يبني كثير من الناس علاقاتهم مع الآخرين على تصورات وأحكام مسبقة، وقد لا تكون صحيحة بالضرورة. مثلا يطلب منك صديق ترشيح موظف خاص في مكتبه من الجنسية الفلانية، ولما تسأله لماذا هذه الجنسية بالتحديد يقول هؤلاء أمناء ومثابرون فترد ولمَ لا يكون من سيأتيك "بجنسيته فقط" من شواذ هؤلاء القوم وممن لا يوثق فيهم؟ أحد ممن عرفتهم كان لا يسلم شؤونه المالية في أعماله التجارية إلا لأشخاص من جنسية محددة وكنت أقول له لا تكتف بترشيح موظفيك لأقاربهم وأبناء جلدتهم، وكان يرد الرد التقليدي : اسألني أنا "ابخص" بالسوق. وبعد ثماني سنوات من ازدهار أعماله اكتشف اكبر عملية اختلاس مخططة استمرت لسنوات يديرها ثلاثة عاملين أقارب من ذات الجنسية التي طالما تغنى بفضائلها. هو اليوم بعد الدرس القاسي يردد في كل مجلس نصيحة متأخرة وغير صحيحة أيضا بقوله انتبهوا "الجنسية" الفلانية لا يوثق بهم. وبعض الناس تجده يأتيك فيتحدث معك بتكلّف ويتعامل بحذر وتتجاوب معه على سجيتك وبعد فترة من التعاملات الإنسانية الطبيعية بينكم يأتيك طالبا "السموحة" لأنه حين قدم إليك كان في نفسه تصورات أخرى غرسها أشخاص تعارضت أحكامهم ومصالحهم معك. نعم لكل مجموعة اتجاهاتهم وتصوراتهم حول الناس لكن احذر أن تنساق تابعاً فتردّد ما يقولون وتأخذ مواقفك بناء على ما "غرسته" مجموعتك في وعيك عن كل ما حولك. يقول تاجر عقارات كبير: ابتنيت سكناً في حي جميل وتملّكت الأراضي المحيطة بمنزلي لجذب أقاربي وجماعتي بسعر معقول وبقيت ارض مجاورة لي كنت انتظر اصطفاء أحد جماعتي أو أقاربي ليكون جاري الأثير. وبقيت الأرض سنوات حتى اشتراها قريب شاب بغرض السكن. وبعد اشهر فوجئت ذات صباح باكر بأصوات العمال وأدوات الحفر ومعهم مواطن آخر غير قريبي فسألته فقال لقد اشتريت الأرض من "فلان" وأتشرّف بجيرتك فرددت عليه ردا جافّاً وانصرفت. يقول التاجر لم استطع تقبّل هذا الجار الإجباري خاصّة بعد أن تبيّن لي أنّه من "منطقة" لا أتعامل مع أبنائها وفق موروث اجتماعي ثقافي نتداوله في مجالسنا العائلية، وبين خاصة الجماعة. ويكمل التاجر سرد محاولاته لتحويل مسار البيع وحقه في الشفعة وغضبه على قريبه الذي رد عليه بعبارة واحدة "استح على وجهك". يقول صاحبنا بعد عشر سنوات من جيرته لهذا الجار .. "أشهد لله انه أقرب إليّ من اخوي ابن أمي وأبوي" ثم يتبعها بحمد الله وشكره أن كل محاولاته لم تنجح لنبذ جاره أول الأمر بتأثير الثقافة المغروسة والانغلاق. وهكذا لو أن كلاً منّا راجع تصوراته لطابت الحياة والعلاقات بين الناس. فكّر قليلا لماذا تتجنّب " آل فلان" ؟ وما سر إعراضك عن أبناء منطقة "أبو فلان"؟ بل فكّر لماذا لا ترى عيوب "هذا" القريب؟ وما أصل دفاعك الدائم عن ابن الجماعة "ذاك"؟ ترى ماذا لو ثبت خطؤك لأنك بنيت أحكامك على تصورات غير صحيحة؟ **مسارات: قال ومضى: واقع (الخصومة) بيننا ليس العجب، المؤلم أننا لم نراجع يوماً صواب (السبب).