اسمحوا لي ان اقتبس مقطعا من مقدمة رسالتي للدكتوراة (قبل 24 سنة، 1988). يقسّم المقطع عصر البترول الى اربع مراحل كل مرحلة خمسون سنة. المرحلة الاولى الاعوام 1970 – 2020 يسودها البترول التقليدي (كبترول المملكة). يليها الاعوام 2020 – 2070 يتخللها ثم يسودها تطوير البترول الامريكي والكندي غير التقليدي (Sands، Shale)، وتسييل الفحم والغاز، والبيوماس. يليها الاعوام 2070 – 2120 يسودها تطوير البترول الاكثر صعوبة (high cost shale) في شتى انحاء العالم (ارضا وبحرا والقطبين). يليها الاعوام 2120 – 2170 حيث يتوصل الانسان خلالها الى ايجاد بدايل متجددة بتكلفة ثابتة للوحدة back-stop (صفحة 22). اذن ليس مفاجأة جديدة ان يعلن الآن تقرير وكالة الطاقة الدولية IEA ان انتاج بترول امريكا (السوائل البترولية بأنواعها) قد يتجاوز انتاج بترول المملكة خلال الاعوام 2017- 2020 فهذا يتوافق مبدئيا مع نظرية الموارد الناضبة التي تقضي بأنه عندما يقترب البترول السهل الرخيص من بلوغ الذروة سيبدأ الانسان تلقائيا بتطوير وانتاج البترول الصعب عالي التكاليف لتعويض الفجوة بين العرض والطلب على مادة اساسية لازال الاقتصاد العالمي ليس مهيئا للاستغناء عنها. من الواضح ان الفرق بين تقرير الوكالة الدولية لعام 2012 وتقريرها لعام 2011 عن انتاج بترول المملكة هو فقط بأن تقريرها العام الماضي (شأنه شأن تقارير الجهات الاخرى) كان يفترض انه من المسلم به ان تزيد المملكة انتاجها الى 15 مليون برميل فأكثر (دون مراعاة لظروف المملكة) تلبية لزيادة الطلب على البترول بينما الآن اصبحت الوكالة اكثر واقعية في افتراضاتها. انه من حسن حظ اجيالنا القادمة ان العالم اكتشف الآن انه ليس من صالحه ولا صالح المملكة ان تضحي المملكة بذهبها الاسود كمسكّن مؤقت لن يدوم طويلا بينما يوجد لدى العالم امكانيات بديلة اكثر جدوى واكثر استدامة لاشباع احتياجاته للبترول. من اجمل التصريحات التي أفرحتني واستبشرت بها (واعتقد انها الدافع لخفض وكالة الطاقة الدولية تقديرها لانتاج بترول المملكة) هو التصريح الذي نشرته المجلة المشهورة OIL&GAS Journal بتاريخ 12 اكتوبر 2011 منسوبا الى المهندس خالد الفالح (رئيس ارامكو) يقول فيه انه لم يعد يوجد حاجة الى ان تزيد ارامكو طاقتها الانتاجية الى 15 مليون برميل في الوقت الذي تخطط فيه الدول المنتجة الاخرى كالبرازيل والعراق لزيادة expansion طاقاتها الانتاجية. ومن اجمل الكتابات التي تطربني واحرص على قراءتها في صحافتنا هي الكتابات التي يكتبها المهندس عثمان الخويطر (نائب ارامكو سابقا) عن احتياطيات البترول. لكن – واحسرتاه – افراحي لم تكتمل فمن اسوأ ماقرأته فأحزنني هو تصريح نشرته احدى صحفنا الاقتصادية مؤخرا بالنص التالي: "اكد مستشار لوزير النفط السعودي ان زوال المضاربة على اسعار النفط .. سيهبط باسعاره الى 30 دولارا للبرميل". هذا التصريح (اذا كان غير محرف) يدل على ان هذا المستشار للأسف لايعرف ان اكثر من ثلاثة ارباع انتاج البترول في العالم سيتوقف اذا انخفض سعر البرميل الى 30 دولارا وستعلن شركات البترول افلاسها ولن تلبث الاسعار طويلا حتى تحلّق الى السماء السابعة. موضوع الاسبوع القادم – ان شاء الله – عن دور وتأثير المضاربين على اسعار البترول.