يسرق الزمن ما تبقى من كل التفاصيل التي تخفّيت داخلها.. ودفعت من أجلها.. يتوقف عن إرسال الإشارات الواضحة.. ويكتفي بالضبابية التي لا تتجاوز السهام الطائشة.. اخترع الإنسان عامداً متعمداً الأمل.. ركض إليه.. تمايل عليه.. رمى أحماله داخله.. بصفته المسؤول عنه.. جعل منه المكانة وترك له التأثير.. ثمة من تجده يأمل في اللحظة في أن تحقق له كل شيء.. وثمة آخر تعرفه وهو يعيش في دائرة الأمل.. وتغادره وهو كذلك.. ثمة مغالاة تتسع كلما جفت دروب الأمل أمامه.. وكلما استعصت الطرق المؤدية إليه.. عرفته آملاً.. يوسّع المدى كلما سُدت الطرق.. ويركض كلما فتحت أبوابها.. يتوقف دون خوف من احتراق ما تبقى من مراكبه التي ستحمله إلى هناك.. ميناء الأمل كما يعتقد.. يقول إنه اكتشف علاجه في الحياة.. علاج الهموم.. وعلاج الأوجاع.. وعلاج الكوارث وأصر على تعاطي هذا العلاج رغم انه غير متوفر الآن.. ولكن كما يعرف سيجده غداً.. وغداً ليس بمعناه الحرفي بل بالمعنى المفتوح له.. من الجيد أن يصغي المريض لداخله من أجل التعافي إن أراد.. ومن الجيد أيضاً ان يبحث الإنسان عن طريق عندما يحاصَر في الأماكن المغلقة.. منفذ يغادر منه.. أو قد يغادر مستقبلاً.. بوابة ينفذ منها إلى الغد الذي يبدو أحياناً في عرف المستحيل.. شخص آخر يرى أن الأمل يرافقه ولا يتخلى عنه، رغم ان من معه يقول إنه عجز من تسكعه في ممراته دون أن يراه، أو التقى به.. تسكع أمامه حتى حوّل طرقاته إلى ممشى ومع ذلك لم يلتق به.. ولم يرافقه.. وهي الرفقة التي ينتظرها.. ويبحث عنها.. ويصر أنه سيجدها ذات يوم.. يشتكي ممن حوله الذين لا يدركون ما يشعر به.. وهو يلازم إحساسه المؤمن بالغد والمصر على تيقظ كل ما هو جميل.. يتحمل مسؤولياته كاملة في تشكيل الجزء الخاص به نفسياً على الأقل.. مما يخفف العبء على الآخر المحتمل له معنوياً.. كلما ضاقت سارع إلى توسيع المدى، وفتح كل الأبواب.. وكلما تقدمت الهموم.. سعى إلى استباق خطواته عنها.. أو مرافقتها حتى يستطيع صياغة مفردات هذه المرافقة المجانية.. يؤمن بأن التغيير قادم.. يتعامل مع ذلك بشجاعة رغم عتامة كل الصور التي أمامه.. اغتنت دواخله بحسابات خاصة به.. تختلف تماماً عن حسابات الآخرين.. والقليل من اليأس الذي لا يعيق التقدم.. ولا يفاوض مراكب الأمل على الرحيل وهي تهم بالقدوم.. حصّن نفسه دائماً بما هو آت حتى وإن كان على حافة الهاوية.. التي لم يغادرها في لحظة الخوف.. بل استمتع بها والتقط الصور لها هل يفكر بشكل منطقي؟ هل يحمل تفاؤله الآمن داخله؟ أم استسلامه البارد لذاكرة لايمكن أن تخزّن داخلها سوى الأمل حتى ولو كانت متراكمة بالأسى والألم.. اقتنع وأقنع نفسه.. ولامس أولوياته.. بأحاسيس لا تختلط فيها الشكوك.. ولا تزورها المخاوف.. لامس ما يريد.. ولم يصل فقط.. بل استمتع بعد ذلك بتحصين ما تحصّل عليه..