مجموعة من المشاعر الغاضبة والحانقة، تبدد صفاء الكون من حول الشاب «نايف» -22 عاماً-، وذلك كلما حاول استرجاع بعض من تفاصيل ذكريات طفولته، والتي يصفها بالذكرى المؤلمة؛ لأنها نمت بين شرايين الغيرة، نتيجة تفضيل والده لأخيه الأكبر ذي البشرة البيضاء عنه، بل ومنحه الكثير من المزايا؛ وذلك لأن ملامح وجهه تشبه إلى حد كبير ملامح والدته السمراء، والتي أصبحت بالنسبة لوالده «أرث» يحاول التخلص منه بأي شكل، فكان الحرمان من الحب والعطاء واستبدالهم بالقسوة بكل أشكالها هو «طريق اللاّ عودة»، الذي سارت فيها خطواته لتصل به إلى حد طرده من البيت، ففي كل مرة كان يحاول فيها «نايف» الوصول مع والده إلى «نقطة تفاهم» تتلاقي فيها الآراء، كان يصطدم بصده وتعنيفه، فالصفات الوراثية للأخ الأكبر كانت على ما يبدو بمثابة «طوق النجاة» ليعيش في بيت والده، وليعيش الأخ الأسمر سنوات طفولته القصيرة متنقلاً بين بيوت أقاربه الذين كانوا يرحبون به تارة، وتارة يغلقون الأبواب أمامه؛ لأنه قد أصبح رجلاً يصعب وجوده في بيت تجتمع بين زواياه حكايات الفتيات. المساجد والمقاهي وبيوت بعض الأصدقاء وأحياناً الطرقات كانت تلتقط لحظات المعاناة التي كان يشعر فيها جسد «نايف» المتعب من مجموعة أعمال لم تكن تستمر طويلاً؛ بسبب عدم الاستقرار العائلي الذي لم يعرفه طيلة حياته، بل كان يشعر بآثاره الصحية على أصدقائه في الحي، عندما كان يلتقيهم صدفة، وذلك أثناء عمله في مواقف السيارات أو في دفع عربات المعتمرين أو أثناء انزاله ل»الكراتين» في «حلقة الخضار»، وعندما حن قلب والده في لحظة وسمح له بالعيش مع أخيه بعد مرور أكثر من (15) عاماً، فقد بدء اللقاء فاتراً وساخناً بين الأخوين، مما دفع بالأخ الأصغر لأن يعبر عن مشاعر الغيرة، وليصبح العراك بالإيادي لغة الحوار بينهما، وليبدأ مسلسل الانتقام الطويل الذي سطر بدايته والدهم بين الأخوين نتيجة للغيرة بينهم. «الرياض» تطرح الموضوع لرصد آثار الغيرة على الأبناء، مع ذكر بعض القصص القصيرة التي حدثت، ومناقشة السبل الكفيلة التي من شأنها القضاء على هذه المشكلة. تعامل مغاير صمت طويل تجاوز بمساحته الهادئة سنواته الخمس بين الأختين «ثناء» و»فاطمة»؛ بسبب الشعور بالغيرة فيما بينهما، وذلك نتيجة تفرقة وسوء في المعاملة ترويها السيدة «سعاد الحكيم» -إحدى قريبات العائلة- قائلةً: كانت والدتهم تعامل الأخت الكبرى بشكل مغاير عن باقي أخواتها التسع، بتحميلها أعباء متابعة شؤون البيت، فقد كانت هذه الابنة في عطائها بمثابة الأم في أداء مهامها، وذلك بسبب مرض الوالدة، مما أثر كثيراً على تحصيل الابنة الكبرى العلمي، مضيفةً أنها كانت تعتني بأختها التي تصغرها بثلاثة أعوام، والتي كانت تقابل ذلك الاهتمام بمشاكستها والإدعاء عليها بأفعال لم تعملها، ليتدخل الأب ويضربها دون أن يكلف نفسه إيضاح حقيقة ما ينقل إليه، في مشهد أكره كثيراً أن أذكره حتى اللحظة من شدة قسوة المعاملة. طفل أبكته معاملة أبيه له على عكس شقيقه مشاعر الحقد وذكرت «سعاد الحكيم» أن سلبية الوالد وتعمده معاقبة ابنته إرضاء لأختها، كان كفيلاً بأن يزرع في داخل الابنة الكبرى كل مشاعر الحقد، في الوقت الذي كانت تزداد فيه جرعات الدلال لدى الأخت الصغرى، مؤكدةً على أنها حاولت التدخل لتخفيف حدة التوتر في العلاقة بين الأختين، واللتين لا يتحدثن نهائياً رغم وجودهن في غرفة نوم واحدة، بل ومحاولة نصيحة الوالد، ولكن إجابته تبرر بأن الأخت الكبرى يجب أن تتحمل الكثير إرضاء لأخواتها، وأن ما ينقل إليه متوقع حدوثه منها. أشبه بالقنبلة وقال الأستاذ «غسان السعيد»: إن الغيرة بين الأبناء أشبه ب»القنبلة» داخل المنزل الذي لا يراعى أساليب التربية الإسلامية الحديثة، والتي توصى بضرورة العدل بين الأبناء ومعاملتهم بالحسنى والإحسان إليهم، حتى في حال لو شعر أحد الوالدين بميل أكثر تجاه أحد الأبناء لأي سبب كان، فلا يكون ذلك الميل سبباً لأن يخلق مشكلة تكبر مع الأيام بين الأخوة، مما قد يتسبب بصداع في بناء الأسرة الصغيرة داخل المجتمع الكبير. ألوم نفسي وأوضحت السيدة «وجنات الغامدي» أنه كانت تميز ابنها الوحيد «عصام» عن أربعة من أخواته بشكل مبالغ فيه، وذلك بسبب تميز الذكر في كل المجتمعات من حيث التربية، مضيفةً أنها كانت تربي أخواته على طاعته رغم أنه يصغرهن، مما جعله يكبر بشخصية مستبدة جعلته يحاول ضربهن إذا عارضنه أو حاولت إحداهن مناقشته في أمر ما، رغم أنهن متزوجات، لافتةً إلى أنها تلوم نفسها كثيراً بسبب فشله في زواجه؛ نتيجة سوء معاملته، ولأنه للأسف اعتقد أنها كائن لا حقوق لها وذلك نتيجة حتمية لتربيته الخاطئة. شعور قديم جداًّ وقال «د.شريف عزام» -استشاري علم النفس بمركز العلاج النفسي-: إن الغيرة شعور منذ بدء الحياة، وأشهرها ما حدث بين الأخوين «هابيل» و»قابيل»، والتي كان السبب الرئيسي إلى قتل أحدهما للآخر، بل وسبب رئيسي لوجود المشاكل بين الأخوة، وذلك يعود لعدم وجود نوع من المساواة في المعاملة بين الأبناء من جانب الوالدين، فقد يعاملون أحد بنوع من المحاباة عن الآخر، ولنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام خير دليل على ذلك، مضيفاً أن شعور الأبناء بتميز أحدهم من جانب العاطفة، أو أن التفوق جعله مميز عن البقية، ليظل بالنسبة لباقي الأخوة مثل يجب أن يكونوا جميعاً مثله، أو أن يكون هناك أسلوب تربوي استهزائي ممن هو أقل في مستوى تحصيله العلمي، أو أن تكون إحدى الأخوات أجمل من الأخرى لدرجة أن الخطاب يطلبونها للزواج، أو لقدوم طفل جديد يستحوذ على الرعاية والاهتمام، فتتحول الأسرة بكامل اهتمامها إليه، وأن الواجب على الأم أن تهيىء الأخوة الباقين لقدوم مولود جديد في العائلة بشكل يجعله ضيفاً محبباً ومرحباً بوجوده. غضب وعدوان وأوضح «د.شريف عزام» أن الشعور بالغيرة يشتد بين الأخوة غير الأشقياء سواء أكانوا في بيت واحد أو منفصلين، فالوقت الذي يقضيه الأب مع الأخوة غير الأشقاء أحياناً يفسر على أنه تجاهل للأخوة الآخرين، وقد تعزز أحياناً الأم هذا الشعور في داخل الطفل وترسخه، مؤكداً على أن الغيرة تؤدي إلى الغضب والعدوان، وقد تبدأ في صورة صغيرة بكسر اللعبة والأخوة صغار، وتكبر في سن المراهقة إلى درجة العراك بالأيادي، وقد يؤدي ذلك لا قدر الله إلى القتل، مشيراً إلى أن ثقافة بعض الأسرة تدعم شعور الغيرة وذلك كأن يحظى أحد الأبناء بمزايا إضافية، كشراء سيارة فارهة تقديراً لتفوقه، أو التسجيل في إحدى الجامعات المرموقة، بل وفتح حساب جارٍ بمبلغ مفتوح، وفي هذه الحالة عندما يكبر أحد الأخوة الأقل حظاً، فإنه قد يقرر أخذ حقه بيديه، وفي حالة وفاة الوالد قد تكبر المنازعات لدرجة تصل أن يستولى أحد الأبناء على الميراث، ويسعى بقوة لحرمان من يريد انتقاماً منه. أكثر من زوجة وذكرت «نادية سراج» -أخصائية اجتماعية- أن الوالدين في العادة يفضلون الطفل الهادئ والمتفوق والمطيع، بل وتجدهم منقادين نحوه دون أي تقدير لعواقب هذا الانقياد العاطفي، مشيرةً إلى أنه بالنسبة للأسرة الممتدة والتي يكثر فيها عدد الزوجات، فإن الغيرة تكثر في هذا الوسط الكبير، والذي يجب أن يحكمه العدل في كل شيء يتعلق بالأبناء، فالحياة عندها ستكون جميلة فيما لو شعر الأبناء بتقسيم المحبة والاهتمام بينهما، مؤكدةً على أن بعض الآباء يجهلون أسس التربية؛ بسبب خروجهم من أسر مفككة، فلم يهنأوا بالعيش باللحظات الطبيعية، وبالتالي أصبحوا غير قادرين على بناء الأسرة والعدل بين أبنائهم. تراكمات سلبية وأوضحت «نادية سراج» أن الآثار الاجتماعية السلبية الناتجة من الشعور بالغيرة تبدأ في سن المراهقة، فكل فرد من هذه العائلة يحاول التعبير عن مشاعر الغيرة، ويبدأون في البحث عن أطراف أخرى بعيدة عن محيط الأسرة سواء في محيط المدرسة أو بعيداً عن أسوارها، وذلك للبحث عن أحضان تحتويهم وتعوضهم لحظات الحرمان، ولو حاولنا الاقتراب قليلاً منهم فسنجد أن لديهم تراكمات سلبية ونفسية كبيرة، فهم يشتكون من الفراغ والوحدة والكبت، وبالتالي نجدهم يندفعون نحو أول شخص يحاول التحدث إليهم بكلمات معسولة أو تقديم الهدايا والاهتمام لهم.