ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل البقاء أم من أجل النسيان.. كيف سيكتب الجيل القادم؟
عبدالرحمن العوفي: أدعو لحملة عنوانها دعه يكتب ليتعلم تنقيح ماكتبه
نشر في الرياض يوم 21 - 02 - 2013

ليست اللغة والكتابة شيئاً مطروحا للآخرين،أو متسول ينتظر من أيّ متبرع أن يفتش محفظة قاموسه كي يتبرع بكلمة، إنها تلك القدرة على خلق كل الأشياء الصعبة والبسيطة والمرتفعة والمنخفضة إلى معان وابتكارات جديدة وتحويل المألوف والمعتاد إلى ما هو غير ذلك،إنها تلك القدرة على تجاوز كل المدارات الكونية وغير الكونية باعتبارها الأكثر اتساعاً من الوجود نفسه، إنها الأمل والانعتاق نحو ملكوت الحياة الجميلة والدواء الفعال والمضاد نحو انعدام المعنى وكما يقول محمود درويش:
لا أريد الموت ما دامت
على الأرض قصائد
إننا نكتب لأننا نبحث داخل الكلمات كما يقول واسيني الأعرج عن أشيائنا الضائعة وعن بقايا هزائمنا وأفراحنا الصغيرة ولأننا عندما ننكسر الشيء الوحيد الذي يجعلنا نجبر الكسور هي الكتابة،الكتابة وحدها تمنحنا هذه الفرصة،لأننا في حاجة ماسة للنسيان وموجهين بما نكتب نداء استغاثة ولا يهم إذا سُمعنا أم لم نُسمع.
إن هذا الجيل يعتبر الكتابة خلاصاً من متاهات الحياة رغم أن الورق بحد ذاته متاهة،الورق أبواب ودهاليز وحلبة مصارعة،والكلام لغة أنهكناها بالأماني،والحبر بطولة تديرُ لنا وجهها في النهاية.
يقول برهان باموق: إن ما يصنعه الإنسان عندما يغلق على نفسه في غرفه،ويجلس إلى منضدة،ويترك الدنيا إلى ركن يعبرّ فيه عن أفكاره فهذا هو معنى الأدب.
*في البدء توجهنا إلى الشاعر فيصل الغامدي حول في عمله الجديد "المعتق من قبس" حيث العزلة حاضرة كامتدادات الظلام في المساء، ألهذه الدرجة تعتبر العزلة في الكتابة محطة أسياسية للانطلاق؟
- بمعنى آخر عزلة الروح في الخضم المتلاطم، لابد أن هناك ما يتكون بالداخل وسط كل هذا الضجيج، يتكون دون أن ندري به، وما أن نمسك بالقلم حتى نفاجأ بما ادخرناه طوال أيام الركض" كلما فاجأني ما أكتبه كلما عرفت حجم عزلتي " كأننا كنا نلوذ دون أن ندري،أجمل أنواع العزلة تلك التي تكون وسط هذا الهدير الهائل..هذا هو خشب المنضدة ،أن تشعر أن شيئاً ما يخصك أو يمسك أو يهتف بك فلا يعالجك النسيان، الكتابة إذاً كعلاج،كمناورة للخلاص، دون أن نفكر إلى أين سننطلق ولمن سنكتب وكيف سيغدو الكثير من كتاباتي جاءت بهذا المعنى شعراً ونثراً.
*أحياناً هناك كلام لا يسقط على الورقة ولا يصل إلى الحبر أبداً رغم أننا نود أن نقوله فعلاً لفرط ما نشعر به،هل تتوقع أنه سيأتي يوم نبلغُ فيه من الزمن عتيا ونرى عقارب حياتنا قد شارفت على الصفر ونتأمل ما كتبناه لنخرج بنتيجة مفادها: لم نقل ما نريد حتى الآن ؟.
- بالتأكيد سيبقى دائماً ما لم نقله، وسيبقى هو الأجمل والأجل، مرفوعاً لسحابة النسيان أو المؤجل من يستطيع أن يترجم ما تقوله نجمة وهي تشرق كل ليلة بصمتها ؟
في تلك الضاحية البعيدة ما يشدنا إلى المشي، وكلما شارفنا على حقل قالت الأرض اتبعوني فأنهاري تصب في البعيد، ما لم نقله هو الُمحث لكلما قلناه.. لكلما نحاول أن نقوله
وفي هذا الخلاء تسقط الكثير من النجوم..قصائد وأفكار وقصص، الرهان يجب أن يكون في مقام الذات بالدرجة الأولى، رهان على أننا نستطيع أن نزرع الأجمل في كل مرة، أن يكون هناك تحد داخلي لا يكل، هذا هو المبدأ وما تبقى فهو متروك لطفرات اللاوعي في مفاجآته التي لا تنتهي: مالا يسقط على الورقة ولا يصل إلى الحبر، هو إنسان له غصة مستدامة، إنسان على هيئة القصيدة.
* أضواء الصالح مجرد اختلاف تصوراتنا عن الحياة يدفعنا إلى الكتابة،أذكر بأني قرأت هذه الجملة يوماً في كتاب وأصبحت تطرق رأسي في كل وقت، مما جعلني اسأل ألهذه الدرجة لجأنا نحن الشباب إلى التعبير عن اختلاف مبادئنا ولغتنا وقيمنا وتصورتنا إلى الكتابة لأن ليس هناك من يستمع إلينا بصدق،ولأن أكثر ما يعذبنا بحثنا عن شيء نقوله ونرتاح من خلاله؟.
- حين تعي اختلافك تصاب ويا للأسى بصدمة ثقافية اجتماعية فتبدأ رحلة الاغتراب الفكري، يلوعك الاختلاف لكنك لا تقف مسمرا عاجزا يتدفق في دمك شلال من الحماسة والاندفاع فتحزم أمتعتك وتسافر في البحث عن صوتك تتمخض هذه الرحلة الجميلة عن نتائج على شاكلة الكتابة،الكتابة هي الحديث السري بينك وبين ذاتك والذي تشي به حروفك، أكثر الذين يسمعون لا يفقهون لذا كان الحرف هو الرفيق الدائم، في الحقيقة نحن لا نبحث عن أشياء نقولها هي من تبحث عنا تؤرقنا وتقض مضجعنا. لنصرخ بها، الكتابة تلك الصرخة التي نطلقها في وجه هذا العالم الطاغي. هي مانتسلح به ونتعزى.
* هل رفعتنا اللغة لمستوى لم نعد نرى الواقع في الأسفل،لمستوى نقول من ارتفاعه نحتاج أرضاً أكثر راحة لنهبط؟، وما قيمة الفكرة والأحلام التي نسعى لحمايتها باللغة عندما تَفقد قدرتها على حمايتنا مستقبلاً؟
- في الحقيقة الواقع المجرد أبدا غير جميل وناقص. لذا نحن نحتج بطريقة مهذبة ونكتب. في الكتابة نحن نحلم لكننا لا نسأل تحقيق أحلامنا. عندما نكتب فنحن نختزل الزمن ونعيش"لحظة خلود قصيرة " نحن نكتب أحلامنا وأفكارنا كي تجد صداها عند الآخر ومتى ما شعر الكاتب بالتخاطر الفكري والوجداني الذي يجمعه بقرائه سعد لأنه حقق غاية نفسه "الوصول" الكتابة هي أن تلامس الآخر وتطيب جراحه، أظن أن مهمة الكتابة هي تخليد الأفكار تلك التي تزور الناس خطفا لكنهم لا يبالون بتدوينها بينما الكاتب يقتنصها مثل كنز ثمين ويشرع في سردها، الكاتب هو ذاك الشخص الذي ينتبه لكل التفاصيل المتاحة حوله ولا يتركها تفر منه.
*يوسف حماد بوصفك قاصا نشرت له العديد من القصص "كأطفئ شمعة وألعن الظلام" هل هذا الثقب الصغير-الكتابة- هو منفذ وطريق طويل للتعبير عن قضايانا وعما نريد أن يكون حقاً، هل الكتابة يلجأ إليها المبدع من أبناء هذا الجيل- من خلال رأيك- بصفتها الطريقة التي لا تخضع للمحاكمة من أجل تمرير الأسئلة الكبرى والمتعلقة بمركزنا ووجودنا كذوات والخوض في مضمار البحث عن الأجوبة؟.
- العمل الإبداعي لا يمكن استدراجه ليكون تحت مظلة أو سقف أو حتى قضية، فالفن كرسالة ينحاز للإنسان بلا إقليمية ولا لغة ولا عرق، وأقطار الناس ليس لهم بتفاصيل وقضايا مجتمعك أو عشيرتك. إلا أن الكاتب لو استطاع الارتكاز على قضايا جيله وتحويلها إلى لغة تصل للجميع وتلامس الإنسان في كل مكان، يكون بذلك أقرب للعمل الابداعي من كونه متحدثا رسميا على منبر.
الشاعر فيصل الغامدي: الكتابة علاج أو مناورة للخلاص دون أن نفكر إلى أين سننطلق ولمن سنكتب
الكتابة ليست خارجة عن المحاكمة كما تقول، فكل الأشياء في ظني قابلة للحوكمة، وخصوصا في مجتمعات تكثر فيها نقاط التفتيش، فمهما كانت نظرتك الطهرانية لشيء، فحتما ستجد من جمع له الحجارة ليرجمه. وهنا يزداد العبء على الكاتب في البحث قدما عن مبررات تقتل النص مرة وتقتل الفكرة مراتٍ كثيرة، وربما أصبح العمل الابداعي في نهاية المطاف أقرب مايكون إلى حديثٍ إذاعي أو لوحةٍ حائطية في مدرسة متوسطة.
الكاتب الشاب لم يخرج حتى الآن من أزمة الصراع الثقافي، فبات كل منتج أدبي لا يخلو من كونه تفريغا بشكلٍ أو بآخر لشحنات الجدل في القضايا التي نقرأها في صحيفة أو نشاهدها في تلفاز. أصبح الكاتب مثل بقية الجماهير، متأثرا وليس مؤثرا، فغابت مع غيابه جماليات الحياة والمجتمع وروح المكان، التي يمكن تخليدها في منتج يستحق الاحتفاء والعمل الإبداعي يتطور، وتتطور تبعا له تقنيات النقد، هنا يجب أن يعلم كل كاتب وكل مبدع أن النقد لم يسبق الأعمال الإبداعية في يومٍ من الأيام، وإنما يأتي تبعا لها. وفي وقتٍ أثرت فيه تقنيات التواصل على شكل ولون المنتج الأدبي، توجب أولا على النقاد قبل المبدعين من مواكبة لغة العصر، فالمبدع لن ينتظر كتابا جديدا في النقد ليرشده.
على الكاتب المبدع أن يعلم أنه صاحب الخطوة الأولى، وفي الخطوة تتحدد وجهة الركب.
* شهد الغلاوين في عملك "فتاة سيئة" أشعر بأنكٍ تكتبين لأنك تريدين من الواقع أن يصبح أجمل،أن نَرجع بفعل الكتابة أطفلاً،أن نكون أجمل،نشكل لنا على البياض كلمات تشبه الغيم،كلمات تنبت لها أجنحة تنقلنا إلى مدارات أوسع ومجرات أكبر من هذه الثقب الصغير-الحياة- والذي لا تكفي أن نُخرج من خلاله أيدينا لنستنجد بالآخرين ولأنكِ:
لم يبق موطئٌ للحياة، لأنك تصبحين وديعة قُرب أوراقك وكلماتك في يديك، تدخلين بها حياتكِ التي تستحقين، تعيدين ترتيب مفآجاتك من جديد رأيك حول ذلك؟
- الكتابة حياة ولها أسبابها الخاصة من شخص لآخر فأنا أكتب لاحيا ولأمارس الحياة بطريقة مختلفة فما أصعب من الحياة حين ترى من حولك هم من يشكلون مراحلك وفق رغباتهم لأنهم أكبر منك سناً فأنا كتبت بعمر صغير عن الأشياء التي قيدتني وقررت أن أتمرد عليها بالكتابة لأني أريد أن أشكل حياتي وفق رغباتي وكما تمليه علي أفكاري.
*"بع ثوبك الجميل واشتر به كتاباً ممزقاً" هذه الجملة لفيلسوف بريطاني أصبحت لاحقاً تعلق على شوارع لندن فإلى أيّ درجة د ساهمت القراءة في ولادة ما تكتبين؟،وهل الكتابة هي الطريقة الوحيدة التي تودين أن تستيقظي بها دوماً؟
- خلقت في بيئة لا تقرأ ومع ذلك ثابرت لأحصل على أي وسيلة تصلني بكتاب ما اياً كانت الوسيلة - أتذكر سابقاً كنت أقرأ القراءات حول الكتب المنشورة ولا أفوت أي قراءة حتى الكتب التي لم أستطع الحصول عليها كنت أقرأ ما كتب حولها، قرأت القليل ومع ذلك كلما أقرأ كتاباً أقول أستطيع أن أكتب أفضل منها الكتابة أسلوب حياة فمن الجميل أن أستيقظ على فكرة وأتعايش معها يومي كله حتى انتهي منها بكتابتها.
* أسماء الفهيد هل سيأتي يوم تصبح الكاتبة الشابة مقبلة على الكتابة وفاتحة لها ذراعيها وأبواب طموحاتها بحيث أنها ترى فيما تكتب حلاً دائماً لكل مشاكل المستقبل والواقع الذكري الذي يعتبر الأنثى كائناً يسكن في هامش الثقافة، أقول هذا باعتبار أنك خضتِ تجربة النشر لنصوص متعددة عُنونت "بجدتي والسكر"؟
- حسنا حديثك يدور حول نقطتين: الأولى هل سيأتي يوم تكون الكتابة فيه شيء فاعل في حياة المرأة،والثاني الواقع الذكري المهمش للمرأة،أنا هنا لن أخلط بين رأيي الشخصي والواقع والمفروض،لكن وبمحاولة اختصار:
الكتابة ليست هدفاً بل وسيلة،ثم إني لا أوافقك الرأي أبداً إذ إننا لسنا في عصر تهميشها بل على العكس،حضورها طاغٍ جدا ولو صنع خلاف فبسبب الاختلاف داخل المجتمع وهو طبيعي،إذ كيف تصنع بيئة مناسبة دون أن تتجانس بما يناسبها اجتماعيا وثقافيا وعقائدياً وما حولها وكلنا يرى هذا التفاوت بين الرؤى تجاه وجود المرأة (الواقعي)وأقرب شاهد دخولها مجلس الشورى وما صنع من خطوط متباينة، نحن لا نستطيع إنكار ما لا نرغب به لمجرد عدم رغبتنا فيه،إذ إن مجرد الإنكار لا يعني حلا لما لا نُريد،من أصغر دائرة إلى أكبر مُحيط إكمال الوجود بالطرف الآخر اكتمالٌ له والمرأة الصانعة تُثري،وجودها يُثري،أما بالنسبة لمن وصفته بالمُهيمن القامع فصدقني أن إشكاله في داخله هو وإلا لاستطاع التجاوز وصناعة الحل لما لابُد من وجوده، أعود للشق الأول من سؤالك وهو: متى تصبح؟
أيضاً أُخالفك في الصيغة في (متى تُصبح)إذ إنها أصبحت، لكن قُل متى تنجح الكاتبة في فرض وجودها وجوابي هو:
متى ما كانت تمتلك هدفاً واضحاً وقضية إنسانية تستحق،وإلا فوجودها لا يضيف شيئا وهناك ما هو أولى بمثولها وعطائها مكاناً وزمانا،
الإشكال يا أستاذ في رفض أو فرض وجودها أصلاً وبالتالي التدقيق في كل ما هو حوله،ولو أننا آمنَّا بانعدام الفرق إلا من حيث الإنتاجية لتبدلت أشياء كثيرة للأفضل.
* أسماء كيف ترين الكاتبة الشابة في المشهد الثقافي السعودي،وهل استطاعت الكاتبة الناشئة أن تخلق تقنية كتابية خاصة بها متجاوزة كل أساسيات النقد التي أصبحت تقتل الإبداع أكثر من دفعه ليتقدم أكثر؟.
- إن قلنا إن تجاوز النقد يعني إثبات الوجود،وإثبات الوجود يُعنى بتجاهل النقد فهي فعلت والدليل ظهور الكثير من الأسماء الشابة حتى وإن لم تنل الشهرة الكافية،أي إنها قدمت مع جدارتها أقصى ما تستطيع،أما إن كنت تعني بإثبات الوجود خلق تقنية كتابية خاصة كما تصف فلا أظن أو أن الحكم مبكر على ذلك إذ إن التاريخ والنتاج هما من يقول ذلك،مثلا لو أردت أن أحكم فيجب أن أكون خارج الدائرة أو سابقة بمراحل،وإن حددنا بالتقديم( لوناً خاصاً) فأقول نعم ويندرج ذلك تحت أصل الموهبة وكيفية إنمائها وكُلٌ وطريقته.
عموماً وبمثالية حالمة أقول لا توجد هيمنة،لا يوجد أي اعتبارات لوجود المرأة كدخيل، بينما وبواقعية محضة تظل هذه المشاعر فردية وتأثيرها كذلك،
الفرق الواضح والذي أثق به جداً أن سطراً واحداً تكتبه أنثى هو عن أضعافه من قِبَل الرجل، وخُذ مني المرأة أوضح بكثير مهما وارَت من كلام.
ختاماً..الالتفات لآراء المثبطين يجعلك تتوقف أو يُبطئ من سيرك،ومتى ما استمعت لحديث التثبيط فأنت تُعين الآخرين عليك، وكلما قلَّت الفرص كلما تشبث الإنسان بطموحه وآمن بأهميته وأجمل مافي الكتابة هو أنها تأتي هكذا بلا استنطاق وتستعصي حال محاولة، لذلك أنا على ثقة بصدق الأجلى إبداعا دونَ ما يُلبَس فيلتَبِس ويُلبِسْ.
*عبدالرحمن العوفي قلت يوماً في إحدى مقالاتك بأن علينا أن نعيد تركيب الجملة(اقرأ كي تكتب) لتصبح (أكتب كي تُقرأ) ما سبب ذلك وما علاقتهُ بالنماذج الكتابية المحزنة في مجتمعنا السعودي التي تحدثت عنها؟
- من الممكن أن نجيب على هذا السؤال من خلال القياس على نموذجين لأغلبية الكتابة التي ماتت في داخل الإنسان دون أن ترى النور فُقدت بين قلبه وعقله ولسانه ولم يكن لها واقع موضوعي،هنا نحزن على مثل هذه النماذج كثيرة الوقوع في مجتمعنا،أما الأمر المحزن الآخر الذي نتجرعه كالسم هو الكتابة التي قد تموت هويتنا بسببها ونذوب معها في دهاليز الظلام منها التهجين الثقافي وتشتمنا بسببها اللغة العربية بصمت يكتشف أمره بعد حقبة من الزمن اللاحق، لها أصناف وشخوص،ولها وقع في الصدر لايطاق، وجرح لن يلتئم ويطيب إلا إذا بترت جذور الألم عن بكرة أبيها، فمن أمثلتها: مانراه ونقرأه في أقرب وسيلة للإنسان في هذا العصر،والملازمة له دون انفكاك ،بل ملاصقة له كالملابس التي يرتديها والتي يكتبها من نسج أنامله، تكسوها الأخطاء الإملائية،والنحوية عباراته،وأبسطها أنه يبتدئ دون أن يخبر بكلامه، ويفعل دون مفعول به، ومفعول به بلافعل... وهلم جراً.
والسؤال الذي يُطرح بحزن في ظل هذه النماذج القائمة هو: كيف سيكتب الجيل القادم؟ وكيف يقرأ ماكتبه أجداده ؟ وأين يجدون ثقافة آجدادهم إذا بحثوا عنها ؟ لا أجد إجابة ولا أستطيع أن أحكم في عدم وجود حل لمثل هذه الإنزلاقات اللغوية الكتابية المؤدية إلى الهاوية المهلكة حقاً، لكن من الممكن أن أصف وأتنبأ هذه المرحلة من وجهة نظري الأولية وهي: أنما يحصل انهيار لمبنى عربي تاريخي لغوي شامخ مبني على أسس صلبة استبدلت بأسس هشة سيسقط إن استمر على هذا الحال ليكون لوحة منسية لعصر عاش دون ثقافة وإبداع بل انهارت أسسه الثابتة الأصيلة ليكون كوكتيلا ثقافيا هدفه مادي وهزلي بلاجدية، وبلا ازدهار فكري هويته ضائعة.
لذلك معاً لحملة عنوانها دعه يكتب ليتعلم تنقيح ماكتبه،وفق أسس اللغة العربية الفصحى التي تشتكي كتبها آلام الفهم والجفوة، وتشتكي من ضعف أنامل أبنائها، ولنقلب عبارة اقرأ لتكون (أكتب لكي تُقرأ).
كتاب شهد الغلاوين
كتاب أضواء الصالح
عبدالرحمن العوفي
اورهان باموق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.