يشرف وزير الداخلية الجزائري، دحو ولد قابلية، في غضون أيام قليلة على اتفاق يوقعه ممثلو أطراف نزاع «طائفي» دام قرابة عامين في بريان بولاية غرداية (600 كلم جنوب العاصمة) ويُلزم هذه الأطراف تحقيق المصالحة والتعايش السلمي. وأعلنت السلطات المحلية في الولاية أن والي غرداية توصل إلى أرضية اتفاق في بريان مع الأعيان وأعضاء المجتمع المدني، بعد سنة من المفاوضات ومحاولات واسعة للتهدئة. وكان المدير العام للأمن الوطني بالنيابة عبدالعزيز عفاني انتقل خلال الأسبوع المنقضي إلى الولاية لتحضير زيارة ولد قابلية للوقوف على الإتفاق. وولد قابلية هو عرّاب المفاوضات التي تمت بين الفريقين المتنازعين منذ زمن. ونُقل عن عفاني قوله من المدينة إن «الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية مكّنت من عودة الوضع إلى حالته العادية بهذه المنطقة التي شهدت أحداث عنف في 2008 و 2009». وخلّفت أحداث بريان قتلى وجرحى ودماراً كبيراً في المرافق العمومية والأملاك الخاصة. وتفيد تحريات الشرطة أن المواجهة اندلعت بعد اعتداء على أحد المصلّين في مسجد في بريان. وجمعت المشادات بين مئات من الشباب، ينتمي بعضهم إلى المذهب السني ويسمّون «الشعانبة» وبعضهم الآخر ينتمي إلى المذهب الإباضي. الأول يتحدث بالعربية والثاني بالأمازيغية. وتعرض العشرات من الجانبين للاعتقال. وبعد هدوء نسبي، شهدت المنطقة نفسها ربيع العام الماضي أحداثاً مشابهة أخذت بُعداً عُرقياً وخلّفت هي أيضاً قتلى وجرحى وخراباً كبيراً. واعتقلت قوات الأمن العديد من المتورطين في الأحداث، تم الإفراج عنهم في نهاية العام الماضي بمناسبة زيارة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للمنطقة. ويرجح بعض المسؤولين فرضية «اليد الأجنبية» لتفسير الأحداث. وسبق لوزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني أن ذكر أن مصالح الأمن حجزت أجهزة كومبيوتر تحوي مناشير مكتوبة من الخارج تحرّض على الفتنة الطائفية. وقالت السلطات إن «الاتفاق المرتقب الذي سيقوم بإمضائه ممثلو أطراف النزاع في بريان أمام مسؤولين كبار في الدولة سيلزم هذه الأطراف لتحقيق المصالحة والتعايش السلمي الدائم في أجواء يسودها التآخي والمواطنة». وتعتبر الحكومة أن التوصل إلى الإتفاق هو نهاية «ورقة طريق» كانت محل مفاوضات بين مختلف أطراف النزاع في بريان وتم التوقيع عليها في آذار (مارس) 2009 بحضور دحو ولد قابلية الوزير المنتدب السابق للجماعات المحلية والسلطات والمنتخبين المحليين. وتخشى السلطات الجزائرية تجذّر مفهوم «الفتنة الطائفية» في المنطقة عقب أشهر طويلة تجددت خلالها المواجهات مرات عدة. وبعكس قراءات كثيرة في أصل الصراع في منطقة بريان، جاء تفسير الحكومة على لسان ولد قابلية قبل أسابيع بأن «ما وقع ليس له علاقة بالصراع المذهبي ولا يتعلق بالأوضاع الاجتماعية بقدر ما له علاقة بخلفيات حزبية». وتمنى على الصحافة الجزائرية «ألا تزيد من التأثير السلبي بخصوص المسألة التي تبدو (الصحافة) أنها تثير القلاقل ولا تحلها». وخصصت الحكومة الجزائرية مبالغ مالية كبيرة لبعث التنمية في المنطقة جنوب ولاية غرداية والنهوض ببعض القطاعات على خلفية الأحداث التي شهدتها المنطقة، وذلك بناء على تعليمات أصدرها الوزير الأول أحمد أويحيى. وتوجّه هذه المخصصات إلى قطاعات السكن، التكوين المهني، الزراعة، الشبيبة والرياضة، البيئة، كما تقضي بترميم المنشآت المتضررة وإنشاء وحدات سكنية للعائلات المنكوبة والمتضررة من الأحداث واستحداث هياكل جديدة وتعويض الفلاحين المتضررين.