شبه مؤسسات أو منظمات أو ثقافات قامت في العالم العربي على مبدأ محاربة الثروة حيث توفرت أحزاب وهيئات وصحف وكتب جميعها كانت تصب جام غضبها على الثروة.. كانت تشير إلى الرجل الغني كما لو كان موبوءا .. إلى المؤسسات المالية وهي شبه وحوش خرافية تأكل الأرض والبشر.. ربما كان لذلك سببان الأول خارجي يعود إلى تصدير أفكار وأدبيات وشعارات سياسية من مجتمعات عرفت مجمعات السخرة والإقطاع وبيوت أقنان العبيد كما في روسيا القيصرية أو عاش المجتمع صراع أقلية غنية مترفة وأكثرية تحت خط الفقر كما في بعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية.. وفي عالمنا العربي يسهل هضم كل ما هو تقليد قادم.. بما في ذلك الأفكار.. الثاني عربي يعود إلى قيام رأسماليات مشبوهة المنشأ بل يتداول الناس قصص الغبن عن كيفيات نشوئها ولأنه كان من المتعذر على العزل من سلاح المال اقتلاع مثل تلك الأشجار الضخمة منه فلم يكن أمام الناقمين إلا قذفها بحجارة التهم والتجريم.. ليس الآن يصح القول بأن العالم قد تغي ر.. منذ سنوات طويلة وساحات العالم بدأت ترتدي لون نبات واحد.. لم تعد الثروة تهمة فقط وإنما أصبحت هدفا .. لم تعد عيبا يخجل وإنما مفخرة تعلن.. فكان لابد أن يتسابق الناس على اختراع أساليب امتلاكها.. بعد أن تيقنوا في العالم العربي أن الثروات في العالم الخارجي كانت سببا في تطوير مستوى المعيشة العام وأن الحكومات الباذخة الصرف على الخدمات تحصل على ميزانياتها من ضرائب الثروات, والاكتشاف الأهم هو أن بعض المثقفين الذين أعلنوا معاداة الثروة ونادوا بمثاليات خيالية كانوا هم أسوأ من استغل الادارة الحكومية حين عملوا بها مستغلين كل فرص الإثراء من ورائها وأن الصحفيين الذين كتبوا شاتمين باليمين كانوا يمدون اليسار كي تستوفي ثمن المزايدات.. ومثلما أنه يسهل هضم التقليد في عالمنا العربي.. دون تمييز.. فإنه أيضا و... دون تمييز.. تصعب غربلة الحقائق والأمانات والأخلاقيات وكذا الخطأ والصواب.. لكم اضطر عاقل متزن لأن يساير خطأ واضحا خوفا من الانزلاق نحو خطأ أسوأ, مجاملة إداري هناك اختلاف في تقييم كفاءته خوفا من الانحدار إلى آخر هناك اتفاق على تدني كفاءته , حيث لا ضوابط واضحة التقنين وصعوبة الغربلة متاهات الشعوب.. بعد أن بدأ الناس الاهتمام ب"المال" وهو بأي حال لن يعني للأكثرية بناء الرأسماليات وإنما توفر إمكانات الحياة الأفضل كان واضحا أن الخروج من مفاهيم خاطئة عنه قد أتى متأخرا للغاية وأن التسابق نحوه ما لم يكن مؤهلا بقدرة علمية أو إدارية فهو خطر للغاية قد تتحول أساليب الاستيلاء عليه إلى بعض صور الاغتصاب.. الاستلاب.. بغض النظر عن نوعية الفاعل.. لعل من السهل أن تتصاعد مكانة مؤسسة مالية مثل بنك أو شركة أو مصنع بطرق مشروعة متى اجتهدت في ذلك لكن من الصعب أن ينشأ تصاعد إمكانية فردية تولد فجأة بطرق مشروعة ما لم يكن هناك مبرر علمي أو إداري يؤهل هذه الكفاءة. بعد وجود مبادرات فردية شخصية مثل بيل غيتس وماكدونالد لم يعد بالضرورة أن يتطلب ميلاد الثروة الشخصية أن يكون فرعا من ثروة أكبر بل ها هو بيل غيتس الذي ما زال في حدود الأربعين من العمر يفوق في حجم أمواله أغنى البنوك ومؤسسات الصناعة الكبرى.. إنه نتاج نظام التعليم.. الذي مكنه من نشر امبراطوريته الخاصة.. والابتكار المدعوم علميا هو الذي صنع انتشار ماكدونالد مع الفارق ما بين الثروتين.. هل نظام التعليم لدينا بمقدوره أن ينتج مثل هذه الطموحات.. مثل هذه العقليات؟.. لقد كان ازدهار العلوم النظرية السائد لدينا يرجع إلى أسباب حاجة الماضي البعيد إلى إتقان تلك العلوم التي تنطلق مما يتضاد معها من أخطار تهدد تكوين ذاتنا وفي مقدمة هذه الذات ديننا.. الآن.. بل قبل الآن بكثير.. اختلفت مصادر المخاطر.. لم تعد علوم الكلام تقاتل بعضها.. ولكن أصبح المال والعلم هما سلاح نفاذ سطوة الشعوب.. سطوة الحضارات.. ومن مستلزمات بل ضرورات الدفاع عن الذات أن يكون لدينا مال وعلم قادران على فرض سطوة خاصة بنا.. في هذا العصر لم تعد شواهد النبوغ تتضح بحجم الكم من المحفوظات ولكن بحجم الأهم من المعلومات والجديد من المبتكرات..