقاً لعقود الاستقدام؛ بمساهمة من آلية تحويل العملات المطبقة لدينا، والتي تحصرها كثيراً من الدول بحدود الرواتب المحددة للعامل فقط. بداية اللعبة يبدأ سيناريو اللعبة عندما يتقدم الكفيل السعودي ل»التجارة» أو «البلدية» للحصول على سجل تجاري أو رخصة محل أو منشأة صغيرة، ويوفّر جميع الشروط المطلوبة بما في ذلك توفير محل يكون مقراً للنشاط ترفع فوقه لوحة بمقاسات معينة، وينتهي دور هذا المحل في الغالب بمجرد خروج مراقب «البلدية» أو «التجارة» للتأكد من وجود المحل، ليبقى بعد ذلك مغلقاً إلى حين انتهاء صلاحية الرخصة والحاجة إلى تجديدها مرة أخرى بعد سنتين أو ثلاث سنوات، والنتيجة هذا الكم من المحال التي تنتظم في شوارع الأحياء القديمة والقرى النائية تزين بلوحات تحمل بعضها بيانات أصحابها وقد انتهى دورها كما سلف بمجرد الحصول على الترخيص. مزاد تأشيرات في هذه الأثناء يكون صاحب النشاط السعودي أو حتى المستثمر الأجنبي قد وفّر ما يخول له الحصول على عدد من التأشيرات يكون قد باعها مسبقاً وعرف من سيستقدم عليها، أو عرضها في مزاد السوق السوداء لأعلى سعر للرأس الواحد، وبالتالي سيتهافت عليه المشترون وسماسرة التأشيرات، وأغلبهم من العمالة نفسها الذين يزخر بهم السوق ويستطيعون بقدرة قادر على توفير المبالغ المطلوبة مهما كانت خلال ساعات محدودة، وكأن هذا السمسار أو العامل الأجنبي -الذي استطاع توفير هذه المبالغ الكبيرة وبهذه السرعة- يُدار من قبل مؤسسات مُنظمة!. عمالة سائبة بسبب تجار أطلقوا سراح مكفوليهم والوعد حساب آخر الشهر تأشيرات مطلوبة ويعد أغلب المتاجرين والمشترين لتأشيرات العمالة هم أصحاب محلات «الدكاكين» الصغيرة والمنشآت المحدودة، ومن ذلك نشاط المقاولات المعمارية وما يندرج تحتها من مهن، وهناك سعر لكل مهنة يختلف عن المهنة الأخرى بحسب دخلها، وعلى سبيل المثال الوافد الذي سيشتري منك تأشيرة سائق نقل عام، وبالتالي حسب العُرف سيلزمك أن تشتري له سيارة نقل، أو معدة ثقيلة باسمك وعلى مسؤوليتك، يختلف عن السباك أو الحلاق كما يختلف سعر تأشيرة دولة عن أخرى بحسب قدرة المشتري ومدى توفر الفرص، وربما قد تشكلت في دول الخليج عموماً مؤسسات خفية تديرها تلك العمالة وتتوفر لديها أموال كبيرة تسعى بواسطتها إلى تمويل مشروعات وأنشطة لأبناء جلدتهم، يجب أن لا يغفل لهم جانب أياً كان الثمن. 40 ألف تأشيرة ويتراوح سعر بيع التأشيرة ما بين (15) إلى (40) ألف ريال، وتحدد في السوق تقريباً سعر تأشيرة كل دولة وكل مهنة بحدود ذلك، وبعملية حسابية بسيطة فإن حصول الكفيل مثلا على (15 تأشيرة) من بعض تلك الدول يعني بيعها جملة بمبلغ يفوق نصف مليون ريال، وهو مبلغ مغر جداً، هذا غير الاتاوات الشهرية التي يشترطها الكفيل وتتراوح بين (200) إلى (300) ريال شهرياً، وربما أكثر، يتحتّم على العامل أن يسددها بين كل فترة وأخرى، وإن تأخر أكثر من المدة المحددة فإن الموعد الذي لا مفر منه هو وقت انتهاء تاريخ الإقامة أو رخصة المحل أو استمارة السيارة إن كان سائقاً لشاحنة أو معدة ثقيلة حينما يضطر العامل إلى طرق باب الكفيل مرة أخرى من أجل ذلك، ويضطر إلى تسديد كل المبالغ المتأخرة مكره أخاك لا بطل، حينها ربما يطلب منه أيضاً التوقيع على مسير الرواتب الوهمي للأشهر الفائتة، وعدد من الأشهر المقبلة؛ حتى يأمن غدر مكفوله. تكتل ضد المواطن ومع مرور الوقت وتضخم أرصدة بعض العمالة المتجذرة في المملكة، وغياب الأنظمة -الصارمة- والمتابعة المستمرة استطاعت هذه العمالة تشكيل تكتلات قوية ومنظمة للسيطرة على كثير من الأنشطة التجارية، ومضايقة صاحب النشاط المواطنين، حتى إن بعض المواطنين عملوا، وآخرون سعوا إلى العمل بطريقة نظامية تعرضوا لخسائر متعمدة من بعض هذه العمالة التي جلبوها للعمل بطريقة نظامية أيضاً، وذلك من أجل إرغام الكفيل المواطن على التخلي عن نشاطه وتأجيره أو بيعه عليهم، ومن هؤلاء تجار المواسم من بعض الجنسيات الذين سيطروا من الباطن، إضافة إلى تجارة الخضروات والتمور، ويشترون ثمر أو محصول السنة كاملا لكثير من المزارع بملايين الريالات لا يعلم من أين وكيف يأتون بها، وفي حال رفض المزارع السعودي البيع بالسعر الذي يحددونه يعمدون إلى رفع أجور جني وفرز التمور بنسبة كبيرة، حتى لا يبقى للمزارع مكاسب سوى الفتات، ويستحوذون على النسبة الأكبر من الأرباح بهذه الطريقة. وقد ثبتت قدرة هذه العمالة على فرض إرادتها وتحكمها بالسوق بعد قرار ال»2400» ريال التي فُرضت كرسوم سنوية تُدفع مع استخراج وتجديد إقامات العمال لصالح صندوق الموارد البشرية، وذلك عندما استطاعت هذه العمالة قلب الموازين، وبادرت فوراً برفع أسعار المواد الاستهلاكية وأجور العمل، بل إنها وجدت هذا القرار فرصةً لتحقيق مكاسب أخرى تتعدى مبلغ هذه الرسوم. تكتل العمالة بين بعضهم في مشروعات تجارية أضر بفرص كثير من المواطنين تنقل العمالة ومن أهم الأسباب التي ساهمت في نشر هذه الظاهرة، هي حرية تنقل العامل بين مدن ومناطق المملكة وتشتت المسؤوليات وقلّة المتابعة من الجهات المسؤولة؛ مما أسهم في تعزيز هذه الفوضى وسهّل طريق هرب العمالة من أصحاب الأعمال الجادين فصار العامل عندما لا يروق له العمل أو لا يقتنع بالمرتب المُعطى له يستطيع الهرب بسهولة والتنقل بحرية والعمل لحسابه الخاص لسنوات طويلة مع قدرته على تحويل المبالغ التي يحصل عليها إلى بلده بعدة طرق، وعندما تمتلئ جيوبه ويرغب في العودة إلى بلده يبادر بتسليم نفسه إلى أقرب مركز جوازات حتى يتم ترحيله كمتخلف، وهو يعلم أنه بمنأى عن أي عقوبة أو مساءلة.. من هنا جاءت مطالب كثير من المواطنين بضرورة الإعلان قبل ترحيل أي متخلف بواسطة الصحف الرسمية وعلى نفقته الخاصة متضمناً اسمه وجنسيته وصورته، ومن المفارقات العجيبة أن هناك عمالة كانت تعمل لدينا ثم فضلت العودة والعمل في بعض دول الخليج بمرتبات جيدة تصل إلى (2000) ريال، لكن بفضل قوانين العمل الصارمة والجادة حصرتهم بمجال العمل الذي استقدموا بشأنه جعلتهم يفضلون إلغاء عقودهم والعودة للمملكة مرة أخرى. «سعودي قلب طيب»! طيبة معظم السعوديين عزّزت من مطامع هذه العمالة بمصالحنا ومحاولة مراوغة الأنظمة والقوانين، وكذلك التحكم بالأجور والسلع بعدما ترسخت فكرة أنهم يُعاملون بشيء من الرحمة والرأفة حتى عند ما تنفذ حملة تفتيش أو يصدر قرار جديد ينظم أعمال السوق كما حصل في سعودة سوق الخضار، فهم غالباً ما يبتعدون عن وجوه اللجان بعض الوقت في انتظار أن تهدأ الأمور ويرجع الأمر إلى ما كان عليه، ومطيتهم المقولة المعروفة لدى كثير منهم «سعودي قلب طيب»..!، ويتناقل مواطنون حكاية مواقف متشابهه تكررت في أكثر من مدينة وقرية إبان تطبيق قرار سعودة سوق الخضار، وحصلت مثلها في محافظة الأسياح التي لم تعرف تطبيق هذا القرار حتى يومنا هذا، حيث حصل أن لجأ هؤلاء العمال الذين يملكون محلات الخضار بالفعل أن سارعوا بتوظيف بعض السعوديين بمبالغ زهيدة حتى يقف معهم خلال فترة ساعات الدوام واحتمال مداهمات لجان المراقبة، وبعض هؤلاء العمال استعجل ببيع محله بسعر زهيد، لكن الكثير من العمال الآخرين الذين يؤمنون بطيبة السعوديين تريثوا بعض الوقت إلى أن هدأت الأمور، ونسينا هذا القرار بعد أشهر قليلة ثم عادوا إلى ممارسة نشاطهم كما كانوا قبل القرار في بعض الأسواق. بطالة العمالة تسبب خطراً مستمراًعلى المجتمع سيدفع ثمنها اجتماعياً وافتصادياً