عبدالرحمن الراشد * الشرق الأوسط اللندنية يعم شعور بالإعجاب بكل من يظهر على قائمة «فوربس» لأغنى أغنياء العالم، هذه المرة السعادة غامرة جدا لأن الأغنى بالمطلق هو من أصل عربي، مكسيكي لبناني هو كارلوس سليم. إنما هل تعتقدون أن سليم كان له أن يحقق نفس الثراء لو عمل في واحدة من الدول المتطورة اقتصاديا ورقابيا؟ لا أظن، مع احترامي لجهده ونجاحه. أبرز تحفظاتي أن معظم أغنياء العرب، أو من أصول عربية، حققوا أموالهم في أسواق غير منتجة. لم يحدث قط أن ظهر في قوائم الأغنياء الرئيسية مليارديرات من أصول عربية جمعوا ثرواتهم في أسواق أوروبية أو الولاياتالمتحدة أو اليابان، حيث الشفافية والرقابة، وحيث إن هامش الربح في تلك الأسواق الرأسمالية مفتوح على مصراعيه، إلا أن المنافسة تجعله مهمة عسيرة. ولا يجوز أن تقارن أرباح شركة ميكروسوفت ببيع قطعة أرض بمليار دولار في العالم الثالث. هناك المئات من ملاك الأراضي في الدول العربية الذين في لحظة بيع يستطيعون تحقيق مليارات الدولارات، فهل يمكن أن يصنف هؤلاء مثل بيل غيتس الذي بنى شركة ميكروسوفت حجرا حجرا وغيّر العالم، وحقق منها أرباحا يستحق كل دولار فيها. وأنا لا أتحدث عن أغنياء الأموال غير المشروعة، أو سماسرة العقود الحكومية، بل تجار الأموال السهلة في العالم الثالث من وراء نشاطات تجارية نظيفة لكنها ليست اقتصادية حقيقية. ورغم دقة عمل صحافييها في جمع المعلومات عن أغنياء العالم فإن مجلة «فوربس» تخطئ في تقييمها أو اكتشافها أغنياء العالم الثالث، لسبب بسيط هو أن الأغنياء الحقيقيين في هذا العالم أشباح بلا أسماء، وبعض الأغنياء البارزين واجهات لآخرين، أو أن أرقام ثرواتهم مكذوبة، مثلها مثل نتائج الانتخابات والشهادات الجامعية ورخص قيادة السيارات التي ينتشر فيها التزوير أو المحسوبية. والأحرى بمجلة «فوربس» أن تغيب أغنياء العالم الثالث من قوائمها لأنها فعليا تضلل السوق عندما تجعل الأغنياء سواسية بغض النظر عن السوق. وقد سبق لي أن جربت رصد رجال الأعمال العرب لثلاث سنوات عندما كنت أعمل في مجلة «المجلة»، بالاشتراك مع الزميل الأستاذ خالد المعينا رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز». كنا حينها نصدر قائمة سنوية لأكبر الشركات العربية ورجال الأعمال، تجنبا للخطأ اختصرناها على الشركات الخليجية. ثم اكتشفنا بعد العديد من المحاولات أن كثيرا من المعلومات التي تردنا إما غير صادقة أو ناقصة ومحجوبة. في الغرب، حتى الشركات غير المساهمة يمكن رصد أموالها ونشاطاتها وأرباحها من بيانات الضرائب وغيرها. أما في العالم العربي فوسيلة الرصد غير موجودة. والمالك الحقيقي قد لا يكون الاسم المسجل على الشركة. والأرباح مخبأة حتى لا يدفع صاحبها ضرائب، ورأسمال الشركة وأصولها أيضا مقزمة حتى يتهرب ملاكها من دفع الزكاة، وهكذا. ولم يكن أمامنا سوى اعتماد البنوك والشركات الكبرى التي تملك نشاطات ظاهرة للعيان. والطريف، حينها، أنني واجهت شكوى من فريقين، واحد يريد حذف اسمه وشركته من القائمة «تحاشيا للعين» طبعا ربما يعني عين الحكومة لا عين الحسد، وفريق «يتوسط» لإضافة اسمه أو شركته ضمن القائمة لفتح الأعين عليه. لا أريد أن أقول إن كل الأغنياء مزورون، أو أن كل من ظهر في القوائم ملفق، بل يوجد رجال أعمال عرب حققوا أعمالا اقتصادية كبيرة، ونستطيع جميعنا أن نراها على أرض الواقع ونقدر أثمانها بسهولة، وهم أعمدة اقتصادية يجب أن يشكروا على إنجازاتهم، ويستحقون كل دولار جمعوه. نحن في حاجة إلى المزيد من الأغنياء، رجال أعمال مبدعين يغيرون الواقع الاقتصادي الضعيف الذي تهمين عليه الحكومات مع بضعة تجار يقتاتون على نشاطات غير منتجة أبرزها تجارة الأراضي والسمسرة.