قبل ست سنوات أوصى مجلس الشورى بإنشاء مطار إقليمي في محافظة القنفذة إدراكاً منه بأهمية المحافظة بوصفها قلب تهامة وواسطة عقدها، والوجهة السياحية والاستثمارية المؤملة في جنوب منطقة مكةالمكرمة، وفي تهامة منطقة الباحة، وتهامة منطقة عسير، فهي الواجهة البحرية لهاتين المنطقتين، وهي مشتى أهلهما حينما يهرعون إليها فراراً من زمهرير الشتاء، وهي متنفسهم على ساحل البحر، وكانت قبل ذلك ميناءهم الذي تجلب إلى ديارهم عن طريقه بضائع الشرق والغرب، ومنه تُصدّر منتوجاتهم من الحبوب والعسل والسمن والجلود إلى أصقاع بعيدة. وتعدّ القنفذة اليوم مع تهامة منطقة عسير وتهامة منطقة الباحة المجاورتين من أكثر أنحاء المملكة كثافة بالسكان، ومن أوسعها رقعة زراعية وثروة حيوانية وسمكية، وعليها تعلق الآمال في الإسهام بنصيب وافر في مستقبل التنمية في بلادنا. تلك التوصية التي صدرت عن مجلس الشورى بخصوص مطار القنفذة الإقليمي تولّد عنها قرار إنشاء مطار اقتصادي في المحافظة. وعلى الرغم من أن الأهالي لا يعرفون فكرة المطار الاقتصادي، ولا يتصورون الخدمات التي سيؤديها، ولا الأدوار التي سيسهم بها في مستقبل التنمية في المحافظة إلا أنهم فرحوا به فرحة لا تضارعها فرحة، وأخذوا يعدّون الأيام والأسابيع والأشهر لتنفيذه، وأصبح السؤال المطروح في أوساط الأهالي هو متى سينفذ المشروع، ومتى سيطيرون من محافظتهم إلى مختلف أنحاء المملكة وإلى خارجها؛ خصوصاً وقد أعدت عنه الدراسات اللازمة، واختير لإنشائه أكثر من موقع بمعرفة واطلاع هيئة الطيران المدني، وحظي ويحظى بمتابعة كريمة من أمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل (حفظه الله)، وأدرج في موازنة الدولة للعامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة، وأصبح إنشاء المطار قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ إلا أن الفرحة ما تمت - كما يقولون - ذلك أن سمو رئيس هيئة الطيران المدني الأمير فهد بن عبدالله آل سعود صرح قبل أسابيع دون معرفة الأسباب والدوافع لذلك التصريح أن القنفذة لاتستحق أن يُنشأ فيها مطار لقربها من مطار الباحة الذي لا تزيد المسافة بينه وبينها على مائة وستين كيلو مترًا، فأسقط في أيدي الأهالي، وخاب ظنهم، وانقلبت أفراحهم إلى أتراح، وهُرِعوا جماعات ووحدانا إلى مكتب سعادة المحافظ مستعلمين ومتسائلين ومحتجّين، وشكلوا وفداً لمقابلة سمو الأمير فهد بن عبدالله الذي استقبلهم بأريحيّة تامة ليست غريبة على سموه، ووعدهم بإرسال وفد من قبله لدراسة الموضوع من جديد كما علمت. ولي مع مطار الباحة، واستفادة محافظة القنفذة منه عدة وقفات، ذلك أن من السهل أن تأخذ مسطرة وقلماً وتقيس أي مسافة على الخريطة بين بلد وآخ، ولكن الوضع على الطبيعة مختلف تماماً، فمطار الباحة يقع في العقيق على بعد أكثر من 50 كيلو مترًا عن مدينة الباحة، والطريق منه إلى الباحة نفسها خطر ومزدحم لمروره بقرى ومستوطنات حضرية كثيرة. أما إلى القنفذة فإن الأمر أكثر صعوبة لاجتيازه لعقبة الباحة الشهيرة إلى المخواة، ومنها عبر وادي الأحسبة، ومرتفعات بني شرفاء وآل دمينة وشدا غامد والعصداء وناوان إلى المظيلف، ثم منها إلى القنفذة بعد أن يكون قد استغرق من الوقت أكثر من ثلاث ساعات من السير المحفوف بالمخاطر. ولهذا فإن أهالي محافظة القنفذة، وبعض المحافظات التهامية بمنطقة الباحة يفضلون استخدام مطار الملك عبد العزيز بجدة على مطار الباحة على الرغم من بعد المسافة، الأمر الذي يبرّرعدم جدواه لخدمة محافظة القنفذة، ولوكان مطار الباحة في تهامتها أي في بلاد غامد الزناد، أو المخواة، أو ناوان، أو في الشعب الشامي أو الشعب اليماني بأعالي وادي دوقة لاختلف الأمر. أما في العقيق فإنه صعب على نصف أهالي منطقة الباحة فما بالكم بأهالي محافظة القنفذة والمناطق المجاورة لها شرقًا وجنوبًا في محافظات منطقة عسير التهامية. ثم إن هيئة الطيران المدني تعرف أكثر من غيرها أن المطارات ليست ركابًا يسافرون منها وإليها، وإنما هي تنمية وحضارة ووجهات سياحية واستثمارية.. فهل تُحرم محافظة القنفذة، وهي من المحافظات الكبرى بالمملكة، من حقها في التنمية؟ وهل يحول قصر المسافة إن وجد بينها وبين مطار الباحة دون حقها في أن يكون لها مطارها المعوّل عليه مستقبلًا في تنميتها؟ وفي جلب الاستثمارات لها، والاستفادة من مقوماتها الطبيعية، وموروثها الحضاري في السياحة والاستثمار السياحي. ولو غلّبنا طول المسافات وقصرها في إنشاء المطارات بالمملكة فإن مطارات كثيرة معروفة ستختفي من الخارطة، خصوصًا وأن بعضها في محافظات أقل أهمية من محافظة القنفذة، وعلى بعد مسافات من مطارات مجاورة أقصر بكثير مما بين القنفذة ومطار الباحة ، فضلًا عن أن النقل الجوي وغير الجوي في معظم أنحاء العالم، ولا سيما المحلي منه، هو خدمة ومنفعة للبلدان ولقاطنيها، ولا يخضع في الغالب لحسابات الجدوى الاقتصادية. إن ذلك التصريح الذي صدر عن سمو رئيس هيئة الطيران المدني عن مطار القنفذة، في معرض حديث لا أعرف شيئًا عن سياقه، آمل ألّا يوصد الأبواب، أو يقطع الآمال، وإنما أرجو غاية الرجاء أن يعجل بتنفيذ مطار القنفذة قريبًا، وألا يترتب عليه ما يميت فرحة أهلها التي استمرت على مدى أربع سنوات. *عضو مجلس الشورى