تعاني بعض الفتيات - خاصةً من يفتقدن إلى الثقة بأنفسهن - من الغيرة من أخواتهن؛ اللواتي يكن أجمل منهن، أو ابتسم لهن الحظ بشكل أكبر، أو تفوقن عليهن دراسياً، أو حتى كن مستقرات في حياتهن الزوجية. والغيرة شعور إنساني طبيعي يدفع الفرد إلى مقارنة نفسه مع الآخرين، فقليلها يفيد الإنسان ويشكّل له دافعية نحو العمل والإنجاز الأفضل، ولكن كثيرها قد يفسد الحياة بين الشخص الغيور والمحاطين به، لاسيما إذا كانت بين الأخوات في البيت الواحد، وقد تؤدي إلى أضرار بالغة كالعدوان، والمكيدة، والرغبة في إفشال جهود الآخرين.. والغيرة بهذا الشكل تعتبر مرضاً اجتماعياً يترك الكثير من الآثار السلبية المدمرة للعلاقات الأسرية والاجتماعية، ويبدو جلياً أنّ مظاهر الغيرة بين الأخوات أكثر من الأخوة الذكور؛ بسبب حساسية الفتاة وعاطفتها الرقيقة التي تتأثر سريعاً. وقد يقول البعض: إنّ هذه الغيرة لا تكون موجوداً في كل البيوت، ولكن للغيرة أنواع شتى، ويمكن أن نسميها بغير اسمها الحقيقي، وهي في الحقيقة أسباب تقود جميعها لهدف واحد، فنجد أنّ الغيرة بين الأخوات المتزوجات تختلف عنها عن غير المتزوجات، ويلعب الجمال، والمال، والوظيفة، والأولاد دوراً في ذلك، إضافةً إلى دور الوالدين في تأجيج الغيرة بين بناتهن أو التقليل منها. تعكير الصفو وذكرت «وسمية أحمد» أنّ لديها ثلاث أخوات وكلهن متزوجات، إلاّ أنّها تلحظ من أختها الوسطى الغيرة من الصغرى؛ لما حباها الله بزوج ذي مركز، ومنزل كبير فيه خدم وسائقون، في حين أنّ وضع زوجها متوسط الحال، مبيّنةً أنّها دائماً تذكرها بأنّ أختهم الصغرى لا تحاول أن تظهر ما لديها لكي تتفاخر به عليهم أو تغيظهم، وهي لا تبخل عليهم متى ما أحتاجوا إليها، لذلك يجب أن لا تجعل من غيرتها سبباً لمشاكل أو حساسيات قد تعكر صفو أخوتهم وتجمعاتهم. مدح وذم ووصفت «ثريا مسفر» حالها مع أخواتها السبع بقولها: «بما أن عددنا كبير فقد كانت والدتي تقسّم بيننا أعمال المنزل، والمطبخ، إلاّ أنّها بين حين وآخر تمتدح بعض أخواتي وتذم البعض بحجة التعلّم، ولكنها لم تكن تدري أن ذلك يزيد من نار الغيرة بيننا، حتى بعد أن كبرنا وتزوجنا، نجد أنّ ما بداخلنا لم يتغيّر، خاصةً عندما نتزاور أو نجتمع في بيت العائلة». بحث عن الكمال! ورأت «فوزية عبدالله» أنّ الغيرة قد تلاحق الأخوات حتى وإن كانت بينهن علاقة حب واحترام كبير، فالإنسان بطبعه يبحث عن الكمال، إلاّ أنّه لن يحصل عليه، مبيّنةً أنّ أختها الكبرى لم يكن لها نصيب بالزواج، فقد تزوجت قبلها، فبدأت تشعر بتحسسها من هذا الأمر، فهي لا تتقبل منها الحديث عن زوجها أو عائلته، وتنتقد طريقتها في تربية ابنها، وتهاجم زوجها بلا أسباب، وكل ذلك لأنّها تعتقد أنّها حصلت على ما كانت هي تستحقه. انتقاد مستمر وبيّنت «لطيفة محسن» أنّها في «نقار ونقير» مع أخواتها؛ لأنّها متفوقة دراسياً وتحصل على اهتمام مضاعف من والديها، مضيفةً:»هم ينتقدون طريقة لبسي، وصديقاتي، ومكياجي، ويمسكون علي الزلة ويضخمونها، ويحاولون أن يهزوا ثقتي بنفسي، خاصةً بين بنات عمي، أو تجمعات بنات العائلة اللواتي لانراهن باستمرار، فما ذنبي إن كنت متفوقة دراسياً؟، وأتمتع بجمال لا أقول عالٍ، ولكن بما يرينه أخواتي أفضل منهن، وفوق هذا حب والديني». مشاعر عدائية وأوضحت «أم خالد» أنّه من المعروف أنّ الأخوات بعد بلوغهن سناً معينة نجد أن العاطفة الأخوية تنقلب إلى مشاعر عدائية كامنة، أو ظاهرة تغذيها الغيرة والحقد، وقد يوّلد الواقع العائلي محبة خاصة لا يمكن أن تقارن بأي عاطفة أو علاقة أخرى قد تجمع بين أي شخصين، لكن واقع الحال قد يناقض المنطق، حيث تصبح الغيرة بين الأخوات بسبب الأهل تهديداً ليس فقط العلاقة بين الأخوات، بل تسمم علاقات كل أفراد العائلة، والشواهد على ذلك لا تعدّ ولا تحصى. فروقات مادية وشددت «أم فيصل» على أنّ من أصعب ما تحمله الأم في نفسها إحساسها بالفوارق المادية بين بناتها، فكثيراً ما تلحظ حزن الشقيقة الكبرى على وضعها المادي، خاصةً حين تشاهد شقيقتها في وضع أفضل، مبيّنة أنّه ينبغي للأم أن تراعي أحوال بناتها في كل أمور حياتهن، بعيداً عن تحميل وزر إحداهن للأخرى، على الرغم من أن الأخت الكبرى لا تحسد الصغرى بل دائماً تدعو الله أن يرزقها مثل أختها. جرح عميق ولفتت «هيفاء الضامري» إلى أنّ ما يصيب الأخوات من الغيرة قد يصل في أحيان كثيرة إلى جرح عميق لا يمكن لنتائجه المأساوية أن تصل الى تسوية بين الطرفين، لذلك لا يمكن أن تظهر الغيرة بين الأخوات فجأة من دون أن ترافقها إشارات من مرحلة الطفولة، تغذيها تربية الأهل، وتتحكّم فيها مشاعرهم المنحازة نحو ابنة دون أخرى، الأمر الذي يتزايد بل ويتراكم على مدى سنوات العمر، إلى أن يأتي يوم وينفجر في مكان ما، ويوماً بعد يوم نجد أنّ كل أخت تتمسّك بحجتها وبدوافعها من دون أي تنازل أو تضحية من الممكن أن تترك للصلح مكاناً لها بين شخصين ولدا في عائلة واحدة، وأكلا من الطبق نفسه، وناما في غرفة مشتركة. دبوس الغيرة وقالت «سميرة الغامدي» - اخصائية اجتماعية -: «الغيرة صفة بشرية من صفات الإنسان سواء النساء منهن أو الرجال، فالشعور بالغيرة والتنافس شيء طبيعي ومطلوب حتى يحفز كل إنسان على التفوق وفعل ماهو أفضل، ولكن بحدود، لأنّ التمادي في الشيء قد ينقلب إلى الضد، لذلك قيل في المثل (المرأة بالون والغيرة دبوس إذا شكها انفجرت)، فالغيرة بين الأخوات هو أمر طبيعي لأنّ الطبيعة لا تعطي كل الناس بطريقة متساوية، لكنها تصبح مرضية عندما تتحوّل إلى عراك نفسي داخلي يتأرجح بين مشاعر الحب والكراهية في الوقت نفسه، فالغيرة التي تظهر في سلوك إحدى الأخوات بعد سن النضج، أو تبقى مستمرة منذ مرحلة الطفولة، دليل على عدم اقتناع الفتاة بنفسها وبشخصيتها، وعدم قدرتها على تحقيق ذاتها فترى في تفوّق أختها استفزازا شخصيا لها». مقارنة شخصية وأضافت : «يلعب الأهل دوراً مهما في إرساء طبيعة العلاقة التي تربط بين الأخوات، فالمعاملة المبنية على التمييز من خلال المدح المتواصل والتركيز على فضائل بنت دون أخرى، تنمّي الغيرة في نفس الأخت، وقد تتحول في ما بعد إلى حقد، لذلك فالمعاملة العادلة والمساواة خصوصاً في مرحلة الطفولة، تولد علاقة محبة ومودة بين أفراد العائلة الواحدة، كما أنّ المقارنة الشخصية التي تعتمدها الفتاة نفسها تجعلها تشعر أنّ أختها أجمل منها ومتفوّقة علمياً أو اجتماعياً أكثر منها، وأفضل أو أذكى منها؛ مما يؤدي بها في النهاية إلى الغيرة المرضية». أمور مادية ووأشارت إلى أنّه من الضروري أن تكون العلاقة بين الشقيقات علاقة تعاون، بحيث تساعد كل واحدة الأخرى بما لديها من إمكانات من دون تكلف؛ مما يزيد في الألفة والمعروف بينهن، وعلى الأخت التي تتمتع بوضع أفضل عدم إشعار شقيقاتها بأنها تختلف عنهن، أو أنّها من طبقة أخرى، فالأصل أن تتفهم أنّ العلاقات الإنسانية لا تتعلق بالأمور المادية، خاصة بين الشقيقات.