يُمثِّل «العمل المصرفي» حلقة هامة في النشاط الاقتصادي، كما تُمثل «المنتجات المصرفية» على مختلف أشكالها وتنوعها حاجة ضرورية فرضها واقع الحياة المعاصر، ومع تزايد الطلب من قِبل الجمهور للحصول على منتجات تخضع للمعايير الإسلامية، فقد «أسلمت» عدد من البنوك أعمالها المصرفية بشكل كامل وفق الشريعة الإسلامية، فيما اقتربت بنوك ومؤسسات مصرفية أخرى من هذا الهدف، عبر تقديم منتجات ونوافذ مصرفية إسلامية، مع الاحتفاظ بطابعها المصرفي التقليدي، كما تبعها في ذلك عدد من شركات ومؤسسات التأمين والتمويل والبيع بالتقسيط والتأمين التعاوني. وفي هذا الإطار أنشأت تلك البنوك التي تُعد إسلامية أو تلك التي تقدم منتجات مصرفية إسلامية «هيئات شرعية»، لوضع الإجراءات المنظمة لهذا العمل ومراقبة تنفيذه، إلاّ أن عدداً من عملاء بعض البنوك لاحظ وجود تفاوتً في تطبيق إجراءات الهيئات الشرعية، مما طرح أكثر من علامة استفهام؟ في ظل غياب المرجعية الشرعية التنظيمية التي تضمن أداء كافة المصارف والقطاعات المالية، وهو ما يُحتم تطبيق «إجراءات موحدة»، تحمل رؤية واضحة للجميع، أو ترشيح الهيئات الشرعية من جهات محايدة ك»هيئة كبار العلماء» أو «اللجنة الدائمة»، بالتعاون مع لجنة متخصصة في مؤسسة النقد، كما أنه من المهم إنشاء لجنة موازية للجنة الدائمة تعنى ب»المعاملات المصرفية» وتخدم القطاع بشكل كبير، ولا مانع من وجود مؤسسة لتصنيف المؤسسات المالية الإسلامية تقدم مؤشرات وتصنيفات؛ لكي يكون العملاء على بيّنة، وحتى يكون هناك شفافية في التعاملات البنكية. توحيد الفتوى في البداية قال «د.السكاكر»: إن هناك تفاوتاً في إجراءات الهيئات الشرعية في بعض البنوك والمصارف، مضيفاً أن السبب مرده أن الفقه الإسلامي يُبنى على التعددية، كما أن هذا التفاوت يُعد أمراً طبيعياً، وربما تكون هناك صيغ مختلفة لمنتج واحد في أكثر من بنك؛ بسبب أن هذه الهيئة الشرعية تقترح صيغة وتلك تقترح أخرى بينما هو منتج واحد مثل الإجارة المنتهية بالتمليك أو نحو ذلك، مشيراً إلى أن التفاوت أمر طبيعي، لكنه حينما يستمر هذا التفاوت إلى التطبيق فهذا هو غير الطبيعي، وهنا يجب أن يكون هناك تدخل من الجهة المشرفة على هذه البنوك والمصارف، من أجل توحيد الفتوى، ولكي ينتهي الأمر إلى رأي واحد وفق آلية معيّنة. وأوضح «أ.د.الخليل» أن التفاوت الأهم هو في التطبيق، حيث يوجد تفاوت كبير بين البنوك؛ ما بين مدقق وما بين متساهل، لكن بشكل عام هناك دقة في اختيار المذاهب، وهناك دقة في التطبيق بشكل عام وإن تفاوتت من بنك إلى آخر. عمليات شكلية وعلّق «أ.د.العليوي» بخصوص توحيد فتاوى وقرارات الهيئات الشرعية، قائلاً: من الطبيعي أن يوجد الاختلاف والتفاوت، فهناك اختلاف مبرر وجزء من الخلاف يمكن أن يوضع عليه علامة استفهام ويطلب تصحيحه؛ نظراً لأن الفتاوى تأتي عامة في بعض البنوك والتي نقسمها إلى قسمين؛ الأول: بنوك إسلامية أصيلة وخالصة وصافية، وهذه مستوى الجودة الشرعية فيها والفتوى والرقابة الشرعية قوية ومحكمة إلى حد كبير، مضيفاً أنه لا يعني ذلك خلوها من الخطأ، وإن حدث خطأ أو تساهل من موظف فإنه يوجد لديها حساب للأعمال الخيرية لكي تصرف عوائد هذه التجاوزات التي يتم اكتشافها في العمل الخيري، بل ولا تدخلها ضمن أرباح البنك، ما يدل على جديتها وسلامتها من هذا الكسب المحرّم، أما القسم الثاني: فهي بنوك أصلها تقليدي، أي تتعامل بالفائدة، أي بالربا الصريح، وهذه يوجد لديها برامج إسلامية، لافتاً إلى أن النقد الأكبر ينصبّ عليها، نظراً لأنها تأخذ بأسهل الآراء، وأيضاً لأنه لا توجد مراقبة ورقابة ميدانية لتطبيق ما يقال أنه برامج إسلامية ومنتجات إسلامية في هذه البنوك التقليدية وهنا وجه الخلل. وأضاف أن هذا النوع من البنوك يلجأ إلى العمليات الشكلية والصورية وغير الحقيقية والوهمية وكذلك الورقية، وهذا هو الذي دفع بعض المنتقدين للصيرفة الإسلامية إلى عدم تفريقهم للعمل المصرفي الإسلامي الفعلي الحقيقي، الذي نحن نشهده ونؤكد على أنه عمل مصرفي إسلامي حقيقي فعلي، وليس وهمي و»لا ضحك على الذقون» ولا شكلي ولا صوري، بل وليست «مصرفية حِيل» كما يقول بعض الكتاب ونحوهم، مبيناً أنهم يأخذون هذه المعاملات بما يسمى بالنوافذ الإسلامية وينسبونها إلى الصيرفة الإسلامية الحقيقية، ناصحاً بالتفريق والتدقيق في هذا المجال. قول معتبر وذكر «أ.د.العليوي» أنه لكي نقول عن العمل أو المنتج بأنه شرعي ومتوافق مع الضوابط الشرعية لابد أن يكون له مرحلتان؛ الأولى مرحلة الفتوى الصحيحة التي تستقصي أولاً التكييف بالفعل للواقعة المصرفية والاستثمارية والتمويلية، فتتصورها تصوراً صحيحاً مطابقاً للواقع، وهذه مرحلة مبدئية لابد أن توجد وأحياناً يوجد التفاوت فيها، مضيفاً أن المرحلة الثانية هو تنزيل الحكم الشرعي على هذا التوصيف والتكييف، وهذه نسميها كلها مرحلة الفتوى، مبيناً أنه يأتي بعد ذلك مرحلة التطبيق والرقابة، حيث لابد أن تشمل البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية المصارف ومؤسسات التأمين وشركات التمويل وشركات البيع بالتقسيط والتأمين التعاوني ونحو ذلك من المجالات، وإن كان أهمها وأكثر وضوحاً المصارف والبنوك، لافتاً إلى أنه تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الرقابة الميدانية بمعنى أن يوجد هناك موظفون مؤهلون من الناحية الشرعية ومن الناحية المصرفية في الرقابة الفعلية، وأن تكون متطابقة مع الفتاوى والقرارات الصادرة من الهيئات الشرعية واللجان الشرعية. اتضاح الرؤية للعميل من الناحية الشرعية يمنحه الاطمئنان وحول اختلاف البنوك في تطبيق الإجراءات الشرعية على المعاملات، قال: هناك قاعدة أنه لا ينبغي أن توصف العملية الاستثمارية والمصرفية أنها شرعية وإسلامية بإجماع العلماء عليها؛ لأننا في الحقيقة نمارس في أعمالنا الشرعية المختلفة في الصلاة وفي الزكاة وفي الصيام وفي المناسك وفي الأحوال الشخصية ونحوها مسائل مختلف فيها، وبالتالي ينبغي أن يفهم الناس أنه أيضاً في المعاملات المصرفية هناك مسائل مختلف فيها، إذاً لا يلزم أن يكون هناك إجماع حتى توصف أنها شرعية، إنما لابد أن يكون هناك قول معتبر صحيح أفتى به ثقات، واستند البنك والمؤسسة المالية على رأيهم الشرعي، وبالتالي توصف أنها شرعية. اختيار الأعضاء وفيما يتعلق بأن البنوك تتفاوت في التطبيق ذكر «أ.د.العليوي» أن هناك تفاوتاً في البنوك من ناحية إجراءات الهيئات الشرعية، مثل ما يتفاوت الأفراد العاديون في التزامهم الديني والشرعي والإسلامي، لكن هذا التفاوت لا ينزع عن هذه البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وصف الإسلامية، إلاّ إذا صارت أصيلة في تعاملهم ورسمية ومقرة وصارت ظاهرة بحيث أنها تنزع وصف الإسلامية، أما ما دامت التجاوزات ليست مقصودة وليست ظاهرة وليست أصيلة ولا رسمية في عملهم، فهذا لا ينزع عنها وصف الإسلامية، مضيفاً أن البنوك الإسلامية متفاوتة في مدى درجة التزامها الشرعي، فبعضها نستطيع أن نصنفها أنها أكثر التزاماً من الناحية الشرعية من البنك الآخر؛ لأنه يدقق ولأنه يراجع ولأنه يحتاط، فكل هذه العمليات مؤثرة في مدى ترتيب هذه البنوك، مبيناً أن جميعها نستطيع أن نقول إنه يتمتع بوصف الإسلامية. وتداخل «د.المسلّم» قائلاً: إن ما يعترض الهيئات من المشكلات والعقبات هو التفاوت بين الهيئات الشرعية في آلية اتخاذ القرار وتطبيقه من هيئة إلى أخرى، مضيفاً أن لذلك أسباب أهمها أن البنك أو مجلس إدارة الشركة هو من يتولى اختيار أعضاء الهيئة الشرعية، وفي الغالب أن البنك لن يختار إلاّ من يجد فيه الصفات التي تتوافق مع ما يريد، مع أننا لا ننكر وجود هيئات شرعية محايدة إلى حد كبير، موضحاً أن هناك اختلافاً في تطبيق قرارات الهيئات الشرعية من مؤسسة إلى أخرى، وسببه عدم أهلية الموظفين التنفيذيين في المصارف لفهم القرارات والفتاوى من جهة، وعدم وضوح القرار وفقدانه للصياغة المحاسبية الاجرائية من جهة أخرى، فتجد أن الفتوى أو القرار من الهيئة الشرعية يحمل طابع التنظير الفقهي الذي لا يفهمه الموظف الذي يؤدي العمل بموجبه. فريق متكامل وقال «أ.د.اليحيى»: نستطيع أن نقسم هذه الأنظمة إلى قسمين الأول؛ نظام العلاقة بين مجلس إدارة البنك وبين الهيئة الشرعية، والثاني نظام ومراحل صدور قرار الهيئة الشرعية وخلفياته، مضيفاً أن نظام العلاقة متفاوت وإن كان التفاوت في الثاني أكثر، مضيفاً أننا نجد التفاوت في العلاقة بين مجلس الإدارة وبين الهيئة الشرعية، حيث إن بعض البنوك تضع هيئات شرعية إنما هي صورية، وهنا تكون العلاقة صورية، وهناك ما هو أكبر من هذا وهي أن تلتزم بها، أو تعينها كهيئة فتوى فقط، أو تعينها كدرجة فتوى وتلتزم بها وتعطيها صلاحيات قوية، أما الدرجة الرابعة وهي الأفضل والأقوى أن تكون هناك هيئة شرعية ورقابة شرعية، مؤكداً على أنه حينما ننتقل إلى النظام الآخر، وهذا فيه أيضاً تفاوت، وهو مراحل صدور قرار الهيئة وخلفياته، نجد أن بعض الهيئات الشرعية يصدر القرار من خلال لقاء ربما يكون ليس هناك ما يدعمه من بحوث ومن باحثين ومساعدي باحثين وغير ذلك، فهناك بعض البنوك تقتصر على مجرد ثلاث أو أربعة من بعض أهل العلم، وربما تختلف مستوياتهم الشرعية، وقد تكون جيدة وقد تكون غير جيدة، وحتى لو كانت جيدة ليس هناك فريق يعمل ليهيئ لهذه الهيئة الشرعية البحوث والدراسات، وهذا يوجد في بعض البنوك. وأثنى على بعض البنوك التي أنشأت جهازاً كبيراً أو فريقاً متكاملاً، بحيث تكون اجتماعات الهيئة الشرعية بعد أن تكون المسألة قد دُرست وأُعدت فيها بحوث جيدة. وتداخل «أ.د.الخليل» قائلاً: لا نستطيع أن نقول إنه لا توجد مخالفات، فالناس يحدثونك باختلافات وإخفاقات في تطبيق إجراءات الهيئات الشرعية، وهذا يرجع بالدرجة الأولى لمسألة ضعف دور إدارة الرقابة في بعض البنوك، أو عدم وجودها، وهذه علامة استفهام كبيرة، مضيفاً أن جدية البنوك ذات النوافذ الإسلامية التي لديها معاملات ربوية ونوافذ إسلامية في أسلمة المعاملات ليست قوية، بدليل أنها ما أسلمت جميع المعاملات، ومن هنا يأتي الخلل في تنفيذ الإجراءات التي نصت عليها الهيئات الشرعية التابعة لهذه البنوك. عدم تطبيق الفتوى! وحول وجود التجاوزات لدى البنوك أوضح «أ.د.اليحيى» أن التجاوزات ستوجد إذا لم يكن هناك رقابة شرعية، مضيفاً أن هناك هيئة شرعية وهناك رقابة شرعية، موضحاً أن هناك عدداً لا يستهان به من البنوك الإسلامية لديها هيئات شرعية بينما لا يوجد لديها رقابة شرعية، وأحياناً يوجد لديها جهاز رقابة ضعيف جداًّ، من خلال موظف واحد يسمونه «مراقب شرعي»، وفي هذه الحالة توجد تجاوزات كثيرة، بمعنى أن الهيئة الشرعية تصدر فتواها في المنتج المصرفي كالمرابحة والتأجير المنتهي بالتمليك وغير ذلك من المنتجات المصرفية ثم يوجد عدم تطبيق لهذه الفتوى، فمثلاً في المرابحة يشترط تملك البنك للسلعة، وأحياناً البنك لا يتملك السلعة، وهنا لا يكون تورقاً حقيقياً وإنما هو تورق صوري، كونه شبيه بمسألة العينة، وهو تحايل على الربا، وبالتالي هو قرض ربوي وقد منعه مجمع الفقه الإسلامي. وفيما يتعلق بالمنهجية التي تنتهجها الهيئات الشرعية في أخذها بالرأي في مسألة مصرفية أو مالية، ذكر أنه ليس هناك إجماع في مسائل كثيرة، وحسب البنك أنه إذا وضع هيئة شرعية ذات كفاءة ولا يمارس عليها ضغوط، ولا يمارس عليها وصاية، ويأخذ بآرائها بحيادية، ولها كامل الاستقلال ويلتزم بها، فقد فعل ما وجب عليه، فلا نطالبه بأكثر من ذلك، ولا نحاكمه إلى آرائنا، أو إلى أي فتوى من الفتاوى وإن كانت مشهورة، ما دام أن هذه فتوى الهيئة الشرعية التي هذه هي صفاتها وهكذا التزم بها، مشدداً على أهمية أن تنظر الهيئات الشرعية وفقاً للمنهج الصحيح في الاجتهاد في هذه المسائل. هيئات مستقلة وأكد «أ.د.اليحيى» على أن قضية الهيئات الشرعية والرقابة الشرعية قد بُحثت في المجامع الفقهية، وصدر في بعضها قرارات، وكذلك نوقشت في مؤتمرات منها مؤتمر المصارف الإسلامية في دبي، ومؤتمر الخدمات المالية الإسلامية في طرابلس، وفي ندوة البركة، كذلك نصت عليه هيئة المعايير الشرعية في أحد فقراتها، مضيفاً أن هناك توصيات أن تكون الهيئة الشرعية موحدة في كل بلد، وتكون مرجعيتها المرجعة الشرعية في ذلك البلد، كهيئة كبار العلماء أو سماحة المفتي، بحيث تكون هناك هيئة شرعية موحدة للبنوك الإسلامية وللنوافذ الإسلامية في المملكة، مضيفاً أن الميزة هنا أمور منها أن تكون هذه الهيئات الشرعية مستقلة، وأن لا تكون متصلة وظيفياً بالبنك، مبيناً أنهم يُحسنون الظن بأعضاء الهيئة الشرعية من حيث ارتباطهم المالي بهذه البنوك، لكن مع كل هذا فإن الاستقلال سوف يكون أفضل، بل ويعطي الهيئة الشرعية استقلالاً أكبر حينما تنفصل مالياً وإدارياً عن البنك، ذاكراً أنه يمكن الإفادة من المقاربة وليس توحيد الفتوى، فقد يختلف المنتج من بنك إلى آخر، لافتاً إلى أنه خطت بعض الدول فجعلت في البنك المركزي والذي يناظره لدينا في المملكة مؤسسة النقد وضعت مرجعية شرعية ترجع إليها الهيئات الشرعية، أو تحاكم المنتجات المصرفية من خلالها، مبيناً أننا لازلنا نجد أن الهيئات الشرعية تابعة للبنوك. نحتاج إلى جهد أكبر لمؤسسة النقد وإنشاء «لجنة شرعية» مستقلة لخدمة «المعاملات المصرفية» وأضاف: هناك نقطة مهمة وهي انتقاد بعض المصرفيين الغربيين تكرار بعض الشخصيات في عدد كبير جداً من الهيئات الشرعية، ويتساءلون: كيف يمكن لهذا العضو أن يدرس المسائل التي تعرض عليه في جميع هذه البنوك؟، التي تتجاوز أحياناً (50) مؤسسة مصرفية، فضلاً عن الرقابة وغير ذلك. لجنة موازية وأيد «أ.د.الخليل» بقوة عدم انضمام الهيئات الشرعية تحت الطاقم الإداري للبنوك، مقترحاً أن يتفضل سماحة المفتي إنشاء لجنة موازية للجنة الدائمة تعنى بالمعاملات المصرفية فقط، وتخدم قطاع البنوك داخل المملكة وخارجها، للخروج برؤية واضحة، حيث أن اللجنة الدائمة الآن لديها الكثير من الفتاوى وتشابكها ودقتها في المعاملات المصرفية. وتداخل «د.السكاكر» قائلاً: في نظري أن أكثر الاشكالات الموجودة على البنوك والمصارف والنوافذ الإسلامية من جهة التفاوت في الفتوى أو التجاوزات في التطبيق؛ مبنية على عدم أداء مؤسسة النقد المشرفة على البنوك بدورها، فحينما تركت مؤسسة النقد دورها فإن البنوك الإسلامية أو البنوك التي افتتحت نوافذ إسلامية فعلت الدور نفسه، مضيفاً أنه من المعروف في معايير الجودة العالمية أن التقييم لابد أن يكون من جهات محايدة، والضبط يجب أن يكون بعيد عن مواطن تعارض المصالح، ذاكراً أنه من غير المناسب أن تكون الجهة التي تعيّن وتقترح وتدفع الأموال هي نفس الجهة المستفيدة، وبلاشك أن هذا لا يتضمن بأي حال من الأحوال اتهام، لكن أحياناً المصرف يكتب صيغ يختفي فيها جانب التحايل وإن كانت مصارف إسلامية، فهي فلسفة قائمة أصلاً على فكرة رأس مالية، وبعض المصارف أصلاً فكرتها تُبنى على الربا، فحينما تكون هذه أصل فلسفة المصارف من جهة يضاف عليها ما جُبل عليه الإنسان من الرغبة في المال والثراء والأرباح، كل هذه تضغط على القائمين على البنك من أجل أن ينفذوا برامج تكون خطورتها أقل وعوائدها أكثر وأن تسوّغ هذه بفتاوى. لا يزال اختيار بعض «الأعضاء» بناءً على معايير «المصالح الربحية» وزيادة الطلب يبرر التساهل أحياناً ضغط كبير وأوضح «أ.د.العليوي» أن بعض الدراسات أشارت إلى أن العاملين في الهيئات الشرعية في حدود (1000) وظيفة، يشغلها (200) شخص، ويشغل (20) شخصاً منهم أغلب هذه المهام، وهذا ما يشكل عنصر ضغط كبير عليهم، مضيفاً أن الوقت والجهد البشري لا يكفيان، لذا ينبغي فتح المجال للصفين الثاني والثالث من المتخصصين في فقه المعاملات وفي الاقتصاد الإسلامي، لكي يكون لهم تواجدهم ودورهم مع الاحتفاظ بالرواد، مطالباً بوجود مؤسسة لتصنيف المؤسسات المالية الإسلامية تقدم مؤشرات وتصنيفات منشورة عنها لكي يكون العملاء على بينة، وحتى يكون هناك شفافية، وتكون هذه المؤسسات على غرار مؤسسات التصنيف المالية الدولية مثل مؤسسة «موديز» للتصنيف المالي. وأشار «أ.د.اليحيى» إلى أن تقرير المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أوضح أن عدد الفقهاء الحالي ينحصر في (621) عالماً، يشغلون مناصب شرعية في (478) مؤسسة مالية، بينما الاحتياجات الفعلية للصيرفة الإسلامية في الوقت الراهن ترتفع إلى (2390) عضواً شرعياً، على افتراض توافر خمسة أعضاء في كل هيئة شرعية، وكذلك افتراض عدم تكرار العضوية في أكثر من مؤسسة، مبيناً أن التقرير أشار إلى أن الوضع الحالي يشهد تكراراً لافتاً لبعض الفقهاء في عضوية عدد من المؤسسات المالية الإسلامية، قفز لدى طائفة منهم ما بين (70-100) عضوية، فضلاً عن آخرين دون ذلك. العملاء يستغربون تفاوت الفتاوى من بنك إلى آخر وأضاف: هذا التكرار في عضوية الهيئات الشرعية كان محل نقد ودهشة لدى بعض مراكز البحوث المصرفية الغربية، متسائلةً عن إمكانية إحاطة العضو بتفاصيل ما يعرض عليه في جميع هذه الهيئات ليُصدر رأيه الفقهي فيها، لاسيما وأنها عمليات مصرفية معقدة، ولا شك أن المراكز الغربية أكثر عناية بمعايير الجودة والشفافية. جهات محايدة وذكر «أ.د.اليحيى» أن المصرفية الإسلامية تنامت بفضل الله تعالى على نطاقٍ واسع، إذ يُقدر حجم سوق رأس المال الإسلامي في العالم بترليون دولار أمريكي، وعلى الرغم من أن المصرفية الإسلامية تُعد حديثة عهد بالنسبة إلى غيرها، حيث يؤرّخ انطلاقها في حدود عام 1971م، إلاّ أنها الآن تربو على (300) مؤسسة تنتشر في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع نمو هذه الأموال إلى (1.85) تريليون دولار في عام 2013م، أي بنسبة نمو (24%) سنوياً، مضيفاً أن هذا الحجم والنمو يحتّم وقوف المصرفية الإسلامية مع نفسها لئلا يجرّها الطلب عليها والاتجاه إليها إلى الهرولة دون نظر، وإلى إصدار المنتجات المصرفية بأدنى مواصفات الضبط الشرعي. د. الخليل: استقلالية «الهيئة الشرعية» عن إدارة البنك يحد من التأثير! واقترح «د.المسلّم» أن يتم ترشيح الهيئات الشرعية من جهات محايدة كهيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة بالتعاون مع لجنة متخصصة في مؤسسة النقد، إضافة إلى عمل دورات للموظفين التنفيذيين المباشرين تجمع بين الفقه الاسلامي والمعاملات المالية المعاصرة، وتركز على التعريف بالمصطلحات الفقهية إلى جانب المصطلحات المحاسبية، داعياً إلى تكوين لجنة متخصصة رسمية من فقهاء الشريعة ومحاسبين متخصصين تابعين لمؤسسة النقد ترتبط بها الهيئات الشرعية، وتشرف على قراراتها وفتاواها، إلى جانب العمل على التسريع بتحويل الهيئات الشرعية من مجرد الاستشارة والفتوى إلى لجان رقابة شرعية تراقب مدى تطبيق القرارات الشرعية، مشدداً على أهمية العمل على إنشاء مراكز بحثية متخصصة في المعاملات المالية تمول من قبل البنوك، ويكون عملها مساعدة الهيئات الشرعية في عملها من دراسات وجمع معلومات وغيرها. د. السكاكر: يجب أن يكون الضبط بعيداً عن «تعارض المصالح»! نزع الرأي الفقهي لتصحيح معاملة مالية! كشف "أ.د.فهد اليحيى" عن توصيات بحث مقدم إلى المؤتمر السابع للاقتصاد الإسلامي بعنوان: "ضوابط الاختيار بين أقوال الفقهاء في الاقتصاد الإسلامي"، ومن ضمن ما ركزت توصيات البحث عليه أن يكون الاختيار بين الأقوال ليس اختياراً مجرداً بين أقوال الفقهاء؛ لأننا نلاحظ في بعض اختيارات وقرارات بعض الهيئات الشرعية أنها تأخذ رأياً من الآراء الفقهية، تنتزعه انتزاعاً من كتب الفقهاء من أجل تصحيح معاملة معينة، مع أن هذا الرأي قد يوصف بأنه شاذ؛ والسبب أنهم اختاروا هذا القول اختياراً مجرداً ليكون مخرجاً لهم ليأخذوا به، مع أن الاختيار المجرد لا يجوز في حق المجتهد، بل يجب على المجتهد أن يختار وفق الدليل والمنهج الصحيح. وقال:"أتمنّى من الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية عموماً -حتى ذات الرقابة القوية- أن يكون لديها شفافية وتواصل مع الجمهور ومع العملاء، من خلال خط ساخن يربط الجمهور مع الجهة الشرعية أو الجهاز الشرعي في البنك، للإبلاغ عن أي تجاوز يجده العملاء في تعاملاتهم مع البنك، أو أي استفسارات حول هذه التعاملات". وشدّد "أ.د.راشد العليوي" على أهمية وجود مواصفات للهيئات الشرعية انطلاقاً من مبدأ تنظيم الهيئات، مضيفاً أن البنوك والمؤسسات المالية الكبرى ينبغي أن تكون الهيئات الشرعية فيها قوية، وينبغي أن لا تقل أعدادهم عن خمسة أشخاص على الأقل، وإن كانوا سبعة فذلك أفضل، مؤكداً على أنه كل ما كثُر عدد أعضاء الهيئة الشرعية وكانوا من المتمكنين في الاقتصاد الإسلامي وفي فقه المعاملات في الجوانب النظرية والتطبيقية أدى ذلك إلى خروج قرارات وفتاوى محكمة ومتقنة ومفيدة للعمل المصرفي الإسلامي. وأشار إلى أن ما نلاحظه من بعض المؤسسات المالية إكتفائها بمستشار واحد، أو تضيف إليه ثانياً، وربما تعززه بثالث، وهي بنوك كبيرة جداًّ، وهو ما يُعد قلة في الهيئة الشرعية، موضحاً أنه إذا كانت مؤسسات مالية صغيرة ومحدودة فيمكن قبول الواحد أو الاثنين فيها. مرجعية مؤسسة النقد في تقنين الصيغ! أوضح «أ.د.عبدالله السكاكر» أن مؤسسة النقد إذا لم تؤد دورها في توحيد الفتوى وتقنين الصيغ والإلزام بها والمحاكمة إليها؛ فإن المشكلة سوف تستمر، مستدركاً أن المؤسسة ليست الجهة المخولة في الفتوى، لكن كما هو معمول به في جميع أجهزة الدولة ووزاراتها أن هناك جهات لسن القوانين والأنظمة، مضيفاً أنه فيما يتعلق بقوانين الصيرفة الإسلامية فإن على مؤسسة النقد المساهمة مع هيئة الخبراء ومع الجهات الأخرى من أجل تقنينها. وقال:»هناك أكثر من جهة يمكن أن تكون مرجعية، فلدينا المجامع الفقهية مثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ولدينا هيئة كبار العلماء، وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء، بل ولدينا أيضاً مجمع الفقه السعودي الذي صدرت به التوجيهات الكريمة من خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، ونحن بانتظار البشارة بميلاده، إذ يمكن أن تكون هناك دائرة في المجمع للفتاوى المصرفية الإسلامية، تصبح هي المرجعية للصيغ التي تقننها مؤسسة النقد وتلزم بها، لكي تكون موحدة وصادرة عن جهة محايدة ومستقلة تماماً»، مؤكداً على أن البنوك لن تحتاج إلى أن تضع هيئات شرعية أو وجود تفاوت في الفتاوى، مشيراً إلى أن هناك دولاً يتولى فيها البنك المركزي تقنين الفتوى للصيرفة الإسلامية. د. العليوي: لا يشترط الإجماع حتى يكون الإجراء شرعياً ولكن الأهم «الرقابة» على المنتج بعد الفتوى وقال «أ.د.راشد العليوي»: ينبغي أن توجد في مؤسسة النقد هيئة شرعية كبيرة ومؤهلة ومتنوعة التخصصات، كما ينبغي أن توجد أنظمة وقوانين، حيث لا يوجد قانون منظم لأعمال وعمليات ومعاملات المصارف الإسلامية عدا ما يوجد على شكل تعاميم وتعليمات، موضحاً أنه لا يوجد نظام متكامل في المملكة، مؤكداً على أنه يوجد قانون منظم للمصارف التقليدية، ومن المتوقع أن يصدر، وسوف يتم توجيه البنوك التقليدية أن «تؤسلم» عملياتها، وهذا هو الواجب من الناحية الشرعية. تجاهل واجتهاد أم معاصرة وتقليد؟ أوضح «أ.د.عبدالله السكاكر» أن البنوك تنقسم إلى قسمين؛ بنوك وضعت لها منهجاً ورسمت لها طريقاً في الصيرفة الإسلامية وهي ملتزمة بهذا الأمر، وهناك بنوك أخرى تقليدية فتحت نوافذ للصيرفة الإسلامية سواء كان هذا رغبة في تلبية حاجة العملاء أو في اجتذاب رؤوس الأموال، مضيفاً أن هناك تفاوتاً بين بنك تقليدي يفتح نافذة للصيرفة الإسلامية وبين بنك أصلاً هذا منهجه وطريقته في الصيرفة، ذاكراً أن هناك تجاوزات لا إشكال في وجودها، لكن ليس معنى هذا أن التجاوزات وصلت إلى حد الظاهرة في الجملة. د. اليحيى: إذا وضع البنك «هيئة شرعية» ذات كفاءة ولم يُمارس عليها الضغوط فقد فعل المطلوب منه وقال:»توجد تجاوزات في البنوك التي تلتزم بالخط الشرعي في معاملاتها، ربما تكون شخصية أحياناً من أحد الموظفين، لكن في الجملة درجة الالتزام عندها عالية بفتاوى الهيئات الشرعية»، مؤكداً على أنه في البنوك التقليدية يكون التجاوز أوسع، مشيراً إلى أنها افتتحت النوافذ تحت ضغط معين، ويمكن أن يكون التجاوز فيها أكبر أو أوسع، معتبراً ذلك مؤشرا على أهمية وجود جهة رقابية إشرافية تنظم عمل هذه البنوك وتشرف على تطبيقها. د. المسلم: لماذا لا يتم ترشيح الهيئات الشرعية من جهات محايدة؟ وحول تطبيق البنوك لإجراءات الهيئات الشرعية أكد «أ.د.أحمد الخليل» على أن هذه الفقرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود إدارات الرقابة، مضيفاً: «أي بنك اسلامي لا توجد به إدارة رقابة قوية ومفعلة ومدعومة من إدارة البنك فهو قليل المصداقية؛ لأنه إذا كان يريد أسلمة المعاملات فما الذي يحول بينه وبين إدارة رقابة قوية وشديدة؟». وأشار إلى أن اختلاف فتاوى الهيئات الشرعية ينبغي معه أن يتقبل الناس وتتسع صدورهم لاختلاف وجهات النظر المبني على اختلاف أهل العلم في المسائل، وذلك متى كان الاختلاف ضمن حدود الخلاف العلمي المقبول، ولم ينزلق تحت التساهل غير المقبول من جمهور الباحثين في المعاملات المالية المعاصرة. المشاركون في الندوة أ. د. راشد العليوي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القصيم أ. د. فهد اليحيى أستاذ الفقه بجامعة القصيم وباحث في المصرفية الإسلامية أ. د. أحمد الخليل أستاذ الفقه بجامعة القصيم د. عبدالله السكاكر أستاذ الفقه المشارك بجامعة القصيم د. صالح المسلّم أستاذ مساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم أحكام التورق في تمويل قروض المساكن لاتزال متفاوتة بين بنك وآخر