خلع عدد من الشباب السعودي قبل عقد من الزمن الصورة الهزلية للشباب المترف في دولة نفطية وحاربوا البطالة بالإنخراط في مهنة باعة الخضار في المحلات وعلى الطرقات، على إثر ذلك شهد عام 1421ه صدور القرار الجريء الذي حصر بيع الخضار على السعوديين ورافقه رهان كثيرين في الداخل والخارج على عدم جدواه، فكيف للشباب السعودي الذين يتذمر منهم رجال الأعمال في الوظائف المكتبية وفي غرف الشركات والمؤسسات، أن ينجحوا في مهنة متدنية في نظر المجتمع، تعتمد على الجهد الشخصي للشاب من خلال متابعة آنية ومستمرة في سبيل بيع سلعة يغلب على الكثير من أنواعها سرعة التلف..لكن القرار بالفعل قد صدر من قبل مجلس القوى العاملة في ذلك التاريخ، ليبدأ الشباب السعودي التجربة في وهلتها الأولى وسط تخوف من حدوث مشاكل في هذا النشاط كقلة المعروض، وارتفاع الأسعار، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فقد أثبت صانعو القرار أن الرهان على السعوديين كان في محله، فقد مر عقد من الزمن حصد السعوديون خلاله ثمار ذلك القرار الوطني الموفق، مداخيل مرتفعة تصل إلى 12,000ريال لم يكن ليحلم بها شباب ضيعوا الدراسة في غفلة من الزمن، أو آخرون علقوا شهاداتهم الجامعية في بيوتهم منضمين إلى طوابير البطالة، حتى وجدوا في ذلك القرار فرصة لإثبات الذات في عمل تجاري حر لا يحتاج إلى رأس مال كبير، ويتمتع بهامش ربح جيد، فوطنت ملايين الريالات، وتوفرت الوظائف لشباب جادين، شدوا الأحزمة، وتحملوا المسؤولية، وعقدوا العزم أن يبيعوا بلح الشام وعنب اليمن. متسترون يوفرون الغطاء المالي للعمالة مما أضعف مداخيل الشباب المتفرغين للمهنة لكن العام المنصرم شهد تحولات كبيرة في هذا القطاع، أثبت من خلالها أهل اليمن أنهم أولى ببيع ذلك العنب، وكذلك فعل أهل الشام، فقد أدى تدفق اليمنيين إلى المملكة بشكل كبير من خلال الدخول غير المشروع وتقارب لهجتهم مع أهل فرسان إلى عملية إحلال كبيرة تمكن من خلالها اليمنيون في غفلة من الرقيب من إزاحة السعوديين بشكل كبير، يساندهم أهل الشام ممن يطلق عليهم (عرب الجزيرة)، أولئك الذين يرتدون الزي المحلي ويجيدون اللهجة السعودية، وسط ترحيب من السعوديين المتسترين الذين يغريهم هذا القطاع.. مما أدى إلى خروج أعداد هائلة من السعوديين وسط تراجع كبير في أداء الأجهزة الرقابية على عملية السعودة، حتى عاد بعض البنغال والهنود ليطلوا برؤوسهم من جديد على مهنة تدر آلاف الريالات لطالما افتقدوها. جولات (الرياض) الميدانية في شوارع العاصمة، خلصت إلى تأكيد حقائق على أرض الواقع لا يمكن بأي حال تجاهلها، أو نفيها، فالمشهد العام لهذا السوق ينبئ بشكل واضح عن الانهيار الكبير في مسألة السعودة.. ضياع قصة النجاح شكل قرار سعودة سوق الخضار منعطفاً مهماً في نظرة المواطنين السعوديين لشباب بلدهم، فقد استطاع الشباب أن يكسروا ثقافة العيب، وأن يتجاهلوا النظرة الدونية لمثل هذه المهنة، متجاوزين أهم عقبة كانت تهدد نجاح القرار، كما تجاوزوا نظرة التشكيك في جديتهم في إدارة قطاع تجاري كامل وسط سوق كبير يحتل المرتبة الأولى خليجياً من حيث فاتورة استيراد المواد الغذائية التي تتجاوز 12 مليار دولار سنوياً حسب مصادر مطلعة، تستقطع الخضار والفواكه نسبة كبيرة منها. إذا كيف يفرط السعوديون في مشروعهم الحيوي هذا ، ويخرجون هكذا بخفي حنين؟.. الواقع يشير إلى أن هذا الخروج كان قسرياً..فقد تكالبت عليهم الظروف من كل حدب وصوب، فالرقابة وتطبيق الأنظمة تقهقرت إن لم تكن انعدمت، والأجانب يستهدفون السوق، والمتسترون وراءهم..فكل يمني يجد مواطناً ليفتح له محلاً ويمنحه رخصة وتمويلاً مقابل مبلغ شهري مقطوع يتم الاتفاق عليه في سوق تدر ذهباً..مما يفتح شهية المواطنين الذين لا يستطيعون التفرغ لهذا العمل لامتلاك المحلات والاستفادة منها تحت غطاء التستر. مواطن: كان متوسط دخلي 12000ريال حين كان المشروع حصرياً للسعوديين كيف يتم الإحلال؟ واقع حال محلات بيع الخضار في الشوارع العامة اليوم يوحي بأن مشروع التوطين في هذا القطاع يمر في لحظاته الأخيرة..هيمنة أجنبية صارخة، بدأت على استحياء من خلال تقمص شخصية السعوديين، وانتهت اليوم بالعمل في تلك المحلات بالبنطلونات والقمصان والإعلان عن الهوية بشكل يؤكد غياب الرقيب.. وحين سألنا من التقينا بهم من اليمنيين هل هم خائفون من السلطات المختصة أجمعوا بأنهم ليسوا خائفين، مستبشرين خيراً فيما يبدو وكأنه قد سمح لهم بالفعل للعمل في هذا النشاط.. فقد وقفنا على سوق خضار كامل في شرق الرياض يتكون من 11 محلا لبيع الخضار لم نجد به سوى سعودي واحد. لكن السؤال المطروح اليوم هو كيف يفرط الشباب السعوديون في هذا السوق ويخرجون منه هكذا رغم أنه يدر عليهم دخلاً يصعب أن يجدوه في مهنة أخرى؟ وهل يعني أن هناك محلاً جديداً أفتتح للتو يعمل به أجنبي أن يقفل السعودي محله ويرحل؟ تبدو الإجابات على هذه الأسئلة تتجه نحو إثارة الاستغراب..لكن واقع السوق وجدوى العمل به تبدو معقدة بعض الشيء.. لكنها بشكل مبسط تنحصر في حقيقة واضحة، وهي غياب تطبيق حصر البيع في هذا القطاع على السعوديين.. فقد أدى تراجع أو غياب تطبيق الأنظمة وحماية السعوديين إلى انتشار محلات جديدة وعلى نطاق واسع، مما جعل الشارع الواحد الذي لم يكن به سوى محل أو أثنين يصبح به مجموعة محلات، مما أضعف القوة البيعية لمحلات الخضار، لكن هذا ليس هو السبب الوحيد لخروج السعوديين، فقد رأى كثير منهم أن الوضع مادام مفتوح (على البحري) وأنه يمكن أن يجد له عملاً آخراً ويؤجر محله على يمنيين يضمنون له مبلغاً مقطوعاً نهاية كل شهر يصل في بعض الأحيان إلى نصف دخله السابق دون عناء البيع في المحل لأكثر من 10 ساعات متواصلة وكذلك عناء الذهاب فجراً لسوق الجملة لجلب لخضار، كل هذا دفع بالسعوديين للتنحي عن سوق بدأوا يشعرون أنه ليس بسوقهم. السعوديون الصامدون.. رغم هذا الحراك السلبي والخروج الكبير للسعوديين من سوق الخضار منذ أكثر من عام، إلا أن هناك رجالا صامدين، يتشبثون بسوقهم الكبير رغم انخفاض دخلهم بشكل لافت..متأملين في أن يحمل الغد بين طياته فرجاً لهم، وأن تعود الحماية لهم لينعموا بما في هذا القطاع من خير وفير..في شارع فرعي، يقبع محل صغير لا تبدو بضاعته متكاملة، قصدناه بعد ما خاب أملنا في العثور على محل به سعودي.. فكل المحلات التي مررنا بها لا يوجد بها سوى يمنيين ..وحين تسألهم أين السعودي؟ يقولون راح مشوار!! لكن هذا المحل الصغير وجدنا به سعوديا ..أبو تركي الحربي هكذا أرادنا أن نناديه، شاب سعودي بدأ حياته كضابط في أحد القطاعات العسكرية، ووجد نفسه اليوم يبحث عن قوته في بيع الخضار والفواكه.. تجربة الحربي وإن كانت لم يمض منها سوى عام في هذا السوق الكبير، إلا أنها تشير إلى رغبة السعوديين في البقاء في هذا السوق واستعدادهم للعمل به مجدداً..فقد جاء إلى هذا المجال في ذروة تراجع السعودة وهيمنة العمالة ،حاملاً معه آمالاً كبيرة في الحصول على لقمة عيش حلال .. يقول أبو تركي أن هذا القطاع يناسب السعوديين الذين لا تتوفر لديهم وظائف، مؤكداً أن العمل بهذا المجال هو نموذج للطموح، (لأنه كلما تتعب أكثر وتبذل جهد أكثر فإنك تستفيد أكثر مما يعلقك بهذا العمل)، مضيفاً :أنه عمل حر أنت تعمل بإرادتك وبلا ضغوط من أحد..لكن أبو تركي يؤكد أن العمل بسوق الخضار يريد مزيداً من الصبر والتحمل، ويشيد في الوقت ذاته بالنجاح الكبير الذي حققه السعوديون ممن سبقوه في هذ1 المجال طيلة العقد الماضي.. ولا يخفي أبو تركي الحربي أسفه على خروج السعوديين من السوق، مشدداً على أن تراجع الرقابة في تطبيق نظام السعودية هو السبب الرئيس في هذا الخروج..ويذهب أبو تركي إلى وجود طوق وتحالفات من قبل العمالة اليمنية على وجه الخصوص استطاعوا من خلال تلك التحالفات أن يزيحوا السعوديين من السوق.. مؤكداً أنه لم يكن بإمكان أحد إزاحة السعوديين لو كان هناك حماية لهم من خلال تطبيق نظام السعودة..أبو تركي ليس لديه عمال في المحل، مشيراً إلى أنه هو الذي يتولى تنظيف محله ، محذراً من أن العمال الذين يعملون مع السعوديين كمساعدين هم الذين يفسدون على السعوديين أعمالهم دون أن يشعروا بذلك ..فكما يقول أبو تركي فإن أغلب العمالة الذين يسيطرون على هذا السوق اليوم كانوا في بداية الأمر مجرد عمال ، حتى استولوا على المحلات وأصبحوا أصحابها مقابل مبالغ مقطوعة للسعوديين.. ولا يبدي أبو تركي تحفظاً حين يقول أن الأجانب يسيطرون بنسبة 95% على سوق تحصر الأنظمة البيع فيه على السعوديين..ويشير أبو تركي أنه يأتيه يمنيون بشكل يومي يعرضون عليه أن يسلمهم المحل مقابل مبلغ مقطوع..ويطالب أبو تركي السلطات المختصة بإعادة تطبيق نظام السعودة ، معتبراً هذا القطاع الملاذ الأقرب للسعوديين الجادين الذين لا يجدون وظائف..معتبراً أن انهيار السعودة في هذا القطاع أمراً محبطاً للشباب السعودي..مؤكداً نيته للصمود في هذا المجال منتظراً تحرك الجهات المختصة .ويشير أبو تركي إلى أن أهم ميزات هذا النشاط أنه لا يتطلب رأس مال كبير ،وفيه عائد جيد يقي شبابنا من جحيم البطالة. كان دخلي 12,000 ريال. أبو تركي الحربي وسط 11 محلا للخضار يسيطر عليها اليمنيون، يقف علي محمد راشد البريه في محله صامداً ليجمع قوته وقوت أبنائه، رجل مسالم لا يريد سوى الرجوع إلى بيته بحفنة من الريالات توفر له الستر والاستقرار.. البريه قضى عشر سنوات في سوق الخضار، حيث عمل به منذ بداية صدور قرار التوطين.. يقول البريه مستذكراً تلك الفترة: لقد شجعنا ذلك القرار، وكان لدينا ثقة وإصرار كبير على النجاح.. وقد استفدنا استفادة كبيرة حيث كان دخل محلي في ذروة الموسم يصل إلى 12000 ريال.. البريه رجل طيب ، يحب كل الناس حتى أولئك الذين ينافسونه في لقمة عيشه..يقول:اليمنيون أخوتنا,, وظروفهم صعبة.. ونحن لا نحسدهم.. ونحن لا نحسد أحداً.. ربي أرزقني وأرزق مني.. لكن السعوديون هم الذين سلموا المحلات لليمنيين، حيث بدأت تقل مداخيل المحلات ،إضافة إلى أن العامل اليمني ليوم يتقاضى راتب 2000ريال، فالبعض رأى أن يسلمهم لمحل كامل ويكتفي بمبلغ مقطوع ما دام الجهات المختصة لا تطبق النظام.. ويشدد البريه أن بيع الخضار في الشوارع و المساجد وعدم منع البلدية لذلك ،إضافة إلى الأسواق الكبيرة التي تبيع بأسعار قليلة، وتراجع تطبيق السعودة ، كل ذلك أثر على سوق الخضار وجعل الكثيرين يرحلون منه..ويؤكد علي البريه أن العامل الذي يحمل إقامة ويعمل في بيع الخضار لا أحد لا أحد يتعرض له سواء الجوازات أو البلدية أو العمل.. مما جعل العمالة تجتاح السوق..مشيراً إلى أن الوضع أخطر في سوق الجملة.. حيث يعمل السعوديون موظفين عند الأجانب.. وحين سألنا البريه بماذا يطالب..قال:.. لا أطالب بأي شيء..أنا جالس في محلي ورزقي بيجيني !.. اليمني إبراهيم السعوديون في الشوارع: تحت شمس الرياض الحارقة ، وفي شارع عبدالرحمن الغافقي وقف محمد دخيل سعيد الرشيدي مع أخوته أمام سياراتهم الوانيت المحملة بالخضار، منتظراً رزقه في ذلك النهار، سألنا الرشيدي لماذا يلجأ إلى الشارع ولماذا لم يستأجر محلاً مادام لديه رغبة العمل في هذا المجال، قال أن السعوديين اليوم يتركون المحلات هروباً مما أسماها المنافسة الغير عادلة من قبل العمالة اليمنية، مشيراً إلى أنه حتى وهو يبيع تحت لهيب الشمس لم يسلم من مطاردة البلدية له، حيث أنها في أحيان كثيرة تصادر بضاعته..مشيراً إلى أن نسبة السعوديين المتبقين في السوق حسب تقديره لا يزيدون عن 20% من العاملين في هذا السوق الكبير .. وحول سؤال عما يريد أن يقوله للمسؤولين في هذا الجانب قال: نريد منهم أن يفزعوا لنا.ثم لمح زبوناً يقترب من بضاعته وأعتذر وولى لذلك الزبون عله يظفر منه بشيء ولو يسير. وافد يعمل بائعاً في محل خضار المقيمون: نحن لها لم نكن بحاجة إلى أخذ رأي أكثر من مقيم .. فاليمني إبراهيم درهم محمد فرحان رجل واضح وصريح وشجاع..تحدث إلينا بشكل شفاف معترفاً بعدم نظامية البيع من قبله وزملائه، ومؤكداً في الوقت ذاته أن البلدية لا تحرك ساكناً..يقول أنه مقيم بشكل نظامي، وهذا بحد ذاته يؤهله للعمل في سوق الخضار..فحسب رأيه فإن الخطورة تكمن في الجوازات التي إن لم يكن معه إقامة ستقبض عليه، وإن كان يحمل إقامة كانت عليه برداً وسلاماً..إذ يشير إبراهيم إلى أن البلدية لا تحقق في إثباته الشخصي.. وإنما تعاقبهم على عرض البضاعة في الشارع أمام المحل ،مضيفاً أنه عندما يسأل موظف البلدية أين السعودي.. نتصل به ويأتي.. محمد الرشيدي إبراهيم فرحان يتهم السعوديين بالكسل، ويشير أنهم هم الذين سلموا المشروع لليمنيين ..مشيراً إلى أن السعوديين لا يصلحون إلى هذه المهنة..وحين قلنا له أنهم نجحوا طيلة عشر سنوات ..قال نعم نجحوا لكن حين كان ممنوع لغيرهم البيع في هذا المجال..إبراهيم يقر بأنه وزملائه مخالفين للأنظمة .. مشيراً إلى أنه سبق أن جاءت البلدية وأقفلت المحل بسبب عدم وجود سعودي..وفي اليوم التالي يذهب السعودي إلى البلدية ويدفع الغرامة ويعيدون فتح المحل من جديد.. ويعلن إبراهيم بشجاعة تامة أن التستر على ليمنيين والعمالة يصل 60 إلى 70% .. ويقول نحن اليمنيون اليوم نسيطر على 70% من محلات الخضار بأسماء سعوديين..ويضيف: إبراهيم إن هذا السوق يوجد به 11 محل كل العاملين به يمنيون مشيراً إلى أن نسبة الذين يحملون أقامات نظامية فقط 5% والباقي من مجهولي الهوية.