هل يمكن ربط أحداث الشغب التي شهدتها - مؤخرا - مدن بالجنوبالجزائري طالما عرفت بهدوئها واستقرارها حتى في أوج العنف المسلح الذي شهدته الجزائر مطلع التسعينيات بما يجري شمال مالي على الحدود الجنوبية للبلاد؟ بنفس الطريقة التي ربط بها مراقبون الهجوم الإرهابي الذي تعرض له الموقع الغازي "يتفنتورين" في "عين أمناس" بمسألة فتح الجزائر مجالها الجوي للمقاتلات الفرنسية لضرب معاقل الجهاديين شمال مالي؟ هل يمكن للجماعات الإرهابية أن تمارس التعفين مجددا في الجنوبالجزائري، بولاية غرداية بالتحديد، مسقط رأس الإرهابي مختار بلمختار أو "الأعور" عبر بوابة الطائفية انتقاما لهزيمتها في موقعة عين أمناس بالشكل الذي يخلق بؤرة نزاع جديدة بالنسبة للسلطة في الجزائر تستنفد منها كل الاهتمام والطاقة وتجعلها تدير ظهرها لما يجري على حدودها؟ إمكانية الربط من عدمه بين ما بات يعرف بمنطقة غرداية (550 كلم إلى الجنوب) بالفتنة الطائفية بين أتباع المذهب المالكي والمذهب الإباضي وتداعيات الحرب شمال مالي التي رفضت الجزائر الانخراط فيها بل وشدد وزيرها الأول عبد المالك سلال أن لا جندي جزائريا واحدا سيرسل هناك، لا يمكن تأكيدها كما لا يمكن تجاهلها، لكن الأكيد ان اندلاع هذه الفتنة بين الحين والآخر لا يمكن أن يبشّر بالخير في وقت يقف الجنوبالجزائري على صفيح ساخن منذ تحول جزء من هذا الجنوب إلى مرتع لجماعات الموت ورواق لتنقل السلاح المهرّب من دول الربيع العربي ومسرحا لسلسلة من احتجاجات الشباب هناك الباحث عن فرص عمل ورهينة لمواجهات طائفية بين سكانه الذين تعايشوا في سلام لقرون طويلة دون أن تفّرق بينهم عوامل الزمن. ولعل الأكيد في الأمر أن السلطة في الجزائر تدرك رهانات الجنوب، ومخاطر أن تندلع في بعض مناطقه نزاعات تقوض أركان الحكومة المركزية، ففي الجنوب سكان عرب وبربر، منهم الطوراق الذين دخلوا في علاقات مصاهرة ونسب مع طوارق المالي والنيجر المتاخمة قبائلهما حدود الجزائر، وفي الجنوب أيضا سكان تختلف مذاهبهم، من بينهم الإباضيون المنتشرون في مدن مثل غرداية ووادي ميزاب والمنيعة ولهؤلاء طقوسهم التعبدية وتقاليدهم وأساليبهم في الحياة تختلف كلية عن نظرائهم من أتباع المذهب المالكي الذي تسير على منهجه الجزائر. وتسارع الجزائر في محاولة للملمة بوادر نزاع طائفي لا تريده أن يتفاقم إلى إقرار برامج تنموية موجّهة لشباب ولاية غرداية في محاولة لإدماجهم في الشغل وامتصاص غضبهم. وأجبر الوضع المتردي هناك وزراء في الحكومة الحالية إلى التنقل الأحد إلى منطقة غرداية ل "التشاور حول ملف التنمية وتنفيذ برامج الجنوب" تستفيد منها خمس ولايات من جنوب البلاد هي غرداية والأغواط وبسكرة والوادي وورقلة، ويجري جري الحديث عن تنقل قريب لوزير الداخلية إلى المنطقة في محاولة لوأد استيقاظ الفتنة النائمة. وتطرح العودة المفاجئة لأحداث الشغب بمدينة "مليكة" الواقعة بولاية غرداية الكثير من علامات الاستفهام حول التوقيت الذي اشتعلت فيه مجددا المواجهات بين أبناء المذهبين الإباضي والمالكي في المدينة نفسها منذ الجمعة الماضي وقبلها بأيام بمنطقة "بني ميزاب" أين دخل شباب من الإباضيين مع آخرين من عرب الشعانبة (قبيلة عربية) في مشاحنات قادت إلى استعمال العصي والتراشق بالحجارة استدعت تدخل قوات الأمن . و لعل السؤال الأبرز الذي يجب طرحه هو هل تستجيب المواجهات ذات الصبغة الطائفية التي تخمد ثم تشتعل من جديد ل "مخطط لزرع الفتنة بين المالكيين والإباضيين" ومن المستفيد من الاشتعال المتكرر لفتنة الجنوب بين السكان العرب والإباضيين، بعدما كانت مساعي قادها أعيان المنطقة توجّت بالتوقيع العام 2010 على ما سمي ب "ميثاق المصالحة والتعايش" أنهى حالة من التوتر بين أنصار المذهبين شهدتها منطقة "برّيان" في 31 مايو 2008، قادت إلى أعمال شغب وتخريب أحرقت المنطقة وخلفت ضحايا وجرحى وحملة اعتقالات، وهي الحالة التي استنكرها علنا الرئيس بوتفليقة وراح يحذر في خطاب بمناسبة يوم الطالب العام نفسه من أن بلاده "ستقف بالمرصاد لمن يريدون زرع الانحرافات ونشر الأحقاد والريبة" لافتا أنّ الجزائر "أفشلت جميع مشاريع الفرقة والتقسيم التي تعرضت لها في السابق" وأنها ستبقى "موحدة ولن ينتابها اختلاف مذهبي أو عرقي". الحكومة تنفذ برامج تنموية في «غرداية والأغواط وبسكرة والوادي وورقلة» لدعم الاستقرار وتوجّه السلطة في الجزائر أصابع الاتهام للخارج، دون أن تسمي هذا الخارج أو تصفه، وهو ما جاء على لسان وزير الداخلية الجزائري الأسبق نور الدين يزيد زرهوني عندما صرح للصحافة عقب أحداث "برّيان" العام 2008 أن "عصابة خارجية دبّرت للعنف مع سبق الإصرار" حيث أشار زرهوني الى أن مسؤولين محليين لاحظوا أن "الأفراد الذين خرجوا إلى الشوارع للتخريب وإضرام النار كانت وجوههم ملثمة" وأن مصالحه عثرت في أجهزة الكمبيوتر التي حجزت ببيوت عدد من الشباب "على مناشير تحرض على التطهير العرقي" و إلى جانب مخاطر تنامي النزعة الطائفية في بعض مدن الجنوب، تدرك الجزائر أن منطقة الجنوب تشكّل تحدّيا كبيرا لمستقبل البلاد واستقرارها الأمني والاقتصادي في حال تم التخلي عنها، وهو ما أظهرته سلسلة ما يشبه "الانتفاضات الشعبية" التي قام بها شباب عدد من ولايات الجنوب مثل ورقلة وتمنراست وأدرار تنديدا بسياسات الإقصاء التي تطالهم بالأخص فيما يتعلق بالاستفادة من عقود العمل مع كبريات الشركات النفطية التي تعمل في حقول النفط بالجنوب وتظفر بها اليد العاملة الوافدة من الشمال آخرها الاحتجاجات التي قام شباب مدينة المنيعة التي تقطنها غالبية إباضية في 15 يناير الجاري تنديدا بما اعتبر "سياسة التمييز في التوظيف التي تنتهجها السلطات الإدارية وبعض الشركات الطاقوية العاملة في المنطقة". وسبق للرئيس الجزائري أن أمر بإنشاء صندوق خاص بتنمية الجنوب العام 2005 رصد له ما قيمته 2% من الجباية البترولية، وخصص ما يزيد على 300 مليار دينار (ما يعادل 400 مليون دولار أمريكي) لتدعيم الهياكل القاعدية والتنمية المحلية بالصحراء ضمن برنامجه الضخم لدعم النمو والإنعاش الاقتصادي الذي رصد له غلافا ماليا غير مسبوق منذ استقلال البلاد فاق 280 مليار دولار. أحداث مالي المجاورة للجنوبالجزائري تضاعف الوضع المتوتر الجنوب يتمتع بجمال الطبيعة والمياه ويحتاج الى تنمية شاملة