"العمالة السائبة".. قضية أقلقت المجتمع من عدة جوانب، يأتي في مقدمتها الجانب الأمني، ثم السلوكي والأخلاقي، إضافةً إلى الجانب الاقتصادي عبر تحويل المليارات نهاية كل شهر.. ومع أننا ندرك أن الجهات الأمنية بمختلف قطاعاتها تشترك مع جهات أخرى في معالجة ما يطرأ من خلل أمني أو سلوكي لهذه العمالة، سواء كانت منضبطة في مواقع عملها، أو سائبة، إلاّ أن الوضع يتطلب وجود جهة أمنية محددة وملزمة باقتفاء أثرها، مع استقبال بلاغات الهروب والتعامل معها كما يجب، وكذلك تحديد نظام عقوبات للمقبوض عليهم، بما لا تنعكس تبعاته على المواطن في حال التبليغ؛ لكي يكون لدينا في النهاية إجابة واضحة وبشكل عملي وفعلي لمعرفة على من تقع مسؤولية ضبط العمالة، والآليات التي تكفل رقابة حركتها وتنقلاتها، إضافةً إلى منع تسربها من أماكن عملها إلى أماكن أخرى من المملكة. وهذا الأمر بكل تأكيد، إلى جانب أنه حق سيادي، فإنه واجب وحق لازم من حقوق الجهات الأمنية، لوقف هذا التسيّب وسلبياته، إضافةً إلى حماية الجهات المستقدمة لهذه العمالة، وعدم الإخلال بأعمالها، وكذلك تأكيد القبضة الأمنية لحماية الوطن والمجتمع والمكتسبات الوطنية من أي خلل أو عبث أمني وسلوكي. نحتاج إلى «عقوبة» لا تلين وإغلاق المؤسسات الوهمية وملاحقة المتورطين في تجارة التأشيرات وتطوير آلية التبليغ سائبة وهاربة! في البداية قال "د. العبيشي" إن هناك فرقا بين العمالة السائبة والهاربة، فالسائبة فيها غطاء قانوني من مواطن أعطاها الضوء الأخضر، بل وأعطاها المجال لممارسة العمل والتحرك، مضيفاً أن المشكلة الحقيقية أنه لا يتوفر لدينا معلومات دقيقة عن حجم العمالة السائبة والهاربة، وكذلك التفاصيل المتعلقة بهما، مبيناً أن الحل هو "أمني"، لكن ليس شرطاً أن تؤديه الدولة من خلال الجوازات، بل من الممكن أن تتبناه شركات القطاع الخاص أو صندوق الموارد البشرية، بل ومن الممكن أن يتولوا المتابعة وعملية الهروب، مشيراً إلى أن مسألة التأمين قبل أن يأتي العامل من بلده سيكون لها دور في ضبط العملية؛ لأن جهة التأمين سوف يكون لديها معلومات مؤكدة، منها محل إقامة العامل وأسرته، وهي التي سوف تتولى تعويض خسارة المستقدم في حالة تخلف العامل أو هروبه وما إلى ذلك، موضحاً أن هناك قصوراً أمنياً، لكن ليس شرطا أن يكون من قبل أجهزة الجوازات أو أجهزة الدولة، أيضاً هناك قصور في موضوع الأنظمة والمتابعة مع العمالة والإجراءات، فكثيراً من الإجراءات تتم عن طريق وزارة العمل، بل وتتم من دون حضور شخصي للكفيل أو وكيله الشرعي، وهناك حالات كثيرة تُأخذ الإقامة من دون معرفة الكفيل. د. العبيشي: «التأمين» على العامل قبل وصوله يضبط المخالفين شركات أمنية وعن موضوع الشركات الأمنية أكد "د. العبيشي" أنه من الممكن الاستعانة بشركات أمنية مقابل مبلغ مادي للبحث عن العامل الهارب وتسفيره، وكذلك صندوق الموارد البشرية لديه مليارات من الريالات لماذا لا يخصص جزء منها لدعم هذا الجانب؟، ذاكراً أن حجم العمالة "الرجال" الأجانب في المملكة يفوق عدد الرجال المواطنين القادرين على العمل، حيث تبلغ نسبتهم (19%)، ونسبة الذكور من المواطنين (36%)، ولو أخذنا منها (16%) أعمارهم أقل من (16) عاماً يتبقى (20%)، ولو أخذنا العجزة وكبار السن من المواطنين والمسجونين فستنخفض نسبة الرجال من المواطنين إلى ما هو أقل من (19%)، وهذه أرقام معروفة ومعلنة، وهذا يشكل خطورة أمنية كبيرة، متمنياً فتح المجال لشركات القطاع الخاص الأمنية، حيث هناك دوافع ربحية لهم من خلال تطبيق الإجراءات على الهاربين وتسفيرهم، إلى جانب أن يكون لصندوق الموارد البشرية وما لديه من مليارات من الريالات دور مهم في هذه القضية. د. النافع: بعضهم يأتي على كفالة سيدة لا تعرف القراءة والكتابة! أوراق وتصاريح واقترح "د. النافع" أن يتم إنشاء قطاع أمني خاص تابع لوزارة الداخلية معني بشكل رئيسي بقضايا ومشاكل العمالة الوافدة ومتابعتها، ويكون بناء الهيكل الوظيفي لهذا الجهاز من خلال استثمار جزء من ال (60) ألف وظيفة أمنية التي أمر خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بإحداثها في وزارة الداخلية. وأوضح " د. العبيشي" أنه كان هناك انتقادات عالمية حول موضوع تنقل العمالة من خلال الأوراق والتصاريح، أما الآن فلا يحتاج العامل لأي ورقة تنقّل، وقد أصبحت الأنظمة مرنة، وهناك حرية في الذهاب لأي مكان، ولكن متى ما تجاوزت فترة الغياب عن الفترة الممنوحة فإنه يُعد في هذه الحالة هارب، وهذا له وضع آخر ويتطلب إجراءات أخرى، مبيناً أن هذه الحالة لا تُعد قضية أمنية، بل تُعد اختلافا مع صاحب العمل، وأن العامل يبحث عن عمل آخر وكأن ذلك من حقه، مشيراً إلى أنه نُظر في هذه المشكلة سابقاً، وأنه يجب معرفة الشروط بين الطرفين، وكيف تمت؟، وهل هي مجحفة؟، خصوصاً إذا جاءت شركة أو مؤسسة واستقدمت عمالة بعقود لا تتجاوز رواتبهم فيها (400) ريال، ذاكراً أن بعض العمالة يذهب ويبحث عن فرصة أفضل، وبالتالي تكون لدينا مشكلة، وهي عدم تحديد الأجور المقبولة التي من الممكن أن تحد من عمليات الهروب من الكفيل أو ارتكاب جرائم أخرى. عامل يحول ضعف راتبه ولا أحد يسأله: من أين لك هذا؟ تأخر الرواتب وأكد "د. العبيشي" على أن هناك بعض الشركات أو بعض الجهات لا تصرف رواتب العمال لمدة قد تصل إلى ستة أشهر أو أقل أو أكثر، وهذه التصرفات قد تكون من الأمور التي تدفع إلى الهروب، مبيناً أن ذلك أقل خطورة من ذلك العامل الذي يلجأ إلى حرق المحل أو فعل أعمال تخريبية تضر بصاحب العمل، وبالتالي ليس شرطاً أن يكون الهارب هو من ارتكب الخطأ، بل قد يكون أحياناً هذا العامل مدفوع إلى ارتكاب هذا الخطأ، مشيراً إلى أن البيئة التي يعيش فيها العامل لدى صاحب العمل قد لا تكون سليمة، لذلك أقول أنه لا توجد دراسات وإحصائيات وأرقام دقيقة لكي نفهم من خلالها السبب، وبدرجة كم يقع على من وما إلى ذلك، ذاكراً أن المشكلة ليست محددة بدقة من حيث الأرقام والدوافع، فليس لدينا أرقام عن نسبة الهروب وعن نسبة العمالة السائبة، لكنها موجودة بالفعل، ونحن متأكدين منها، لكن كم درجة نسبتها؟، هذه كلها معلومات ناقصة، ولا يوجد لدينا معلومات متكاملة عن سوق العمل السعودي على الإطلاق. نحتاج إلى إنشاء قطاع أمني معني ب «مشاكل العمالة» مصلحة عامة وقال "د. النافع": درسنا في الجامعة "القانون التجاري"، وتحدثنا عن العمالة وعن متطلبات انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، التي أدت إلى تغيير كثير، منها أنظمة الشركات وأنظمة العمل والعمال، ونظام الاستثمار الأجنبي، لكن هناك شيء في مفردات التنمية الشاملة يسمى تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، موضحاً أنه لابد أن ننظر إلى أسباب حالات الهروب وحالات التسيب وهل هناك التزام؟، ذاكراً أن جانب الهروب أو التسيب ناتج عن ضعف في تطبيق الأنظمة في المملكة من جانب الطرفين، سواء صاحب العمل أو العامل، أيضاً هناك إخلال في الجانب الشرعي، باعتبار أن من لا يطبق الأنظمة يعتبر مخالفا لولي الأمر، فقبل أن نأتي إلى قضية هل الجهات الأمنية مقصرة أو باذلة مجهود؟، يجب أن نتعرف إلى الأسباب التي أدت إلى الهروب أو إلى التسيب، مشدداً على أهمية أن تدرك الجهات المعنية أن هذه المشاكل كانت بدايتها قبل وصول العامل إلى المملكة، ومن ذلك على سبيل المثال أن هناك أعدادا كبيرة من العمالة تأتي على كفالة سيدة لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ويتم تسريحهم وهذه فيها خطورة أمنية ومخالفات شرعية وقانونية ومخالفة لولي الأمر. الصالحي: يجب الإفادة من تجربة مؤسسات وشركات الحج حلقة مفقودة وأوضح "الصالحي" أنه فيما يتعلق بالقصور يجب علينا أن نتعرف إلى الإجراءات الحالية الموجودة بالنسبة للعامل الهارب، حيث إنه إذا هرب يجب على صاحب العمل أن يبلغ مكتب العمل بعد يومين من هروبه، ليحال بعد ذلك التبليغ إلى إدارة الجوازات لإيقاف العامل في الحاسب الآلي، مضيفاً أن إجراءات التبليغ عن الهروب في السابق أي قبل أربع سنوات كانت تتم عن طريق الجوازات، وكان هناك أماكن لحجز الهاربين، أما الآن فقد تم وضع آلية بين وزارة العمل والجوازات، بحيث يكون التبليغ عن الهروب ومتابعة الهاربين عن طريق مكاتب وزارة العمل، لكن اتضح بعد التطبيق أن وزارة العمل ليس لديها إمكانات لمتابعتهم، وبذلك أصبح دورها فقط يتلخص في استقبال بلاغات الهروب فقط، والنظر في حقوق العامل، مؤكداً أنه لا تتم أي متابعة خارج مكاتب الوزارة، كما أن الجوازات تخلت؛ بسبب أن موضوع الهروب من اختصاص وزارة العمل، وبالتالي أصبح هناك حلقة مفقودة بين الجوازات ووزارة العمل، وما زالت هذه الحلقة مفقودة، بل ولازالت كل جهة تتهرب عن متابعة العامل الهارب في الميدان، لافتاً إلى أنه بالنسبة لوزارة الداخلية فقد خطت خطوة جيدة بخصوص البصمة، حيث أنها حدت كثيراً من عمليات هروب العمال وهذا شيء جيد. السيف: مشاكل الهروب تتزايد من دون تعاون بين أفراد المجتمع شركات استقدام وتوقع "خالد السيف" أن ما سيحد من الهروب وتكاثر العمالة وحريتهم، هو وجود "شركات الاستقدام" والمزمع إقامتها، وذلك لعدة أسباب منها أن عددها سوف يكون محصورا، كما أنها سوف تعمل برأس مال ينتظر الربحية والسمعة الطيبة، ولكن هذا يحتاج إلى بضع سنوات حتى يتقلص عدد الكفلاء المتفرقين والمؤسسات غير المنضبطة. وأضاف "الصالحي" أنه بالنسبة إلى "شركات الاستقدام" فإنه يمكن أن يوضع لها ضوابط بالنسبة لهروب العمال، وكذلك غرامات تتحملها الشركة في حال هروب العامل، طالما أن الشركات سوف يكون عددها محدودا، لذلك من السهل وضع الضوابط، موضحاً أنه في ظل وجود الكفلاء الحاليين قد تكون هناك مشكلة، لكن لو تم وضع ضوابط وتمت عملية الاستقدام بشكل متدرج، بحيث تبدأ في استقدام الخدم والسائقين ثم استقدام المزارعين، ثم مرحلة ثالثة باستقدام عمّال المصانع والمقاولات والمستشفيات، بحيث تكون البداية بالأعمال الصغيرة حتى تكبر الشركات، لربما ساهم ذلك في نجاح الخطوة، مؤكداً أن المملكة كانت تعاني تخلف القادمين للحج والعمرة، لكن مع وجود المؤسسات والشركات أمكن القضاء على حالات التخلف، وفقاً للضوابط والآليات المعروفة، سواء من حيث السكن والتنقل والمغادرة، بل وأي مؤسسة يكون لديها تكرار في حالات التخلف يتم تغريمها وإيقافها وتخرج من السوق. عمّال يفترشون الطريق بحثاً عن أي فرصة عمل عدم تعاون وحول تعاون الجهات الحكومية في مجال متابعة العمالة الهاربة قال "الصالحي": نلاحظ أن هناك جهات حكومية ليس لها دور في هذا لمجال، رغم أنه يوجد عمال هاربون من كفلائهم يعملون في المشروعات الإنشائية الحكومية التابعة لتلك القطاعات، مثل مشروعات البلديات، ومشروعات التربية والتعليم، إضافةً إلى مشروعات وزارة الصحة، لذلك لا نجد أي تعاون من تلك الجهات للتنسيق أو تنظيم عمليات التبليغ عن العمالة الهاربة الموجودة في تلك المشروعات. وأوضح "السيف" أنه يقال أن تطبيق "نظام البصمة" سيسهم في حل مشكلة هروب العمالة، لكن الواقع يقول إنها لم تحُل المشكلة، حيث هناك عمال تم أخذ بصماتهم، ومع ذلك هربوا من أماكن عملهم، ومنهم من ارتكب جرائم السرقة وفي الأخير وجدناهم في بلدانهم، مقترحاً وضع رقابة على تحويلات العمالة، وأن لا تكون بالآلية الحالية، بل يجب أن يكون للجهات الأمنية والبحثية دور في تسليط الضوء على ما يدعو إلى الشبهة، من حيث حجم المبالغ، عطفاً على الدخل المتوقع للعامل وفق مهنته ومجال عملة لدى كفيلة. .. وآخرون يبيعون الخضار بطريقة مخالفة غير مدروس وذكر "الصالحي" أنه في عام 1427ه صدر قرار أن يكون البائعين مواطنين، وبعد مرور عام من هذا القرار ظهرت إحصائية من وزارة الشؤون البلدية والقروية تشير إلى أن رخص محلات البيع بلغت أكثر من (800) ألف رخصة، وكل رخصة بطبيعة الحال تحتاج إلى بائع، وعلى اعتبار أن وزارة العمل أوقفت مهنة بائع للأجنبي، فإن جميع مزاولي هذه المهنة من الأجانب يعدون حالياً مخالفين، مبيناً أن هناك (800) ألف فرصة عمل للمواطن بمهنة بائع، متسائلاً: من أين يأتي صاحب العمل بهذا المواطن؟، أعتقد أنه من شبه المستحيل أن يطبق هذا القرار، الذي اتخذ من أشخاص داخل الوزارة من دون أخذ رأي أصحاب العمل، أو رأي الغرف التجارية، إضافةً إلى ذلك هناك قرار مماثل أعتقد أنه من المستحيل تطبيقه على أرض الواقع، وهو سعودة سائقي "سيارات الليموزين"، حيث لدينا حالياً أكثر من (300) ألف سائق سيارة، يفترض أن يكونوا مواطنين وفق القرار، وهذا العدد ليس من ضمنه سائقو مركبات النقل الثقيل والمعدات والسائقون الخاصون. عاملان يستوقفان قائد سيارة لعرض سيديات ممنوعة نقاط التفتيش وطرح "السيف" مقترح للقبض على العمالة الهاربة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، قائلاً: نجد على الطرق في نقاط التفتيش رجال الأمن لديهم أجهزة حاسب من خلالها يتم إدخال المعلومات الشخصية لأي شخص، وبالتالي يتم التعرف عن ما إذا كان عليه أي بلاغات هروب أو مخالفات للإقامة، بمعنى أنه مطلوب أو غير مطلوب، مطالباً عند التبليغ أن يتم تسجيل اسم العامل ورقم إقامته وجوازه، حتى يسهل القبض عليه عند مروره عبر النقاط، وعند القبض عليه يتم تسليمه إلى الجهة المعنية بهروب العمالة، أو الجهة التي بلّغت عنه. واقترح "الصالحي" منح العاملين الهاربين بعد التبليغ عنهم فرصة العودة إلى كفلائهم ومواصلة العمل، حيث إن من يتم القبض عليه أو يعود إلى كفيله يتم تسفيره إلى بلده، وهذا يلغي أي أمل في العودة إلى الكفيل نتيجة أي ظرف، بينما كان الوضع في السابق يمنح العائد فرصة البقاء مع كفيله بعد دفع رسوم مقدارها (2000) ريال، مشيراً إلى أن منح الفرصة للهاربين من كفلائم بالعودة إليهم مرة أخرى من دون تسفيرهم، سوف يقلل من بقاء العامل بشكل غير نظامي في البلد. عامل يغسل مركبة لأجل تجميع المبلغ الشهري للكفيل تدخل سلبي وقال "الصالحي": إن بعض السفارات تتدخل للمطالبة في حقوق العمالة التي تنتمي لبلدها إذا لاحظت أن للعامل حقوقا، أما في موضوع السلبيات فإنها لا تتدخل أو تساعد على الحد منها، وهذا ما يشير إلى عدم وجود تعاون من تلك السفارات. وأكد "السيف" أن هناك سفارات تسهل سفر العامل أو العاملة من المملكة من دون الرجوع إلى الكفيل أو الجهات الرسمية، ثم يفاجأ الكفيل باتصال العامل من بلده، وهذا أمر حاصل ومعروف، مضيفاً أن حالات هروب العمالة ليست دائماً نتيجة عدم حصول العامل على راتبه أو شيء من هذا القبيل؛ لأنه وشهادة حق فإن مكاتب العمل تشدد وتنصف العامل بكل قوة، حيث يقفون معه حتى يأخذ حقه كاملا، لذلك فإن أغلب حالات الهروب سببها أن العامل يجد راتبا أكثر لدى بعض الشركات الكبيرة، التي تستقبله، أو الحصول على عوائد أكبر من خلال العمل الحر. نظام الكفيل وقال "د. العبيشي": إن هذه السلبيات موجودة لكن لابد أن نرجع إلى "نظام الكفيل" وهو عبارة عن مصطلح، إنما الاسم الرسمي هو "نظام الإقامة"، مضيفاً أن نظام الكفيل بدأ قديماً من يوم أن بدأ الاستقدام، وقد كان الهدف منه كما يبدو في الدرجة الأولى أمنياً، حيث كانت الدولة بحاجة إلى عمالة كثيرة جداًّ، والإمكانات الأمنية كانت بسيطة، فكان المقترح أن يكون هناك شخص مسؤول عن العمالة يراقبهم ويراقب عاداتهم وتقاليدهم، إضافةً إلى دخولهم في المجتمع، بحيث يكون حلقة الوصل، بل ومساعد للجهات الأمنية، مبيناً أنه مع مرور الوقت وزيادة العمالة أصبح الكفيل عبئا أمنيا، حيث أصبح يختار العمالة التي تدفع أكثر أو يبيع التأشيرات، بل ويهمل العمالة لتتحول إلى سائبة، وبذلك أصبح نقطة سلبية أو فجوة في الجانب الأمني، مشيراً إلى أنهم وجدوا في بعض الدول مكاتب لديها تسعيرات لتلك التأشيرات، وهناك أسعار للجنسية وأسعار للمهنة، بل ويتحدثون من دون حرج عن هذا الشيء، وكأنه أمر نظامي وقانوني!. نشغّل المخالفين ونلوم أنفسنا.. «كم نحن متناقضون»! قال "خالد السيف": إن هناك قصوراً إجرائياً من المواطنين؛ لأن العامل الهارب لو لم يجد من يستقبله ويشغّله لما أقدم على الهروب، هذا أولاً، وثانياً هناك قصور إجرائي من الجهات المعنية، حيث إن صاحب العمل إذا هرب أحد عمّاله وشاهده في الشارع وطلب من رجل الجوازات أو الدوريات الأمنية القبض عليه، فإن بعض رجال الأمن لا يتعاون معه، خاصة إذا كان العامل لديه إقامة نظامية وسارية المفعول، بل ويطلب من الكفيل أخذ العامل والتوجه به إلى مكتب العمل، موضحاً أنه يعلم حدود وإمكانات مكاتب العمل، التي لا تستطيع مباشرة مثل هذه المهام؛ لوجود نقص كبير في المفتشين، رغم أن هناك نية لدعم المكاتب بهم، إلاّ أن هذا العدد الذي أعلن عنه لا يساوي (10%) من الاحتياج الفعلي، مشدداً على أن موضوع متابعة هروب العمالة ينبغي أن لا يكون تابعاً لمكاتب العمل، بل يكون ضمن مسؤولية جهات أمنية متخصصة. وأوضح أن هذا التقصير في متابعة العمالة الهاربة والمتستر عليها أدى إلى أن تمارس جميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وكذلك التحرك بسهولة، ما أدى إلى سيطرة واضحة منها على العديد من الأنشطة التجارية وأنشطة قطاع الخدمات، ذاكراً أنها وصلت إلى أماكن الإيواء، مثل الشقق المفروشة والفنادق والمقاهي والاستراحات، بل وأصبح هذا القطاع بيد العمالة، ولنا أن نتخيل خطورة هذا الوضع إذا علمنا أن أغلبها غير نظامية، متأسفاً على أن القاصي والداني يرى أن من يتقاول ويأخذ ويعطي هو العامل، وبالتالي الوضع يحتاج إلى تعاون وتكاتف من وزارة العمل ومن الجهات الأمنية ومن وزارة التجارة؛ لأن هذه الجهات لو عملت بقوة وبتنسيق لأمكن تحقيق نتائج إيجابية. من يعوّض المواطن عن العامل الهارب؟ أكد "السيف" على أن بلاغات الهروب ليست كافية، حيث يذهب الكفيل لتسجيل البلاغ، ويمكن أن يُستدعى في حال القبض على الهارب بالمصادفة، أو إذا رغب العامل بالسفر، حيث يعرض نفسه للقبض، وبالتالي يُسفر إلى بلاده على حساب الكفيل، وفي بعض الأحيان على حساب الدولة، وهو بهذه الحالة كأنما تتم مكافأته مع إعطائه هدية، في الوقت الذي استطاع أن يستغل فترة هروبه في العمل والبيع والشراء وجمع المبالغ المالية. ورأى "الصالحي" أن بلاغات الهروب هي تخلّي الكفيل عن مسؤولية العامل فقط، وبالتالي يكون العامل مطلوبا للدولة، ولا يتحمل المبلّغ أي مسؤولية عنه في حال القبض عليه مثل أجور لاحقة. وأوضح "د. النافع" أن المثل يقول: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، فلو أن الدولة طبقت عقوبة على العامل الهارب في حال القبض عليه، بأن يدفع تعويضا للكفيل عن كل المدة التي كان هارباً خلالها، لأمكن القضاء على قدر كبير من حالات الهروب، وذلك لتحقيق المزيد من الانضباطية والالتزام، وكذلك فرض غرامة نتيجة البقاء في البلاد بشكل غير نظامي. عقوبة «الهارب».. وإيوائه - يعاقب العامل بإيقافه حتى إنهاء إجراءات ترحيله إلى بلده. - يُرحل العامل على حساب من آواه أو شغله، وإذا ضبط يعمل لحسابه الخاص يرحل على حسابه. - لا يلزم صاحب العمل بترحيله إذا مر على بلاغ الهروب أكثر من ثلاثة أشهر، ويرحل على حساب الدولة بإذن كتابي من مدير عام الجوازات إذا لم يكن معه قيمة تذكرة العودة. - يعاقب الوافد المخالف بغرامة مالية مقدارها (2000) ريال، أو بالسجن لمدة أسبوعين مع إنهاء إقامته. - يعاقب المواطن المخالف بغرامة مقدارها (2000) ريال أو بالسجن لمدة أسبوعين، وإذا تكررت منه المخالفة يعاقب بغرامة مقدارها (3000) ريال، أو بالسجن لمدة (6) أسابيع. - تستكمل إجراءات العامل الهارب ويرحل على حساب من آواه إذا لم يكن معه قيمة تذكرة العودة. متابعة «الجوازات» وشركات «الاستقدام» و«الإعارة» حلول لمشكلة الهروب! اقترح "الصالحي" ثلاث خطوات تحد من عمليات هروب العمالة، ومن ذلك إعادة متابعة العمالة لإدارة الجوازات، أو إيجاد جهة مختصة لمتابعتها، مع اتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم، وثانياً تفعيل فكرة شركات الاستقدام، حيث ستتيح للعامل حرية التنقل من مكان عمل إلى مكان عمل آخر، طالما أن الكفيل واحد، مبيناً أن الشركات سوف يكون لها دور في متابعة هذه العمالة كما حصل في شركات العمرة والحد من عمليات التخلف، مشدداً على أنه لابد لوزارة العمل إعادة فتح نظام الإعارة، بحيث يتم منح مزيد من حرية التنقل للعمال وفق ضوابط نظامية يتم إقرارها، ما يسمح بالمزيد من الحركة النظامية للعمالة بين قطاعات العمل الأهلي والحد من عمليات الهروب. وأضاف أن من أسباب هروب العامل هو تدني الأجور وزيادة ساعات العمل، وكذلك نقص العمالة في بعض المشروعات الكبيرة، خاصة الحكومية، كما أن كثيرا من الشركات الكبيرة والمشروعات الحكومية تٌقلص من عدد العمال المطلوب، وهناك عقود حكومية فيها تأييد حكومي لعدد معين من العمالة، وقد يكون هذا التأييد درس من عدد من المهندسين والمختصين، وعندما تأتي هذه الاحتياجات من العمالة إلى وزارة العمل - الاستقدام - تدرسها موظفون أغلبهم ليس لديه خلفية عن الإنشاءات وعن متطلبات المشروعات، وبالتالي يتم إنقاص أكثر من نصف العمالة المطلوب استقدامها من دون أي مبرر، إضافةً إلى أن هناك تأخيرا في الموافقة على منح التأشيرات، علماً أنه سبق أن رفع تقرير من وزارة التخطيط صدر بناءً عليه قرار من مجلس الوزراء بالتعجيل في إصدار التأشيرات الخاصة بالمشروعات الحكومية وألا تتجاوز أسبوعا، مشيراً إلى أنه في الفترة الحالية قد تتجاوز دراسة طلب الاستقدام ستة أشهر أو أكثر، وأحياناً قد لا تتم الموافقة على الطلب، ما يضطر الجهات المنفذة للمشروعات إلى الاستعانة بأي عمالة هاربة أو سائبة موجودة في السوق، كي لا تتعطل أعمالها، مبيناً أنه يجب أن لا نلقي باللائمة على صاحب المؤسسة أو العامل، وبالتالي قد تكون الجهة الحكومية لها دور في حدوث مشكلة الهروب؛ لأن هذه الندرة في العمالة في سوق العمل أوجدت إغراءات للعمال للهروب من كفلائهم؛ لوجود رواتب أعلى ورواتب تدفع في الحال. المشاركون في الندوة د. محمد العبيشي أستاذ الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم خالد السيف - رئيس لجنة الاستقدام بغرفة القصيم د. فهد النافع - أستاذ المحاسبة بجامعة القصيم علي الصالحي - متخصص في الشؤون العمالية مدير مكتب العمل ببريدة سابقاً