قرأت في (الرياض) الجريدة قبل يومين خبرين يرتبطان ببعضهما. الأول خبر حصول باحث سعودي على براءة اختراع من أمريكا والثاني فصل الطفلين السياميين بمشرط الدكتور عبدالله الربيعة. كلاهما يعبر بطريقة أو بأخرى عن تقدم علمي اكتسبته المملكة يحق لها ان تفخر به. كما يقول إخواننا مثقفو (الزمن الجميل) أخبار تثلج الصدر. إذا كنا نملك أطباء على هذا المستوى من الخبرة وشبابا على هذا المستوى من القدرة لماذا مازلنا نعد ضمن دول العالم الثالث. لنسأل السؤال بطريقة مختلفة تماما. لماذا لم نسمع بأي مخترع من زمبابوي سجل براءة اختراعه في أمريكا أو طبيب من زمبابوي اجرى عملية معقدة كالتي قام بها الدكتور الربيعة. دعوني أوجه نفس السؤال ولكن بافتراض بسيط أني كاتب في زمبابوي. لماذا لا يوجد باحث سعودي سجل اختراعا في أمريكا ولماذا لا يوجد طبيب سعودي يجري عملية معقدة كالتي اجراها الدكتور فوكوكو في مستشفى زمبابوي العام. ما اريد أن اصل إليه ان العالم الثالث مليء بمثل هذه الاخبار التي تثلج الصدر المحلي. صدر اهل البلد. العمليات الجراحية المميزة والاختراعات المتناثرة الفردية تجري بشكل يومي وفي كل انحاء العالم ولا تخلو منها دول العالم الثالث. مسألة أن سعوديا اخترع جهازا للرش أو زيتا للطائرات لا تتعدى أن تكون مبادرة فردية قيمتها الإعلامية اكبر من قيمتها الوطنية. لا اريد ان اقلل من قيمة هذه الاختراعات او تلك العمليات الجراحية لكن يجب ان نعرف أنها انجازات مفصولة تماما عن الواقع السعودي وتنتسب بالكامل للمجتمعات الغربية حتى وأن جرت بأيد سعودية وعلى الأرض السعودية. تسجيلها في مكتب براءة الاختراع الأمريكية اهم من الاختراع نفسه حتى لو كان هذا الاختراع علاجا ينهي مرض السرطان من جذوره. لن يكون له تطبيقاته أو انتاجه أو تطويره إلا في الاطار الغربي. كل اختراعات العالم الثالث ستنتهي في الغرب. نعرف ان شابا هنديا صمم موقع البريد الالكتروني هوت ميل وباعه بمئات الملايين على ميكروسوفت. هذا الهندي لا يعكس عبقرية الهنود بقدر ما يعكس عبقرية أمريكا. عبقرية ميكروسوفت والاطار الثقافي والاجتماعي والتنظيم السياسي والاقتصادي في الولاياتالمتحدة أو السويد أو اليابان. تلك البيئة التي ولدت فيها شركة مثل ميكروسوفت او نوكيا او تايوتا. عندما تتحدث عن الاختراع فانت تتحدث عن نظام تعليمي ونظام اجتماعي وبنية فكرية ومراكز أبحاث وليس مبادرات فردية. العبقرية لا جنس لها. لنأخذ مثالا عن طبول الكتاب العرب لعبقرية اليهود. سمعنا بآنشتاين وسمعنا بسبينوزا وسمعنا بدارون وماركس الخ. كلهم من العباقرة اليهود الذين اثروا الحضارة الغربية بأفكارهم ومكتشفاتهم أو مخترعاتهم. فإذا كانت العبقرية تكمن في الجنس اليهودي أو الدين اليهودي فأين يهود اليمن عن الاختراعات وأين يهود ايران و يهود المغرب ويهود العراق. فالألمان في المانيا يختلفون عن الالمان في الارجنتين. لا قيمة لأي اختراع إلا في بيئته وان حدث خارج بيئته فسيعود التي ينتسب لها حقا. كل اختراع او اكتشاف في زمننا هذا يعود الفضل فيه للغرب. أقرأ يوميا الصحف الكندية وأقرأ الصحف السعودية. لا يمر أسبوع واحد دون ان اقرأ في الصحف الكندية اعلانا لمركز بحث يطلب متطوعين لتجربة عقار جديد أو أسلوب جديد للمعالجة, ولا يمر أسبوع دون أقرأ في الصحف السعودية خبرا أن الهيئة القت القبض على ساحر. لك ان تقارن بين الاطارين الثقافيين وستعرف كيف يفكر العقل الجمعي عند كل من المجتمعين.