حين استيقظتُ والليل لا يزال ينتزع الإذعان لحضوره، لم أرغب أن أتواطأ مع هذا الاستيقاظ المعتاد في أن أخرج من قاعدة ظلام الغرفة الحالك، لأتحول إلى ساعة الهاتف الجوال الصامت لأقرأ أرقامها. لم أرغب في أن أعرف الوقت الذي غادر فيما يشبه النوم، والذي بدا وكأنه أقل من ساعة لم تتغير بذاتها، ولم تتبدل كما تعودت عليها. هيمن الاستيقاظ فجأة، وهيمنت لحظة استنطاق تلك اللحظات الباردة، والتي لا تأتي إلا في المسافة الفاصلة بين ما نبحث عنه، وما نضطر إليه. يتكرر مشهد الاستيقاظ ولا يبدو كل ليلة وكأنه تقاطع عابر من الطريق لا أكثر. يتكرر المشهد باستحقاق ليلي وفي عالم يتكرر تدويره لمرات دون أن يتراءى لك المشهد خالياً من أن يغيب ذات ليلة. بضع صور واضحة. وثمة أحداث بعضها يتكرر، وبعضها يصعد ويستبد بلحظة الحضور الصافية التي أنت بها الآن. لا تملك الرغبة للتعاطي مع الضوء رغم أنك في كامل تيقظك، ولا تملك الرغبة في التحول عن المكان، أو تغيير وضعية نومك، أو استنزاف هدوئك في محاولة العودة إلى النوم الذي تسلل وسط زحام الظلام الحالك. اقتنعت أنك ضحية ثابتة من ضحايا الاستيقاظ بعد أقل من ساعة من النوم الليلي الذي تحاول الامساك به. وأنك لم تعد تمتلك المفردات الكافية لتقلل من حجم الازعاج والارتباك في مكانك الذي تُصاب به عندما تستيقظ. اخترقت مرحلة النوم العميق الذي حلمت به، وتفاعلت إيجابياً مع الاحساس به. وفاضت اللحظات الحميمة من صفحات الأيام الماضية والتي ستأتي. تفجرت تباعاً وكأنها فوضى مفتوحة تنهب معها ما يمكن أن تهرب من استبداده. لم تعد تمتلك القدرة على الهروب من هذه اللحظات التي ترمدت بالمراجعات الصادمة، وباحتدام ظروف ولحظات ربما غيّبها تسارع ساعات الأيام. حضرت موجات العقوبات الليلية وكأنها انفجار شامل ومستبد اختار المكان والزمان والمصابين ايضاً. تحاول جاهداً أن تميل إلى التهدئة، وكأنك تمسك بشيء يتجاوز طاقتك الكاملة. ليست المسألة أعقد مما تتخيل عندما تحين لحظة الحساب، وليست أصعب عندما يُفرض عليك الصدام دون أن تقدم تقريرك النهائي بأنك لا تكترث بالمصير، أو تفكر في كلفة ما يمكن أن يصيبك عندما تصاب بالاصطدام. ولست مخيّراً بين بنود المراجعة القاسية، والهروب على امتداد طريق مغلق، وتتكسر أرصفته كلما حاول أحدهم الوقوف عليها. محاصَرٌ أنت باستبداد هذه اللحظة من التيقظ. وعاجزٌ عن انتظار التخلص بعد أن أصبحت اللحظة متمازجة مع ذاتك الكاملة الباحثة عن الحلول، وتفتيش ما كان وما ينبغي أن يكون. في مكانك بدوت مندفعاً لتأسيس ما تشعر به، بعيداً عن تواصل ذلك السرد المؤلم لما كان، أو ما يستحق أن يكون. تمسكت رغم كل شيء ورغم المقاومة الجارفة بصدى صوت الداخل، والصفحة المفتوحة التي لم تطوَ، والقدرة على الاستماع الخارق الذي كثيراً ما تظاهرتَ بأنك لم تسمعه. فاضت اللحظة المفاجئة وأصبح ولاؤك لها مسألة لا تقبل التأويل أو الانفتاح. انغلقت عليها دون إحساس كأن هناك شيئاً ما مقلقاً، وبأن البدايات كالنهايات لا تتغير. لم تحسب حساباً لأي شيء، لكن تمسكتَ بالبقاء على ساحل اللحظة التي لم تمسك بها فوضى النهار.