تُعد عقود النظافة والصيانة والتجميل من أهم العقود التي يتم اعتمادها سنوياً لأمانات المدن والبلديات؛ لأنها بمثابة العمود الفقري لأعمالهما، وهي المسؤولة عن الحفاظ على المنجزات الحضارية والخدمية، مع حمايتها والوصول بها إلى المستوى الذي يتطلع إليه المواطن، ولكي تظهر مدننا بالمستوى الذي يليق بحجم الإنفاق على هذه العقود. إن الملاحظ اليوم هو ترسية بعض العقود على شركات أقل خبرة وأقل إمكانات، والسبب هو أنها قدّمت عروضاً بمبالغ أقل، وهو ما جعلها تفوز بالمشروعات دون أن تملك أدنى مقومات النجاح، فالحاصل وجود عمالة في الشوارع تعمل بطرق بدائية!، وهنا لابد أن تعي الجهات المعنية أنه لا يمكن أن تؤدي شركة ضعيفة كافة بنود العقد وهي لا تملك من الكفاءة سوى القليل، إذ لابد من التعاقد مع شركات كبيرة تملك رؤى حديثة حتى تعم الفائدة المجتمع والمواطن. وتعاني بعض العقود من غياب الدقة والوضوح، وهو ما أعطى الفرصة للمقاولين للتلاعب، من خلال عدم تقيدهم بما جاء في العقد، فمرة يأتون بعمالة من الشارع، ومرةً أخرى من هنا أو هناك، بل ومن الممكن أن يتوقف العمل أياماً وربما شهوراً، وهو ما يُحتم تحديث الشروط والمواصفات، وأن تكون واضحة ولا تقبل أي تأويل، كما أن بعض العقود تعاني من غياب الإشراف الحقيقي والمراقبة الدائمة، حيث يترك الأمر لضمير الشركة دون وجود متابعة من الجهة المعنية، ودون وجود إشراف هندسي، وبالتالي نجد الكثير من أعمال النظافة والصيانة والتجميل في مدننا سلبية وغير مطابقة للعقد. غياب الخبرة وقال "د.وديع كابلي" -أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز-: إن كل الأشياء تقاس بنتائجها، وفي مجال العقود الخاصة بالنظافة والصيانة والتجميل وغيرها لو كانت الأمور تسير كما يجب لتحققت النتائج الكبيرة، إلاّ أن الواضح وجود فجوة بين ما يجب وبين ما نراه!، وهو ما يؤكد وجود تلاعب كبير في هذه العقود -حسب قوله-، مشيراً إلى أنه مازالت العقود تُرسى على شركات لا تملك الخبرة وغير مؤهلة، لكنها تقدمت بمناقصة أقل فتمت ترسية العقود عليها، دون أن نبحث أو نهتم بمدى قدرتها على تنفيذ العقود بالصورة المطلوبة، ذاكراً أن صيغة الكثير من العقود تُعطي فرصة للضبابية وعدم الوضوح، مما يفقدها قوتها. وطالب أن تكون هذه العقود الخاصة بالخدمات متفقة مع ما هو منفذ في الدول المتقدمة، خاصة أن عقودنا تطرح بمبالغ ربما تفوق قيمة العقود في الدول المتقدمة، وهناك اختلاف كبعد السماء عن الأرض لما نراه من تنفيذ لهذه العقود في مدننا وبين تنفيذها في الدول المتقدمة؛ لأننا مازلنا نعتمد على شركات تعتمد على العمالة الرخيصة وغير المنتجة ومن السخف أننا لا زلنا نعتمد على عامل ينظف الشارع ب"مكنسة" و"جاروف"!. تطوير معدات النظافة وتأهيل العاملين أساليب بدائية وأوضح "د.كابلي" أنه يجب على الشركات التي تفوز بالعقود أن تعتمد على "الميكنة"؛ لأنها تطورت في مجالات النظافة والصيانة والتجميل بشكل كبير، وهناك "مكائن" متخصصة وبتقنية عالية يمكن لعامل النظافة وهو بكامل أناقته أن يؤدي من خلالها تنظيف الشارع بكفاءة عالية وفي وقت قياسي، مضيفاً أن هذه الآلات مزودة بوسائل يمكن من خلالها أن تنظف وترش وتجمع القمامة وتزيل الأتربة من الشوارع، بل وتصل إلى أماكن لا تصل إليها العمالة العادية، مبيناً أنه يجب أن نعطي عامل النظافة أجراً مناسباً يمكننا من استخدام عمالة مؤهلة وليست عمالة كالتي نراها في شوارعنا الآن، مؤكداً على أن الأساليب البدائية في كافة العقود الخاصة بالخدمات لم تعد تليق إذا أردنا تحقيق نقلة حقيقية في مستوى الخدمات. وأضاف: ما يقال عن عقود النظافة والصيانة ينطبق على قطاع البناء، ف"الكوبري" الذي يستغرق بناؤه ثلاث سنوات يمكن أن يتم بناؤه في نصف هذه المدة أو أقل من ذلك، لو اعتمدنا على شركات تستخدم التقنية الحديثة في البناء، وتوظف التطور الذي شهدته وسائل التقنية في هذا المجال، ذاكراً أنه ربما كنا نقبل قبل (30) عاماً أن يستغرق بناء جسر ثلاثة أعوام، لكنه الآن لم يعد مقبولاً. توقف العمل وشدّد "م.علي أمين" على ضرورة تحديث الشروط والمواصفات في العقود، وأن تكون واضحة ولا تقبل أي تأويل؛ لأن الكثير من شروط ومواصفات العقود السابقة خاصة في مجال الصيانة والنظافة والتجميل غير دقيقة وغير واضحة وعائمة، وأعطت الفرصة للمقاولين للتلاعب، مضيفاً أن هناك مجاملة في العقود ساهمت في إفسادها، خاصة في مجال الصيانة في الإدارات الحكومية، فمثلاً عندما يفوز مقاول بعقد صيانة لأحد الإدارات لا يتقيد بالعقد، فمرة يأتي بعمالة من الشارع، ومرة من هنا أو هناك، ومرة يتوقف العمل أياماً وربما شهوراً، مبيناً أنه عندما تحاول أن تسحب منه العمل لعدم التزامه تجد عشرات الاتصالات تنهال عليك تطلب إعطاءه فرصة؛ لأنه طلب استقدام عمالة وتأخر وصولهم!، مؤكداً على أن هذه المجاملات هي من ساهمت في حدوث الكثير من التعثر والقصور في تنفيذ العقود على الوجه الأكمل. عقود ضخمة وهذه حال النظافة في بعض الأحياء لا يوجد إشراف وأكد "م.علي مراد رضا" على أن أكبر خلل تعاني منه عقود النظافة والصيانة والتجميل هو غياب الإشراف الحقيقي والمراقبة الدائمة لتنفيذ هذه العقود، ومدى إلتزام الشركة المنفذة لكل ببنود العقد مع توفير عمالة مؤهلة قادرة على التنفيذ السليم وتملك خبرة في العمل، متأسفاً أن العقود بمجرد ما تتم ترسيتها يترك الأمر لضمير الشركة دون وجود متابعة من الجهة المعنية، ودون وجود إشراف هندسي، وبالتالي نجد الكثير من أعمال النظافة والصيانة والتجميل في مدننا سلبية وغير مطابقة للعقد، لافتاً إلى أنه إذا كان في العقود وصياغتها خلل فالمصيبة الأكبر أن يتم التنفيذ دون إشراف ومتابعة ومحاسبة، وهذا السبب في تدني مستوى النظافة والصيانة والتجميل في مدنا رغم قيمة العقود العالية؛ نتيجة غياب الحساب والمتابعة. وشدّد على ضرورة أن يعاد النظر في صيغة العقود وأن تكون ذات مواصفات تتناسب مع متطلبات المدن والنمو السكاني، وأن يكون هناك تركيز على نوعية الآليات المستخدمة في النظافة، مع شمول عقود النظافة على بنود تتعلق بمكافحة التلوث في المدن، إضافةً إلى وجود سيارات نقل "قمامة" مجهزة بوسائل تمنع التلوث؛ لأن مانراه حتى الآن أن العقود لم يطرأ عليها أي تغيير، وكل ما في الأمر أنها في فترة تُرسى على شركة، وبعدها على أخرى، ليظل الخلل قائماً ومستوى النظافة والصيانة في تدن. تعثر المشروعات واستغرب "م.رضا" بقاء سياسة "السفلتة" (30) عاماً دون تغيير، وهذا لم يحصل في العالم كله، وهو أمر يحتاج إلى محاسبة، نتيجة سوء الصيانة للشوارع والحُفر التي تملأها دون أن تحرك الأمانة ساكناً لعلاجها. وطالب "د.سالم باعجاجة" -أستاذ جامعي- بضرورة إعادة دراسة صيغ عقود المشروعات والخدمات البلدية وغيرها بصورة أعمق، مع تعديل البنود التي قد تكون غير واضحة أو تحتمل التأويل، وأن لا تُرسى العقود على أي مقاول لأنه قدم العرض الأقل، وإنما يجب أن يكون من يُرسى عليه العقد مؤهلاً وقادراً على تنفيذ العقد بكفاءة ودون تعطيل، مضيفاً أن هذا الخلل وجدناه جلياً من خلال تعثر الكثير من المشروعات، أو تنفيذها بأقل من المواصفات المطلوبة، مما يؤدي إلى ظهور الكثير من العيوب فيها. عدم متابعة وبيّن "د.باعجاجة" أن مثل هذا التعثر وعدم الجودة في التنفيذ لم يكن لها أن تحدث لو سلمنا المشروعات والعقود لشركات مؤهلة وتملك الخبرة، منبهاً إلى ضرورة الإشراف الكامل من قبل الجهات ذات العلاقة بتلك العقود والمشروعات في جميع مراحل التنفيذ، حتى يأتي العمل بالصورة المطلوبة، وبما يتفق مع حجم الإعتمادات المالية التي تقدمها الدولة، فليس من المعقول أن نسمع عن عقد للنظافة في جدة مثلا بمليارات الريالات بينما شوارع وأحياء جدة غارقة في "القمائم"!، وهذا نتيجة عدم المتابعة والمحاسبة لشركة النظافة وعملها الذي لا زال يسير بطريقة تقليدية وغير احترافية، حيث تعتمد على عمالة بأجور زهيدة جداًّ، تضطرهم لجمع النفايات والمعلبات وغيرها لبيعها -حسب قوله-، مع إهمال عملهم الأساسي الذي بخسهم حقهم ولم يوفر لهم الظروف المعيشية والإنسانية المريحة. عطاء أقل وقال "عبدالله الأحمري" -رئيس لجنة التثمين العقاري بغرفة جدة-: يجب أن نناقش ما نُفذ من عقود في الميزانية السابقة والمشروعات التي تم تنفيذها والتي مازالت تحت التنفيذ وتم اعتماد قيمتها في الميزانية الماضية، حتى تكون هناك محاسبة دقيقة ومراجعة لكل ريال صرف من المال العام، وليكون في ذلك تنبيه للجميع بضرورة أن تأتي النتائج بحجم الإنفاق، مضيفاً أن هناك خللا كبيرا في آلية ترسية العقود الخاصة بالنظافة والصيانة والتجميل وهذا الخلل يتمثل بالأخذ بالعطاء الأقل وهذه العطاءات كثيراً ما تقدمها شركات غير مؤهلة، ويترتب على ذلك ما نراه من سوء تنفيذ وتدن في مستوى أعمال النظافة والصيانة والتجميل في مختلف مدننا، ذاكراً أنه يُعاب على مختلف العقود وجود ترسية على شركات بقيمة أقل دون مراقبة أومحاسبة، وهذا الخلل يجب وضع حد له بمنع ترسية العقود من الباطن تحت أي ظرف، هذا إذا أردنا أن تنفذ العقود بصورة أفضل وبما يتفق مع حجم الميزانيات المعتمدة لها. د.وديع كابلي د.سالم باعجاجة م.علي أمين م.علي مراد عبدالله الأحمري