وصايا الآباء لأبنائهم تنوعت مصطبغة بقيم المجتمع والتي بدورها تنبع من حاجاته حينا ومن موروثه الاجتماعي حينا آخر، مستندة في كثير من مضامينها إلى الدين والأمثال ذات الدلالة على الفضائل، وأكثر الوصايا للأبناء يضع فيها الآباء ما يتمنون أن يكون عليه أبناؤهم في حياة آبائهم وبعد مغادرتهم، ولهذه الوصايا أهمية بالغة في تخليد القصائد وانتشارها. وقصيدة اليوم للشاعر محمد بن عبيد البلوي أوردها الأستاذ علي سليمان البلوي في كتابه «قصة وقصيدة من شمال غرب الجزيرة العربية» روم المعاني يا عبَيْد وترقَّى..بالعلم والإيمان تاصل لعاليه الذي صدر حديثا في 288 صفحة 17 × 24 سم، مشتملا على مقدمة مطولة توطئة للكتاب وتمهيدا لمحتواه وحديثا مفصلا عن الأدب الشعبي هناك وبعض المعالم والصور التوثيقية. وقد نهج الشاعر أسلوبا مختلفا عن الوصايا المباشرة، وقد نقل من أدب الفصحى بعض الوصايا محسنا صياغتها دلالة على ثقافة شاعرها الواسعة. والقصيدة إلى ابنه عبيد وربما أسقطت أبيات من مطلعها كما يظهر أو انه منهج تتميز به المنطقة: لا شِفْت دلوٍ فيه فَتْقٍ وشقّا اعرف ترى الما ما يجي وافياً فيه ولا شفت حبل السانية فيه دقّا خذ الحذر من قبل تقطع مثانيه ولا اوحيت جرح بالمعاليق لقا اعرف ترى ما عاد ينفع تداويه بداية من واقع الحياة أخذت رموزها يدرك الابن من خبرته صدق المقولة وانعكاس دلالاتها على الواقع، فلا يشك في صدقها، أو يجد مفراً لنكرانها، وهو يدرك أنه المعني بتجنب هذه المثالب. والجرح لاما انه بسمٍّ تسقَّى حَمّ الحديد الصلب بالنار واكويه والظلم لاما انه لبس ثوب حقّا لابد ما تخلع ثياباً تغطيه ومن طق باب الناس بابه يطقّا بخير والا بشر ربه يجازيه وما صابكم ما اخطاك مهما توقّى وما اخطاك ما صابك ولو صاب راميه بعد تعزيز الوصايا بالأقوال المأثورة التي تجر عنا معانيها وصاحبت تربيتنا يباشر الابن بالتوصية: روم المعاني يا عبَيْد وترقّى بالعلم والإيمان تاصل لعاليه والصالحات اخير يا عبيد وابقى أدِّي حقوق الله ولبِّي مناديه وعن لازم يلزمك حرصك تتقّى لا خير في رَجْل يخلِّي عوانيه وفي عشرة الانذال حرصك تَهَقّى كم واحد بالنذل ضاعت هقاويه وحرصك ورا المقفي تصيح وتنقّى من باعكم بالرخص بيعه بغاليه بعد السلوكيات التي تؤثر في الفرد من أداء الطموح الرفعة إلى الأعمال الصالحة والتمسك بالدين والواجبات الاجتماعية واختيار الأصدقاء المخلصين المقبلين وتجنب المدبرين الذين لا يقدرون الأصدقاء ولا يفون بحق الصداقة بعد ذلك ينتقل إلى آداب المنتديات والتي كانت موارد ثقافية تعود على روادها بما يغذي أفكارهم ويكسبهم كثيراً من المعاني السامية، ولكنها محصنة بآداب وقيم يجب مراعاتها: وسط المجالس لا تَهَرْج وتلقّا اصمت ترى ان الصمت ميزة لراعيه وليا هرجت اهرج بلطفٍ ورقا وافصح لسانك لا تجي لكنة فيه إن انكر الاصوات صوت النهقَّا وفم الرجل واحد وثنتين اذانيه لقد ركز على أهمية المجالس وما يثار فيها، وأرشد إلى المشاركة فيها بهدوء وتركيز ووضوح، وأن الاستماع والصمت أنفع وأجدى لثقافة الإنسان مستدلا على ذلك بأن الله خلق بابا واحداً للكلام وهو الفم وأوجد أذنين اثنين للاستماع، دليلا على أهمية الاصغاء لجميل الكلام وأنفعه. ثم ينتقل إلى تشخيص الناس في إيجاز: بعض العرب بالوزن ما يوزن اقّا لكن فعل الطيب تندى أياديه وبعض العرب مثل الذهب له تشقَّى اتعب على الطيب إلى ما تلاقيه وأخيراً يرفع معنويات ابنه ويشعره بأنه يدرك كثيراً من القيم الواجب الحرص عليها: يا عبيد هذا واعرف اللي تبقّى حق الجوار وضيفكم لا تخلّيه هذا كلام ابوك قولٍ منقّى قولٍ قليل وزبدة الهرج تكفيه وربما كان مستدركا لأهمية الجار والضيف اللذين أوصى بهما معظم الشعراء. وقصائد الوصايا في الكتاب كثيرة ومثيرة إلى جانب قصائد الطرافة والحياة بعامة.