على الرغم من امتلاك المواطن الوعي بدوره في تعميق مفهوم الأمن، والمشاركة فيه، من خلال تحوله إلى رقيب أمني على ما يحدث من مخالفات وجرائم، إلاّ أنه لا يتخذ غالباً قرار الشجاعة بتحوله إلى "مُبلِّغ" عن أي جريمة يشهد عليها، أو يعرَّف بها، أو يكشف عن مجرم اقترف مخالفة قانونية، سواء كان قريباً منه أو غريباً عنه، فالخوف من التبليغ هو السمة السائدة لدى غالبية أفراد المجتمع، والخوف هنا ينحصر في مستوى تحمل مسؤولية التبليغ، أو ربما خوفاً من انتقام المُبلَّغ عنه، أو خوفاً من الوقوع في توابع ذلك التبليغ، بكثرة الاستدعاء إلى هيئة التحقيق والادعاء العام؛ فيشعر أنه وضع نفسه في موقف لا يُحسد عليه، ليُفضل الكثيرون الابتعاد، وعدم الدخول نهائياً في التبليغ. د.الزبن: لا يوجد نظام يحدد آلية التبليغ وحقوق المبلِّغ إن إحجام البعض عن التبليغ يتطلب إطلاق مبادرة تُعزّز من أهميته، عبر وجود أنظمة واضحة تخلي مسؤولية المبلِّغ، وتعطيه الأمان الكامل، مع الاحتفاظ بحق الجهة الأمنية المتعلقة بالمبلِّغ، كما أنه لابد من ردم الفجوة بين رجال الأمن وبين المواطنين بالتغلب عليها عن طريق برامج توعوية تثقف المجتمع على أهمية المؤسسات الأمنية، وأن من يعملون بها هدفهم الأساسي حماية المجتمع وليس معاقبة الأفراد. وتلعب الظروف البيئية دوراً في تعزيز التبليغ، فحينما يعيش الفرد في بيئة تحبذه، ويجد نفسه بعد التبليغ مقبولاً ومشجعاً، والجميع يحتفي به، فإنه يبادر إلى ذلك، كما أنه يستشعر دوره في التبليغ عن أي جريمة، فالشهادات تغيّر من مسار الكثير من القضايا، وتكشف عن ملابساتها، بل وتُظهر الحقيقة كاملة أمام الجهات الأمنية. د.حافظ: نوعية وحجم المشكلة وصلة القرابة تؤثر كثيراً ثلاثة جوانب وقال "د.إبراهيم الزبن" -أستاذ الجريمة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن التبليغ يرتبط بثلاث جوانب رئيسة، الأول مرتبط بالجانب النظامي والقانوني، فلا يوجد نظام يحدد آلية التبليغ وحقوق المبلِّغ، مضيفاً أن طبيعة الإجراءات عادةً في حالة التبليغ تعتمد بشكل كبير على جوانب ارتجالية عشوائية وغير منظمة، وتعتمد بشكل أساسي على طريقة المعالجة لكل حالة، مبيناً أن هناك جانباً يتعلق بالمبلِّغ ومن يستقبل التبليغ، حيث لابد أن يكون لديه النضج الكافي لحماية حقوقه بطريقة إيصال المعلومة بشكل يحميه من المساءلة القانونية، مشيراً إلى أن المبلغ لا يتحمل المسؤولية الجنائية، ولكنه شخص يتعاون مع النظام ومع الأجهزة الأمنية في مكافحة الجريمة. وأضاف أن الجانب الثالث اجتماعي، ويرتبط بشكل كبير بالصورة النمطية التي تنتشر في المجتمع، ويدركها الأفراد من حيث أن من يبلِّغ هو مشارك بارتكاب الجريمة، وأن تبليغه هو نوع من إخلاء المسؤولية أو التغطية عن جريمته، وأن الأجهزة الأمنية تتعامل مع حالات التبليغ بشكل لا يساعد على توفير البيئة المناسبة للأفراد للمشاركة في مسؤوليتهم الاجتماعية تجاه الجانب الأمني، فبدل أن يكافئ الشخص المبلغ ويشجع ويعد شخص واعي ومدرك للمسؤولية الاجتماعية الأمنية، يصبح شخص في محل اتهام ويدخل في إجراءات نظامية أو قانونية قد تتسبب في اتهامه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. السويلم: الوعي يوقظ الضمير ولا يمتنع عن الشهادة.. أنظمة واضحة وأشار "د.الزبن" إلى أنه حتى رجال الأمن يؤمنون بتلك الصورة النمطية، فالأفراد الذين ينتمون للمؤسسات الأمنية لديهم ذات التخوف من التبليغ، مضيفاً أن الجانب النفسي مرتبط بشكل كبير بالتنشئة الاجتماعية، والخوف من الأماكن المتعلقة بالمؤسسات الأمنية، فالطفل في المجتمع حينما يفعل أي سلوك ويرغب الوالدين في ردعه عن القيام بذلك السلوك، فإنه يتم تهديده بإخبار الشرطة، أو استدعاء الشرطي، فيتشرب تلك القيمة وهذا الاعتقاد، ويصبح لديه نوع الخوف من المؤسسات الأمنية، بل وينمو معه حتى يكبر، فيشعر أن دخوله في المؤسسات الأمنية يعني الخطر، وأنها مؤسسات رقابية وعقابية وضبطية، مبيناً أنها لم تصوّر على أنها جهات مجتمعية تحمي المجتمع، وتشارك في حمايته، حتى تشكّل الخوف من التعامل مع هذه المؤسسات، وإن كان في سبيل إنقاذ فرد. تعاون المواطن مع الجهات الأمنية يحد من انتشار الجريمة «أرشيف الرياض» وقال إن تعزيز مبادرة التبليغ لدى أفراد المجتمع لابد أن ينطلق أولاً من وجود أنظمة واضحة تخلي مسؤولية المبلِّغ وتعطيه الأمان الكامل عند التبليغ، مع الاحتفاظ بحق الجهة الأمنية المتعلقة بالمبلِّغ، ففي الحاجة فقط يستدعى حتى يطمئن، مُشدداً على أهمية ردم الفجوة بين رجال الأمن والمؤسسات الأمنية وبين المواطنين بالتغلب عليها عن طريق برامج توعوية تثقف المجتمع على أهمية هذه المؤسسات الأمنية، وأن من يعملون بها هدفهم الأساسي حماية المجتمع وليس معاقبة الأفراد، كما أنهم يمارسون دوراً مهماً في المجتمع لضبط وحماية هذا المجتمع، ناصحاً بوجود المساعدة والدعم لهم من خلال مشاركتهم في مسؤوليتهم الأمنية، فهي مؤسسة صديقة للمواطن؛ لأنها تحافظ على أسرتك ومنزلك وممتلكاتك الشخصية. أهمية التبليغ تكمن في إظهار الحقيقة وإلقاء القبض على المجرمين ظروف محيطة وأكد "د.أحمد حافظ" -مستشار نفسي- على أن هناك الكثير من العوامل التي تعتمد على تحفيز الفرد على التبليغ، مضيفاً أن نوعية وحجم المشكلة لها دور في توجيه الفرد للتبليغ، كما أن مدى معرفة الشخص بمرتكب الجريمة له دور في دفع الفرد نحو التبليغ، فإذا كان من المقربين قد يصعب ذلك، كما يعتمد التبليغ على مستوى التعليمي لدى المبلِّغ، فهناك من يرى رجل يضرب زوجته بطريقة وحشية، فإذا كان وعيه محدوداً قد يقول: "ليس لي علاقة"!، بينما شخص آخر واعي ومتعلم ينظر للموضوع على أنه نوع من العنف، مشيراً إلى أنه يجب التفريق بين الاهتمام بالقضايا العامة التي تمس أمن الوطن وبين "الحشرية" التي يتدخل من خلالها الفرد فيما لا يعنيه، مبيناً أن نظرة الناس تختلف في تلك الحدود ومدى النظرة للأمور أنها شخصية أو غير شخصية. وقال إن الظروف البيئية المحيطة لها دور في تعزيز التبليغ، فحينما يعيش الفرد في بيئة تحبذ التبليغ ويجد نفسه بعد التبليغ مقبولاً ومشجعاً، والجميع يحتفي به، فإنه يبادر إلى ذلك، مؤكداً على أن للجهات الأمنية دور في تعزيز التبليغ أو العكس، ذاكراً أن البعض قد يدخل في إشكالات كبيرة حتى مع الجهات الأمنية، فيطلبوا إثباته، وربما تدار أصابع الاتهام حوله، فيسهم ذلك في ردة فعل سلبية داخل المبلِّغ. د.إبراهيم الزبن مهارات وسلوكيات وأضاف "د.حافظ" أن البعض لا يمكن أن يبلِّغ عن القريب حينما يرتكب جريمة؛ لأنه يشعر بالقرابة تجاه مرتكب الجريمة، وهناك من يشعر أن المحبة الحقيقية في التبليغ عن مرتكب الجريمة، حتى وإن كان من أحد الأقرباء، لحمايته من نفسه وأخطائه، داعياً إلى ضرورة تعزيز مفهوم الولاء والوطنية في نفوس المواطنين، مشدداً على أهمية أن تتحول إلى مهارات وسلوكيات تعمل على أرض الواقع عن طريق وجود القدوة في المجتمع؛ لأنهم يحركوا الشارع إلى الأمام، فحينما نجد شخصية مؤثرة بلَّغت عن مرتكب جريمة، فإن المجتمع يتأثر نفسياً بذلك الموقف، ويبدأ يتبنى تلك القيمة. د.علي السويلم حفظ الحقوق ورأى "د.علي عبدالكريم السويلم" -محامي ومستشار قانوني وعضو اللجنة الوطنية للمحامين- أنه على كل فرد من أفراد المجتمع أن يستشعر دوره في التبليغ عن أي جريمة، سواء حدثت أو علم أنها ستحدث، للمساهمة في منعها، مضيفاً أن النظام والقانون في الدول الأخرى يجرِّم في هذه الحالة من يمتنع عن التبليغ، ويعتبره مُذنباً في عدم القيام بأحد واجباته، فعلى سبيل المثال إذا وُجد طفل يلعب قريباً من البحر ثم انزلق وغرق، وهناك من ينظر إليه فلم يساعده، فإن ذلك قد لا يدخل ضمن التجريم القانوني، لكن ذلك يخالف الضمير الإنساني، مُشدداً على ضرورة أن يحرص الفرد على أداء الشهادة بالتبليغ، أو المساهمة في ذكر معلومات قد تحل من إشكالات بعض الجرائم. وقال إن مبادرة أفراد المجتمع للتبليغ يعتمد في المقام الأول على وعي الإنسان بمهامه تجاه الوطن، وما يجب عليه تجاه قول الحق بالتبليغ عن الجريمة، ففي ذلك صيانة للحقوق التي أوصى بها الدين الإسلامي، وعدم التردد في إدلاء الشهادة عون للقضاء في البت في الخصومات، مضيفاً أنه في الشهادة منع للاعتداء وتزايد الجرائم، مشيراً إلى أن النظام والقانون توجب على من رأى حالة اعتداء أن يبلغ ويشهد بما رآه ولا يخفي الشهادة، مشدداً على أن ذلك واجب ديني واجتماعي وأخلاقي، مبيناً أن الجهات الأمنية ترحب بذلك؛ لأنها ترغب في من يساعدها ويكون لها عون على القضايا التي تبنى عليها أحكام. وأضاف أن الشهادات تغيّر من مسار الكثير من القضايا، وتكشف عن الكثير من ملابساتها، موضحاً أن التبليغ مهم على الرغم من أنه غير إلزامي، بل إنه مبادرة ذاتية من المواطن، داعياً إلى ضرورة التبليغ، خاصةً إذا علم المبلِّغ أن في هذه الشهادة إنصاف للمتضرر أو المتهم.