أدى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة الى خسائر بشرية ومادية. وبحسب المتحدث الرسمي لحماس فإن الأضرار الماديه تتجاوز ال (1,2 ) مليار دولار. أما الأهم فهو القتلى والجرحى من أبناء غزه والذين يدفعون ثمن مغامرات غير محسوبة وتدفع بهم الى معارك غير متكافئه، ثم يعلن من هم خلف الستار بعد إعلان الهدنة وكشف الحساب أن غزة انتصرت رغم كل الدمار والخسائر البشريه! فهل تغير معنى الانتصار؟ قبل الاجابة لابد أن نعرف من الذي انتصر في هذه المعركه. هل هو إيران، أم سورية أم حماس، أم مصر؟ أم أمريكا؛ أم هي اسرائيل التي تتمثل خسارتها البشريه بخمسة أشخاص فقط، والتي تقنص الفلسطينيين بالأسماء؟! لنبحث عن المنتصر الحقيقي هل المنتصر هو إيران التي تسعى الى كسب الشارع العربي من خلال استغلال قضية فلسطين، أم سورية التي تحاول إشغال العالم عن ما يجري داخلها؟ أم هي حماس التي تريد اختبار المتغيرات الجديدة في المنطقة وتحديد من هو العدو ومن هو الصديق؟ أم هي مصر التي وجدتها فرصة للقيام بدور الوسيط الذي تهيأت له ظروف النجاح فنجح! لكي يستثمر ذلك في تعزيز سياسات النظام الجديد في مصر؟ يقال إن المنتصر هو إسرائيل التي تعيث في الأرض فساداً وقتلاً وتدميراً بحماية الفيتو وبأسلحة مزودة بأحدث التقنيات تفعل بها ما تشاء لأنها دولة فوق القانون (ألا يمثل هذا انتصاراً لايمت للأخلاق بصلة؟) وقد يقال إن المنتصر هو امريكا التي تريد أن تقول للعالم إنها تقف مع إسرائيل بالأقوال والأفعال وان أمن اسرائيل خط أحمر! أظن أن المنتصر هو المواطن الفلسطيني الذي يرفض الانقسام الفلسطيني، ويبحث عن الموقف الموحد ويريد أن يكون لفلسطين علم واحد، وأهداف موحدة وسياسة مستقلة.. إن المنتصر أيضاً هو المواطن العربي الذي يكتشف مرة تلو الأخرى بأنه ينتمي الى عالم منقسم يتحدث كثيراً عن التقدم والانتصار، والتنمية ولا يزال غير قادر على امتلاك المقومات التي تحقق له تلك الأهداف، عالم يجيد لغة الشعارات والخطابات الحماسية البعيدة عن الواقع. المنتصر هو المواطن العربي الذي اكتشف أنه مخدوع طوال الستين سنة الماضية حيث يقال له عبر القنوات الرسمية إن كل شيء مؤجل من أجل فلسطين وبعد الكم الهائل من الخطب والشعارات يكتشف المواطن العربي أن فلسطين انقسمت الى قسمين، فلا يدري الى أيهما ينحاز، والى اي فلسطين ينتصر. نعم المواطن العربي هو المنتصر لأنه قرر أخيراً أن لا يصدق ما يقال وأن يتطلع الى الأفعال والنتائج والحقائق ولغة الأرقام. المواطن الذي قرر بعد طول عناء أن يعتزل الاستماع الى الخطابات والمعلقات وقصائد المديح، وأن يتجه الى الجامعات والبحوث والمختبرات وميادين العمل لكي يحقق فيها الانتصار الحقيقي المنتظر..