يقول" بول ريكور": الشعر تناط به حيازة أبعاد اللغة والحفاظ على عمقها واتساعها ورحباتها...ذلك أن الخطر الأول المحدق بثقافتنا الحالية يكمن في قصر اللغة على التواصل في أدنى مستوياته أو مجرد تعين الأشياء والأشخاص، وهنا تصبح اللغة آداتية فقط.. ولعل هذا ما فعل أو حاول فعله الشاعر عبد الرحمن الموكلي في ديوانه (لا حد لي)..إبعاد اللغة عن كونها أداة للتواصل عبر استثمار ما تمتلكه اللغة من جماليات. وفي ديوان (لا حد لي) يترسخ لي هذا اليقين من خلال النصوص القصيرة والقصيرة جدا المعبأة بشطحات الفنان الموغل باللغة بعيدا عن (الأداتية) اليومية تاركاً للمتلقي قراءة المعنى وما خلف المعنى.. ولعل الملاحظة الأولى هي أن القصائد حافلة بالماء والعشب والندى..ولكن الماء هنا ليس هو الماء ولا العشب هو العشب لكأني أتتبع خطى (ابن الفارض ) أو النفري وشياطين الشعر المتفلتة من أسر اللغة نحو تخوم المجاز..والماء والندى في الديوان كثيرة والمساحة هنا أصغر من تتبعها كقصائد (يا سميي) و(يحي) و(فيان؟) . الأمكنة أيضاً عند الموكلي هي فضاءات وليست أماكن..فضاءات تتسع لما هو أبعد من حيز المساحات..هو تجلٍ يأخذنا لما هو أشمل ..لشتات الأرواح التي تغدو لها كل الجهات مسارات لنقرأ في واحدة من أجمل قصائد الديوان: (كأنه أنت) فالشاعر هنا خرج بنا من الموقف كساحة وقوف لمشعر إيماني..نحو أفق أوسع أفق تغادر محدودية اللغة والجهات أيضا حيث يغدو الهوى هو البوصلة.. إذ يشكل لغة شعرية سابقة تكون المفردة الجنوبية دائما حاضرة..لا بوصفها مفردة شعبية..ولكن بوصفها مفردة تحمل دلالة لا يستقيم المعنى دونها ..وهي أيضا تغني عن الكثير من الكلام.. فديوان (لا حد لي) الصادر عن دار جداول في 66 صفحة ديوان جدير بقراءة أوسع.. قراءة تعيد للغة بكارتها وتعيد الشعر للشعر كحالة تشظي قبل أن يكون بوحا مبتذل الكلام.. وأنا لا حدَ لي في سمائك.. سوى لطف مضائك. لطفا كساني.. هكذا يختتم الموكلي ديوانه المتفرد..كما هو في أسلوبه الخاص في كتابته للقصيدة.