` العراق حيّر مواطنيه، فمن آمال تخطي ماضي الدكتاتوريات إلى حكم مدني ديموقراطي، والانتقال من رعب السلطة إلى بناء المؤسسات، وانتهاء الفساد الإداري والاقتصادي، إلى نكسات متتالية، فكل الأدوار التي تقوم بها السلطة الراهنة، افتعال العدادات في الداخل ونشر الفوضى كتعبير عن عجز كبير في أداء ينقذ الشعب من الاغتيالات وفوضى الأمن، وضعف البنى التحتية وانتشار الرشاوى والمحسوبيات، حتى إن تجزئة العراق لم تعد على الورق بل صارت جزءاً من عمل منظم ومستهدف على أرض الواقع.. فالعراق بلد بموارد هائلة، لكن إذا لم تذهب إلى أرصدة شخصيات الدولة ومحاسيبها، فإنها توظف لصالح أهداف إيرانية تقوم بها الدولة نيابة عنها، كدعم حزب الله وسوريا، وسد بعض العجز المالي الإيراني بسبب وطأة الحصار الذي أضر بصادراتها النفطية، دولة بهذه المواقف لا تستطيع جلب الأمن للعراق، والخروج به من نفق الطائفية والعشائرية وتحدي المكون الاجتماعي والديني والقومي، حتى ان خلق الأزمات مع الأكراد، وعودة الصراعات التقليدية أفرز واقعاً قد يؤدي إلى إعلان دولة الشمال من طرف واحد مما يعني عودة التوترات السياسية والتحارب باسم العداء القومي والطائفي.. لقد فضحت صفقة الأسلحة مع روسيا مدى اهتراء الدولة عندما كشفت الوقائع رشاوى من قبل أطراف بالسلطة، ويبدو أن الأمريكان على خط المعارضة لها، وربما هم من فجروا الواقعة وبصرف النظر عن الصراع القائم بين مثلث إيرانوروسيا من جهة، وأمريكا من جهة أخرى على أرض العراق واستقطابه إلاّ أن الصورة نزعت منه استقلالية القرار، ولعب دور البلد الذي لا يرتهن لأي سلطة، لكن تنافر القوى والمزايدات التي تجري بينها جعل الولاءات تنتقل إلى عناصر خارجية.. في الداخل ليس هناك من يعرف أين تتجه السلطة، تفجيرات بعضها تتهم الحكومة بها لتصفية بعض العناصر، أو خلق شعور عام بعدم الأمان، وهناك من يرى اعتماد التفرقة بين المذاهب والعشائر والقوميات، وشراء الولاءات جزءاً من سياسة احتكار الهيمنة، وفي العلاقات العربية لا يوجد بناء الثقة مع الدول المجاورة وخارجها، بل إن مطاردة كل ما هو عربي، صار جزءاً من حرب الهويات لصالح تعميم الفارسية كعمق للمذهب الذي تلتقي عنده سلطة المالكي وملالي إيران، وقد تمت تصفية الرموز العربية باسم مطاردة البعث مثلما حورب السنة وبقية الطوائف بذرائع الحرب السياسية والنفسية.. لا أحد يعرف أين يتجه العراق فهو غير متجانس ومتلائم داخلياً، ولا هناك أجواء مصالحة مع نطاقه العربي، ودولياً ضائع بين جبهات إقليمية ودولية، فإيران حليف هي ونظام الأسد، وتركيا ودول الخليج على قائمة الأعداء الثابتين في سياسة نظام المالكي، وكل يرى احتمالات الانفجار قائمة لأن ضابط الإيقاع بتميز شخصية العراق المستقلة والثابتة، بات عرضة للتقسيمات والنزاعات، ومخلفات الحروب خلقت أجيالاً من حالات الأمراض النفسية والعضوية، وهي مؤشرات لأزمات متلاحقة قد لا تحل بوجود السلطة الراهنة..