إذا كان زياد رحباني، خلق حالته الإبداعية، من خلال شخصية خاصة، جعلت من فيروز تكمل معه مرحلة مهمة من تجربتها الغنائية الثانية (منذ أواخر السبعينيات بين الأخوين رحباني) ثم استقل معها بأعمال غطت معظم التجربة لاحقاً باستثناء أعمال مكملة لفيلمون وهبي وزكي ناصيف ومحمد محسن، وأعمال معطلة لرياض السنباطي، فهي تعطينا الفهم العميق، لتجربة زياد نفسه، بأنه لم يقع مأسور الإرث الرحباني، حتى إنجازه إعادة توزيع بعض أعمال الأخوين رحباني، أسطوانة: (إلى عاصي – 1994م) التي سجلتها من جديد فيروز، وتشكيله نموذجاً موهوماً للامتداد الرحباني، عند أبناء عمه الآخرين، في أعمال تفاوتت فيها الإبداعية الخلاقة، واقعة في أسر النموذج الرحباني السابق، وهي تشابه الحالة عند منصور، في عجز عن تجاوز التجربة الخلاقة التي كان فيها شريكاً، بدرجة أو بأخرى، مع عاصي الرحباني وفيروز، تحت اسم: الأخوين رحباني. إن (الميثولوجيا الرحبانية)، لهي متحقِّقة في تجربة خلاقة، أخلصت لبيئتها الثقافية وعبرت أيما تعبير عن تحولات اجتماعية، بعضها مُملى وآخر اختير طوعاً، ضمن صورة ثقافية، اشتغل الأخوان رحباني على ترسيمها، وإن مرحلة تمدين الغناء الريفي التي قاما بها، بشراكة زكي ناصيف وتوفيق الباشا، شبيهة بتجربة الخليج، في تمدين الغناء البحري والصحراوي التي قام بها سعود الراشد، أحمد باقر وغنام الديكان، مع صوت شادي الخليج ومصطفى أحمد مقابل أن كانت المواهب المصرية كعبدالحليم حافظ وشادية، والعربية عموماً، من الحناجر المختلفة: فايزة أحمد ووردة، تشتغل وصولاً بالرومانسية والحداثة العربية ذروتها متصلة ومنقطعة عن جذور محلية نحو عربية، كما في حالة مجايلة من قبل محمد الموجي وبليغ حمدي. إن التجربة الرحبانية، بقدر ما أسهمت في نقل الغناء اللبناني، وتبنيه شآمياً، من تخلِّف مائة عام كما يعبر كمال النجمي، إلا أنها بدأت تخسر بفعل عصبية طرفها الثاني منصور وأبناؤه ما كسبته، فيما التاريخ يكتب التجربة المفارقة بين زياد وفيروز لتكون استمراراً خلاقاً ملهماً لتجارب أخرى، مثل: ماجدة الرومي وجوليا بطرس أو صناع أغنياتهما: مارون كرم وإحسان المنذر، نزار قباني وجمال سلامي عند الرومي، وإيليا أبو شديد ونبيل أبو عبده مع زياد بطرس، كذلك تجربة سميرة سعيد وذكرى، بكامل الجهاز التلحيني والشعري من عماد حسن ومحمد ضياء أو بهاء الدين محمد ووليد سعد. إذا كان في المكوَّن الرحباني الثقافي، ذاكرة لبنانية صاعدة فينيقياً إزاء قومية عربية منسية لكونها مهدِّدة وطاغية، وخلقية إبداعية على ما هي عليه من ثنائيات الحيرة (ريف – مدينة) والاستلاب (شرق – غرب) إزاء تكريس هوية المذاق الطفولي والسحري، وما وصلت إليه التجربة الرحبانية من اكتمالِ حرَفها الجيل التالي نحو عصبية تعترف ضمنياً بأزمة النموذج، فهي تكشف ملامح ومعالم (ميثولوجيا الرحابنة) التي تشكل ظاهرة بدأتها لعبة الصبيين عاصي ومنصور فشاركتهما اللعبة فيروز. *فصل من كتاب جديد بعنوان "الخروج من المعبد: توليفات أنثروبولوجية في الغناء العربي"، ويصدر عن دار العين للنشر، القاهرة، 2013.