الأسفار والرحلات ظهرت في فترة المد الحضاري العربي، عندما لم يكن الآخر أبداً مشكلة للإنسان العربي.. هذا ما أعلنه المفكر التونسي الطاهر لبيب في مداخلته الهامة، بندوة جائزة ابن بطوطة والتي أقيمت يوم أمس الأول في مملكة البحرين. وقال د.لبيب: إن العرب والمسلمين لم يسافروا إلا في عز أيامهم؛ ولأن الثقافة العربية كانت مستقرةً وواثقة من نفسها، فإنه لم يكن فيها مشكلٌ مع الآخر والآخر لم يكن يمثل مشكلة.. مؤكداً أن أبي حيان التوحيدي وكثيرون من أعلام التراث لم يجدوا حرجاً في إسداء نعت لائقٍ في الأمم الأخرى، فتراهم يصفون أهل الصين بالحرفة والهندي بالحكمة والفارسي بالفلسفة وكذلك اليونان.. إذ أن العربي والمسلم لم كن لديه أي مشكلة في ذلك فهو كان حقاً يسافر ويرحل لمعرفة الآخر، وكان العرب عندما يذهبون إلى الصقالبة كانوا يتكلمون عن هذه الأرض وكأنها امتداد لأرضهم، لأنه كان يتحدث بكل ثقة. وعن توقف مد هذه الأسفال قال لبيب: توقف السفر في مرحلة ما، وهي مرحلة التراجع الحضاري والتفكك، حيث بدأ العربي المسلم يقعد قليلًا، قليلاً.. مشيرا إلى أن العرب انتقلوا إلى مرحلة "المخيلة الشعبية" التي لم تتقبل فكرة التراجع العربي، متمةً ما ورثت من موروث فكري وأدبي، استمرت في تطويره وصولا إلى مرحلة ما بين العداوة والإعجاب بالعدو كما في كتاب خير الدين التونسي في كتاب (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) أو الطهطاوي في كتاب تخليص الابريز في تلخيص باريز) مؤكداً في هذا السياق أن الطهطاوي عندما ذهب، كان لاكتشاف ذاته؛ وهي مرحلة خاصة تكون فيها الذات حاضرة.. مختتما حديثه المفكر التونسي عن فكرة الآخر.. بأن أغلب الإجابات كانت أن الآخر هو الغرب، وكأنه لا يوجد آخر صيني أو أفريقي أو لاتيني..الخ، وأردف: تم اختزال الآخر في العدو وأصبح الآخر غرباً، لذلك نحن علاقتنا اليوم بالآخر هي علاقة توتر. وقد شملت الندوة مشاركة الرحالة والمستعرب الانجليزي تيم ماكنتوش سمث، الذي ألف ثلاثة كتب عن ابن بطوطة، وصور مسلسلاً وثائقياً عن ابن بطوطة لصالح "بي بي سي" حيث تحدث سمث عن فرحته لنية جائزة ابن بطوطة ترجمة كتبه إلى العربية. وأشار الباحث والرحالة الأنجليزي إلى أنه التقط ثيمة رئيسة في كل رحلات ابن بطوطة وهي الحزن عند الرحيل، والكتابة عن هذه اللحظة بشاعرية، واصفاً حياة صديق ابن بطوطة الوزير لسان الدين الخطيب، بأنه كان بارعا في كتابة السجع الذي وصف فيه علاقته مع الرحالة العربي. ماكنتوش سمث