تتولى الهيئات الشرعية - المشرفة على جميع المعاملات الإسلامية داخل البنوك - إجازة المنتجات والمعاملات ومراقبتها بحسب التعاليم الإسلامية، إلى جانب متابعة مستجدات الإجراءات المالية في البنوك بين لحظة وأخرى؛ للتأكد من تطبيق توصياتها ورؤيتها الشرعية. ومن منطلق تلك الأهمية الكبيرة والمهام المتعددة لتلك الهيئات؛ فقد عقدت الندوات والمؤتمرات، وأنشئت الدراسات والبحوث للعمل على تطويرها وتحسين طرق أدائها، كما اتسعت في السنوات الأخيرة دائرة النقاش حول توحيد الهيئات الشرعية في البنوك المحلية في هيئة واحدة تتولى تطبيق تلك المهام. ويعد نموذج المصرفية الإسلامية اليوم النموذج المهيمن على الخدمات المصرفية للأفراد، حيث تمثّل المصرفية الإسلامية نحو 95 في المائة من مجمل أعمال مصرفية الأفراد، كما ارتفع حجم قطاع المصرفية الإسلامية من 260 مليون دولار عام 2000م؛ ليصل إلى تريليون دولار في الوقت الحاضر. «الرياض» ومن خلال هذا التحقيق تنقل مطالبة عدد من خبراء الصيرفة الإسلامية بضرورة توحيد الهيئات الشرعية في البنوك. تشرف عليها مؤسسة النقد وتضم نخبة من «العلماء» يتولون فتاوى المعاملات المصرفية و«مختصين» يضعون الاستراتيجيات المستقبلية توحيد الهيئات بداية امتدح الشيخ «صالح بن عبدالله كامل» -رئيس مجلس الغرف السعودية ورئيس غرفة جدة - البنوك والمصارف الإسلامية بالعالمين العربي والإسلامي ودورها في الحركة المصرفية والاستثمارية، مؤكداً خلال حديث سابق على أهمية توحيد الهيئات الشرعية في البنوك السعودية، وضرورة أن تكون هناك هيئة للتصنيف الشرعي لكل الأدوات المطروحة في السوق ويعلن عنها للجمهور ويقتضي التصنيف إيجاد البديل الصحيح الذي لا يتأتى إلاّ عن طريق سوق للأوراق المالية الإسلامية التي تحمل أصولاً منتجة ومدرة للدخل، مؤكداً على أنّ البنوك والتمويل جزء من الاقتصاد الإسلامي الذي يبدأ بأن المال مال الله ونحن مستخلفون، ونحن ملزمون بتنفيذ أوامر المالك في اكتساب المال وصرفه ولهيئات الرقابة الشرعية دور كبير في ضبط عمل المصارف، مطالباً بأن تسارع مؤسسة النقد العربي السعودي بتطبيق ذلك. رقابة شرعية وقال: «توجد هيئة شرعية موحدة مطبقة في السودان وماليزيا وعدد من الدول الإسلامية، ونطالب أن تكون موجودة أيضاً في المملكة، وتستند إليها مؤسسة النقد العربي السعودي، كما نطالب بوجود هيئة رقابة شرعية في كل مصرف حتى يطمئن المسلمون على أموالهم وودائعهم»، مشيراً إلى أنّ الاقتصاد الإسلامي ظلم مرتين، الأولى عندما اعتقد البعض أنه ينحصر في البنوك الإسلامية أو التمويل فقط، والثانية عندما تمت مناقشته في جلسة صباحية مبكرة لم تحظ بحضور كبير في منتدى جدة الاقتصادي، مؤكداً على أنّ الاقتصاد الإسلامي فقه كبير يستشري في حياتنا اليومية، وهو -للأسف- لم يظلم من الاقتصاديين أو الشرعيين فقط، بل من كل الأمة فنحن نقرأ القرآن ولا نتدبره. رسالة وتجارة وأوضح أنّ البنوك الإسلامية عندما بدأت قبل (38) عاماً كانت رسالة وتجارة، حيث كانت تملك في ذاك الوقت مستودعات وتمارس البيع والشراء، لكن في الوقت الحالي لو نظرنا إلى الهيكل التنظيمي للبنوك الحالية لا توجد إدارة مشتريات، داعياً إلى إنشاء هيئة شرعية موحدة للبنوك السعودية مع وجود رقابة ذاتية شرعية لكل بنك، مشيرا إلى أنّ أفضل علاج للبطالة في العالم الإسلامي يتمثل في تطبيق الاقتصاد الإسلامي؛ وأوله الزكاة وفق المصارف الثمانية التي حددها الله سبحانه وتعالى. هيئة مركزية وفي حديث ذي صلة أكد «فضل بن سعد البوعينين» -باحث اقتصادي ومحلل مالي- على ضرورة توحيد الهيئات الشرعية باعتبار أنّ المصرفية الإسلامية تطورت بشكل مطرد خلال السنوات القليلة الماضية، وتشعبت حتى صارت أكثر تعقيداً من ذي قبل الأمر الذي يستدعي وجود هيئة شرعية مركزية للمصرفية الإسلامية تنبثق منها لجان خاصة يكون من ضمنها لجنة دائمة لفتاوى المعاملات المصرفية، ولجنة تهتم بوضع الاستراتيجيات التي تكفل التحول التام نحو المصرفية الإسلامية لجميع البنوك السعودية؛ وبذلك تتصدى اللجنة الشرعية المركزية للفتاوى الخاصة بأحكام المعاملات المصرفية وتكون المرجع الأوحد في البلاد. إشكاليات الفتوى وأوضح أنّ مركزية الهيئة الشرعية تلغي الكثير من الإشكالات التي قد تحدث في مجال الفتوى، والمرتبطة ببعض منتجات المصرفية الإسلامية، وتلغي في الوقت نفسه الاختلاف الذي يحدث بين الهيئات الشرعية في المملكة تجاه منتج معين؛ حيث إنّ اختلاف العلماء رحمة، إلا أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى لغط عام، وتشكيك قد يؤثر سلباً في قناعة المواطنين بما يصدر عن بعض الهيئات الشرعية، وعلى الرغم من أن اختلاف رؤية هيئات البنوك الشرعية تجاه مسألة فقهية أمر طبيعي، ويعتمد على تأصيل شرعي، إلاّ أنّ العامة قد لا يعون ذلك، ما يؤثر سلبا في ثقتهم تجاه بعض منتجات المصرفية الإسلامية. المنتجات المصرفية وأكد «البوعينين» على أنّ الوقت قد أزف لإنشاء هيئة شرعية مركزية للمعاملات المصرفية، على أن يكون من بين أعضائها مختصون في المصرفية التقليدية والإسلامية لتوضيح الصورة الكاملة حول المنتجات المصرفية المعقدة التي يصعب على كثير من خبراء المصارف استيعابها، فكيف بعلماء الشريعة، مشيراً إلى أنه في الفترة الماضية، كانت المصارف الإسلامية، والتقليدية التي تقدم المنتجات الإسلامية في حاجة إلى تطوير منتجات جديدة، والتوسع فيها، وبناء منتجاتها الإسلامية على قاعدة شرعية صلبة تؤهلها للاستمرار في هذا المجال؛ إضافة إلى أنّ العملاء كانوا في حاجة مستمرة لوجود الهيئات الشرعية لما في ذلك من زيادة الثقة في معاملاتهم المالية التي لم يكن ليطرقوها لولا وجود تلك الهيئات. هيئات رقابية وأشار إلى أنّ الأمر بات مختلفاً هذه الأيام، فجميع منتجات المصرفية الإسلامية باتت معروفة ومجازة من قبل الهيئات الشرعية، وهي لا تحتاج إلا إلى جمعها في كتاب متخصص يمكن أن يكون مرجعا ثابتا للجميع، كما أن المصارف السعودية باتت متمرسة في هذا الجانب، واكتسبت من الخبرة ما يجعلها قادرة على الاستمرار وفق ما لديها من تعليمات وفتاوى فقهية بمعزل عن الهيئات؛ ونستثني من هذا المنتجات المُستحدثة التي يمكن أن تُعرض على الهيئات المتخصصة بشكل مستقل؛ وهذا ما يدعم رأي وجوب إنشاء هيئة شرعية مركزية، واستبدال الهيئات الشرعية في البنوك بهيئات رقابية متخصصة للتأكد من سلامة المعاملات المصرفية الإسلامية، وتوافقها مع الفتاوى الشرعية المجيزة لها. الصلاحيات ودعا «البوعينين» إلى إنشاء هيئة شرعية مركزية للمصرفية الإسلامية مرتبطة بالمؤسسة الدينية، والاكتفاء بها عن الهيئات واللجان الخاصة بالبنوك، والعمل وفق منهج لا يسمح بوجود الاختلافات في القطاع الواحد، وخفض التكاليف، إضافة إلى التركيز والتخصص وفصل الصلاحيات، والاستقلالية، مطالباً بإنشاء هيئة شرعية استشارية، وأخرى رقابية في مؤسسة النقد العربي السعودي، حيث إن المؤسسة هي الجهة المشرفة على القطاع المصرفي، إلا أن إشرافها غير فاعل في الجانب الشرعي، وبخاصة في الجانب التنفيذي المرتبط بالمنتجات الإسلامية، لذا يجب أن تكون لديها هيئة شرعية رقابية تتولى مسؤولية مراقبة القطاع المصرفي في جانب «المصرفية الإسلامية»؛ لمنع أية تجاوزات في التنفيذ قد تخل بالفتاوى الشرعية، وتخرج المنتجات المجازة شرعا من شرعيتها لأسباب تنفيذية صرفة. تطبيق المعايير وأكد على أنّ من أكثر الانتقادات التي وجهت للمصرفية الإسلامية؛ عدم إلتزامها بتطبيق المعايير الصارمة في تعاملاتها الاستثمارية لضمان خلو معاملاتها المالية من أية شبهة قد تُخرجها من نطاقها الشرعي، حيث يعتقد البعض بوجود تهاون في تطبيق المصارف فتاوى الهيئات الشرعية، في الجانب التنفيذي على وجه الخصوص، شبهة التعمد قد تُستبعد في هذا الجانب، إلا أنّ تدني الثقافة الشرعية في التعاملات المالية لدى العاملين في قطاعي المصارف الإسلامية، وشركات التأمين قد تُخل في نقاء معاملاتها المالية، مشيراً إلى أنّ الهيئات الشرعية في الوقت الحالي تهتم بالفتوى وإجازة المنتجات، إلاّ أنّ دورها الرقابي ما زال محدوداً جداً، لذا تنتشر الأخطاء والمخالفات الشرعية في الجانب التنفيذي، وهو الأكثر أهمية وحاجة للمتابعة الدقيقة. الإشكاليات الحالية وقال: «إنّ المتابعة والتمحيص لا يمكن أن تتم إلاّ من خلال اللجان الرقابية الداخلية والخارجية، وأعني بالداخلية لجاناً شرعية داخل البنوك، تتصف بالإستقلالية كإدارات التدقيق، و تتولى عملية تدقيق المعاملات الشرعية والتأكد من سلامتها؛ أما اللجنة الرقابية الخارجية فهي التابعة لمؤسسة النقد العربي السعودي، الجهة المشرفة على القطاع المصرفي، يمكن للهيئة الشرعية المركزية أن تَحل الإشكالات الحالية الناجمة عن تضارب الفتوى وإختلافها، وأن تزيد من ثقة، وطمأنينة المتعاملين بمنتجات المصرفية الإسلامية، وقد لا يرى الكثير من العلماء بتقنين الفتوى وقصرها على جهة محددة إلا أنّ المصلحة العامة تقتضي مثل هذا التنظيم خاصة مع تطور المعاملات المالية وتعقيد منتجاتها». اختلاف العلماء وفي ذات السياق أشار «د.أحمد محي الدين» - مدير إدارة البحوث والتطوير بمجموعة البركة المصرفية والأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة - إلى أنّ توحيد الهيئات الشرعية ليست بضرورة في حد ذاته؛ لأنّ اختلاف العلماء شيء طبيعي، وتعدد الآراء في المسألة الواحدة شيء ألفناه من أئمة الفقه الإسلامي ومن الصعب حمل الناس على رأي واحد، والأمور المصرفية وحركة التعاملات في الأسواق تحكمها أعراف متعددة وتختلف جزيئاتها وتفاصيلها من معاملة لأخرى، فالمطلوب ليس توحيد الرؤى الفقهية، مشيراً إلى أنّ المطلوب هو توحيد المرجعية والالتزام بثوابت الفقه الإسلامي والاحتكام إلى فتاوى المجامع الفقهية، وحفظ مقاصد الشريعة الإسلامية في التعاملات الاقتصادية، ويأتي في مقدمة تلك الثوابت صيانة معاملاتنا المصرفية من الربا وما يقرب منه وما يماثله والبعد عن الصورية والتحايل على الأحكام الفقهية، والتصوير الخاطئ للقضايا والمشاكل والبعد عن الآراء الشاذة والمرجوحة. الاجتهاد الفقهي وأضاف: وعليه فلن يكون مقبولاً وبأي حال وتحت اسم الاجتهاد الفقهي وضرورة الاختلاف في الآراء القبول باجتهادات تبقي حقيقة الربا باستخدام آلية يراها البعض شرعية، أو أن نقبل باجتهادات تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية في تحريم الربا، أو اجتهادات تسمح بتصرفات يكون مآلها النهائي أن تؤدي إلى حقيقية الربا وإن اختفت صورته، داعياً إلى توحيد الهيئات الشرعية ولكن بإيجاد مرجعية عليا على قمة الجهاز المصرفي تنظر في المعاملات المستحدثة والمنتجات الجديدة، وتضع ضوابط وأحكام وأدلة عملية للمعاملات الموجودة أصلاً من الصيغ المعروفة وتراقب أداء الهيئات الشرعية وتكون آراؤها نهائية وملزمة للجهاز المصرفي مستمدة قوتها وهيبتها من تبعيتها المباشرة للجهة الإشرافية وهي البنك المركزي، مؤكداً على أنّ هذا الأسلوب يحمي العمل المصرفي في أن يتعرض لأهواء ورغبات الجهات التنفيذية في المصارف، ويحميه كذلك من خطر الفتاوى المختلف عليها من قبل غالبية المشتغلين بالفقه الإسلامي ومن الفتاوى الشاذة والمرجوحة، وفي الوقت نفسه يوجد مرونة كافية لأعضاء هيئات الرقابة الشرعية للاجتهاد والفتوى التزاماً بأحكام الشرعية والقواعد الفقهية. العملاء بحاجة مستمرة إلى توحيد الهيئات الشرعية لزيادة الثقة في معاملاتهم المالية «إرشيف الرياض»